الجمعيات الخيرية جسر المتشددين لاستقطاب المزيد في ألمانيا

جهاز الاستخبارات الألماني يحذر من مخاطر تنامي أعداد الإسلاميين المتشددين، ما يضاعف من احتمال تعرض البلاد إلى هجمات إرهابية.
الاثنين 2018/07/23
المعالجة الأمنية غير كافية

برلين - كشف مسؤول استخباراتي ألماني أن هيئة حماية الدستور بألمانيا (الاستخبارات الداخلية) تتلقى إشارات متزايدة على وجود سلفيين متشددين بألمانيا، فيما ينتقد محللون تساهل السلطات الألمانية تجاه أنشطة الجماعات المتشددة التي تختفي وراء الجمعيات الخيرية.

ويرى مراقبون أن الجماعات الإسلامية المتشددة بصدد استغلال العمل الجمعياتي كركيزة قانونية للتحرك بسهولة داخل البلاد واستقطاب المزيد من الأنصار، ما يستوجب مراجعة العديد من القوانين وجعلها أكثر صرامة.

وأوضح هربرت لاندولين مولر، خبير الإسلام السياسي بالمكتب المحلي لحماية الدستور بولاية بادن-فورتمبرغ جنوبي غرب ألمانيا، لوكالة الأنباء الألمانية أن في هذه الولاية وحدها يُنسب 950 شخصا لهذا التيار الإسلامي المتشدد حاليا.

وقال مولر في مدينة شتوتغارت “الأعداد تتزايد في الأساس لأننا نحصل على المزيد من الإشارات الصادرة من المواطنين، وبذلك تتكشف المنطقة المظلمة”.

وتنامى المشهد السلفي بشكل كبير في ألمانيا خلال الخمسة أعوام الماضية، حيث بلغ عدد مثل هؤلاء الأشخاص في الولاية 750 شخصا في عام 2017.

وبحسب بيانات وزارة الداخلية الاتحادية في أبريل الماضي، ينتمي نحو 11 ألف شخص على مستوى ألمانيا إلى هذا التيار، أي ضعف ما كان عليه في عام 2013 .

ويعيش نحو ثلاثة آلاف سلفي في ولاية شمال الراين- فيستفاليا غربي ألمانيا، من بينهم 832 يُعتبر أن لديهم استعدادا لاستخدام العنف، وهناك أكثر من 250 شخصا منهم تصنفهم الاستخبارات الداخلية بألمانيا على أنهم خطرون أمنيا.

وبحسب معلومات وكالة الأنباء الألمانية، ارتفع عدد المصنفين على أنهم خطرون أمنيا في ولاية بادن-فورتمبرغ من 60 شخصا تقريبا في العام الماضي إلى نحو مئة شخص، حيث إن الخطرين أمنيا هم الأشخاص الذين تتوقع السلطات الأمنية أن يقوموا بشن هجمات.

وكأمثلة لولايات ألمانية أخرى، تعتبر الاستخبارات الألمانية أن هناك 880 شخصا حاليا في ولاية سكسونيا السفلى ينتمون إلى التيار السلفي، فيما ارتفع عدد السلفيين في ولاية بريمن، معقل الإسلاميين، عام 2017 إلى نحو 500 شخص.

هربرت لاندولين مولر: نتلقى إشارات متزايدة على وجود سلفيين متشددين في ألمانيا
هربرت لاندولين مولر: نتلقى إشارات متزايدة على وجود سلفيين متشددين في ألمانيا

وكشفت الصحوة الغربية تجاه توغل تنظيم الإخوان المسلمين في المجتمعات الأوروبية مناورات التنظيم الفكرية والأيديولوجية التي تقف خلفها دول إسلامية كبرى مثل تركيا، في خطوة رأى فيها مراقبون حزما غربيا شديدا تجاه التنظيم، الذي لم يعد خداعه يُؤتي أكلا.

ويعوّل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على عدد من رجال الدين الأتراك المنتشرين في أوروبا، الذين يدينون له بالولاء، لتسويق خطاب أصولي يخدم أجندة تنظيم الإخوان المسلمين، ما دفع بالدول الغربية إلى رفض انتداب الأئمة الأتراك في المساجد.

ولم تمض أشهر قليلة على تورط أنقرة في التجسس على مواطنين أتراك بألمانيا والنمسا وهولندا، حتى أعلنت فرنسا استبعاد الأئمة القادمين من تركيا، والبحث عن آليات لتأهيل مُتخصصين في الإسلام المُعتدل، بعد اتهام الأئمة الأتراك بتصدير خطاب أصولي لمصلحة النظام الحاكم في تركيا.

والواقع أن الأئمة الأتراك يعدون واجهة خفية لتشكيل الحياة الدينية للأتراك المقيمين في أوروبا لخدمة أهداف أيديولوجية وسياسية، علاوة على الدور المحوري الذي يلعبونه لتكريس توجهات سلطة الحكم في تركيا، قام بها الاتحاد التركي الإسلامي للشؤون الدينية.

وفي هذا السياق، يصعب النظر إلى الرفض الفرنسي، بعيدا عن توجهات السلطة في تركيا لأسلمة المجتمع، كما لا يمكن فصل القرار الفرنسي عن توجهات الاتحاد الأوروبي الذي قضى بتجميد مفاوضات عضوية تركيا في ظل تماهي أردوغان مع التيارات المعادية للعلمانية.

وتبدي أوروبا قلقا بشأن دعم أنقرة الكيانات الدينية المتطرفة في عدد كبير من دول المنطقة، من خلال توفير الاستضافة والدعم المالي والمنصات الإعلامية، حيث يقترن الرفض الفرنسي للأئمة الأتراك، بتوجهات دول أوروبية تتصاعد شكوكها حيال دور سياسي مشبوه للأئمة الأتراك. وتجلت مخاوف أوروبا، عندما وافق برلمان النمسا على مشروع قانون ينص على إخلاء البلاد من الأئمة الأتراك العاملين في مساجد تابعة لفرع الاتحاد الإسلامي التركي بالنمسا، والامتناع عن استقبال أئمة جدد من تركيا.

ولم تكن الإجراءات الفرنسية في إطار مكافحة التشدد التركي تقتصر على رفض توظيف الأئمة الأتراك، إذ علقت فرنسا، مطلع يناير، إعلان نوايا كانت وقعته مع تركيا في العام 2010، ويتضمن زيادة تدريجية لعدد الأئمة حتى يصل إلى 151 إماما بنهاية العام الجاري.

وتستدعي حادثة رفض فرنسا تعيين الأئمة الأتراك، العديد من الأبعاد السياسية، لأن التوجهات السياسية التركية في الداخل والخارج باتت تتسم بالاضطراب وتغيير التموضع، وبات يتعذر على أوروبا فهمها، من منظور استقرار تركيا، أو من منظور التوجه التركي نحو دعم جماعات الإسلامي السياسي.

وكانت صحيفة دير شبيغل الألمانية، واسعة الانتشار، قد أكدت في تقرير منشور لها مؤخراً، أن الرئيس أردوغان يستخدم الاتحاد كجزء مهم من شبكات التحكم في الأتراك المغتربين من أجل أهدافه الخاصة.

ويعود التعاطي السلبي مع الأئمة الأتراك في جانب معتبر منه إلى شكوك أوروبية في الخطاب المؤدلج للدعاة الأتراك، فضلا عن حرص أوروبي على ضمان تلبية متطلبات الاندماج في المجتمعات الغربية، وضمان التنوع الثقافي بجوار الحفاظ على مبادئها العلمانية.

5