هل يتحول ارتفاع المهور إلى عرف اجتماعي في سوريا

أثار تبرير القاضي الشرعي في سوريا ارتفاع قيمة المهر في عقد الزواج غضب السوريين، وعلّق بعضهم على مواقع التواصل الاجتماعي بالقول “صحيح لا يوجد قانون يمنع أو يتدخل في قيمة أو مقدار المهر، لكن يوجد عرف وطقوس وتقاليد.. والأهم هو الواقع الصعب والنتائج التي يترتب عليها هذا الإعلان”
دمشق- تفاوتت الآراء بخصوص المهور المرتفعة في سوريا، حيث يراها البعض متوائمة مع الوضع الراهن واختلاف سعر الصرف، وفي المقابل يتخوف البعض الآخر من أن تصبح ظاهرة اجتماعية ومطلبا أساسيا لكل عائلة، ما يجعل الشباب عاجزين عن الزواج. وما بين انهيار العملة السورية، وقلق أهالي الفتيات، وقصص الزواج الفاشلة، تزداد المبررات لرفع المهور.
وأكدت تقارير حديثة أن متوسط المهور في سوريا هو مليون ليرة سورية موزعة على 500 ألف ليرة مقدّم صداق و500 ألف ليرة مؤخره. وحول ارتفاع المهور في سوريا قال القاضي الشرعي الأول بدمشق محمود المعراوي، في تصريح لصحيفة تشرين السورية، إن القضاء لم يسجل سوى حالتين لمهر كبير، الأولى 50 مليون ليرة مقدم صداق ومثلها مؤخر، والثانية 100 مليون ليرة معجل و7 ملايين ليرة مؤجل، واصفا حالات المهور المرتفعة بـ”الطفرة” ومن المستحيل أن تتحول إلى عرف اجتماعي.
وأشار المعراوي إلى أنه “باعتبار أن العقد شريعة المتعاقدين، والقانون لم يحدد أقل المهر ولا أكثره، فلا يمكن قانونياً منع مثل هذا المهر المرتفع، وباعتبار أن الزوج هو كامل الأهلية وهو موافق وزوجته أيضاً موافقة، كان لا بد مِن السماح بتعديل المهر، وعليه عُدّل المهر على عقد الزواج وأصبح 100 مليون مقدّم و8 ملايين مؤخر”. وأكدت مصادر قضائية مؤخراً، أن القاضي لا يتدخل في المهر العالي وإنما يتدخل إذا كان المهر قليلاً ولا يوجد وليّ، فينظر إلى مهر المثل من أخواتها وأخوات الزوج وبنات عمها وخالاتها وعماتها لمقارنة مهرهن بمهرها، وعلى أساسه يتخذ القاضي قراراً برفعه.
وتعتبر تجربة الزواج الفاشلة إنذارا خطرا لأهل الفتاة، حيث يرون أنه ما من ضامن بعدم طلاق ابنتهم بعد أشهر من الزواج، إلا المهر والمؤخر المرتفع، هذا الأخير الذي سيكون حسب رأيهم ضامنًا على الأقل في حال حدوث انفصال.
وفي المقابل ترى أسرة العريس أن ما يجري متاجرة حقيقية، وتعتبر أنه لا يوجