خلاف أسري في تونس يتحول إلى جدل بشأن الحرية والتدين

تطويق جموح سن المراهقة نقطة ضعف الأسرة التونسية، وعجز الآباء عن تصويب سلوك الأبناء يدفعهم نحو القضاء.
الجمعة 2018/07/20
حرية أم استفزاز

تونس - أعلمت نهى بشيني، الفتاة التونسية التي لم تبلغ بعد سن العشرين، أصدقاءها ومتابعيها على فيسبوك بأنها اقتيدت لمستشفى الأمراض العقلية بتونس مقيّدة اليدين بعد أن تقدم والدها ببلاغ في شأنها يتهمها بمعاناتها من اضطرابات نفسية حادة. وقالت نهى في مدونتها “في بلادنا اللادينية، الإلحاد مرض نفسي ورحلات التخييم والعمل الجمعياتي أعراض انتحارية والوشم والشعر الأحمر يعنيان أن الشخص من عبدة الشيطان..”، واعتبرت الفتاة أن والدها فعل ذلك بعد يأسه من معالجتها عن طريق المشعوذين والروحانيين ورجال الدين.

ونظّمت مجموعة من مؤيديها وقفة احتجاجية أمام المستشفى المذكور مطالبين بإخراجها منه.

وتدخلت العديد من المنظمات الحقوقية والليبرالية للتعليق على القضية، وقال الناطق الرسمي باسم الحزب الليبرالي التونسي، وعضو حركة المفكرين الأحرار حاتم الإمام، إن ”نهى التي تجاوزت الـ19 دخلت مستشفى الأمراض النفسية بالقوة عبر أمر من وكيل الجمهورية إثر شكوى من والدها الذي يعمل إماما لدى وزارة الشؤون الدينية بصفته وصيا أدبيا حسب قانون الوصاية الذكوري التعيس في القانون التونسي”.

وأشار الإمام إلى أنّ ”والد الفتاة يقول إن ابنته جُنّت ولم تعد تؤمن بدين آبائها.. الأطباء يسألونها إن كانت من عبدة الشيطان وطبيبتها المباشرة تقول إن تصرفاتها مخالفة للعادات الاجتماعية وأنها ذهبت للتخييم مع أصدقائها كمثال..”. واتخذت شكوى والد نهى أبعادا تجاوزت الخلاف الأسري حول نمط العيش وحول الإيمان بالله من عدمه وحول رحلات التخييم التي يقبل عليها الشباب اليوم، إلى قضية رأي عام تناولتها وسائل الإعلام المحلية كما استمرت النقاشات حولها لأيام على منابر التواصل الاجتماعي وعلى رأسها فيسبوك الأكثر استخداما في تونس.

البحث عن الدوافع والأسباب التي تجعل فتاة مراهقة وتلميذة في الثانوية في مدينة صغيرة تبلغ هذه الحدود من الجرأة ضروري

وأفادت الهيئة الوطنية للوقاية من التعذيب في تونس، بأنّ فريقا مصغرا من أعضائها تحول إلى مستشفى الرازي بمحافظة منوبة، لمعاينة وضعية نهى بشيني والتثبت من حقيقة ما تم تداوله حول إيواء المعنية بالأمر. وأكّدت الهيئة، أنّ إيواء الفتاة تمّ بموجب قرار من وكيل الجمهورية بالمحكمة الابتدائية بمحافظة جندوبة (الشمال الغربي) بناء على تقرير طبي نفسي طبقا لما يقتضيه القانون.

كما أكّد الناطق الرسمي باسم المحكمة الابتدائية في جندوبة أن الفتاة التي أودعت مستشفى الأمراض النفسية والعقلية بموجب قرار إيواء معلّل وسليم أصدرته هذه المحكمة.

وتقدم والد الفتاة بمطلب لإيوائها في المستشفى للعلاج بسبب وضعيتها النفسية التي باتت تشكّل خطرا عليها وعلى المحيطين بها، وبعد عرضها على طبيب مختص ارتأت تشخيصاته الأوّلية ضرورة إيواء الفتاة المعنية بالمستشفى وصادق وكيل الجمهورية على قرار الطبيب وأصدر بطاقة الإيواء.

ويتابع الكثير من الناشطين المدنيين والحقوقيين قضية نهى وكذلك متابعي فيسبوك، حيث دارت نقاشات حادة وصلت إلى حد العنف اللفظي وتبادل التهم بين المساندين لنهى وبين منتقديها ومؤيدي قرار إيوائها في المستشفى.

المتابع لصفحات فيسبوك، وخصوصا صفحة نهى، يلاحظ أن الطرفين المؤيدين والمنتقدين انتقلا بالنقاش من مشكلة نهى العائلية إلى مسائل فكرية وعقائدية وأخلاقية، حيث اعتبر العديد من مسانديها أن إيواءها بالمستشفى تم بقرار تعسفي بني على شكوى والدها الذي لم يتقبل إلحادها وإعلانها له والذي رفض أسلوب عيشها المتحرر، مؤكدين أن هذه الميول تدخل في إطار الحريات الشخصية وأنها لا تفضي إلى اعتبار الشخص مختلا عقليا أو مضطربا نفسيا كما أنها لا تعني أنه بات يمثل خطرا على نفسه أو أن لديه ميولا انتحارية.

وفي المقابل انتقد عدد من الناشطين لحادها ومجاهرتها به مثل تعبيرها عن ميولاتها الجنسية المثلية وانتقدوا الصور التي نشرتها على حسابها في فيسبوك وإنستغرام وهي شبه عارية وتظهر الوشم في جسمها أو تحتسي الخمر أو تدخن القنب الهندي وتظهر في وضعيات تتشبه فيها برأي بعضهم بممثلات الأفلام الإباحية.

ووصل بعض منتقدي نهى إلى تكفيرها والتشفي في إيداعها مستشفى الأمراض العقلية واعتبرها جانب منهم مراهقة منحرفة وأطلق عليها آخرون نعوتا وأحكاما أخلاقية.

واستشهدت هذه الفئة من المنتقدين، إلى جانب الصور والفيديوهات المنشورة على حسابات نهى، ببعض من مدوناتها التي تعبر فيها مثلا عن كونها مثلية الجنس وعن عدم إيمانها بالأديان السماوية، واعتبروا أنها لا تمارس حريتها الشخصية فحسب بل إنها تخرج عن الثقافة العربية الإسلامية وتدعو متابعيها إلى ذلك كما تتهكم على الدين الإسلامي وتستفز مشاعر المسلمين إلى جانب تمردها وعدم احترامها للعرف الاجتماعي والعادات والتقاليد في المجتمع التونسي.

حروب كلامية ومشاجرات وتبادل للاتهامات وسباب وشتم وتكفير وطعن في الشرف والأخلاق في بعض صفحات مواقع التواصل الاجتماعي

وحاولت عيّنة قليلة من المعلقين على قضية نهى اتخاذ مواقف محايدة والوقوف في منطقة الوسط بين ما يُطلق عليه حرية شخصية في الدين والمعتقد، وهو حق يكفله الدستور التونسي، وبين التأكيد على أنه من حقها أن تمارس هواياتها ومعتقداتها وميولها دون إلحاق الضرر بمحيطها، وبين ضرورة احترامها للآخرين وعدم نزوعها نحو استفزاز مشاعرهم.

فيما تساءل عدد آخر من الناشطين عن أسباب تضخيم حادثة إيوائها في مستشفى للأمراض العقلية والنفسية، وأشاروا إلى استغرابهم من أن تأخذ هذه الحادثة هذا الحجم من الاهتمام، وتساءل البعض الآخر عن الدوافع التي جعلت فتاة في سن المراهقة تصل إلى مستشفى الأمراض العقلية بعد تقديم والدها شكوى ضدها.

وطرحت إحدى المعلقات العديد من التساؤلات التي كان من الأجدر النقاش فيها من بينها كيف وصلت فتاة مراهقة في مدينة صغيرة إلى درجة الإلحاد؟ وكيف تجرّأت على التصريح والتفاخر به وإطلاق الدعاوى له؟ هل قرأت الكتب السماوية وتمعنت في تفسيراتها وقرأت لمفكرين وفلاسفة كبار ما يجعلها لا تعتقد في كل ما ورد في النصوص الدينية ولا تؤمن بجميع الديانات؟ ما الذي دفعها نحو إعلان مثليتها الجنسية؟ وما الذي جعلها تشرب الخمر وتنشر صورها مع قواريره بكل فخر وسعادة؟ ما الذي جعلها تدخن سجائر القنب الهندي وتنشر فيديو دون خوف؟ ما الذي يجعلها تنشر صورا شبه عارية؟

وتقاسمت هذه المعلقة نفس الرأي مع من يشيرون إلى أنه ليس من الحكمة أن تطلق عليها أحكام أخلاقية. كما ليس للكثيرين الحق في وصف والدها بالمتشدد الديني أو السلفي ولا إدانته واتهامه بالرجعية وبظلم ابنته، مؤكدين أنه من الأفضل البحث عن الدوافع والأسباب التي تجعل فتاة مراهقة وتلميذة في الثانوية تبلغ هذه الحدود من التمرد.

ولعل النصيحة الأبرز التي رددتها العينة الأخيرة تتمثل في ضرورة أن يعتبر الآباء والأمهات مما وصلت إليه حالة نهى وأن يحرصوا على مراقبة استخدام أبنائهم للإنترنت وخصوصا مراقبة علاقاتهم وسلوكياتهم خارج البيت لتوجيههم عبر الحوار معهم.

21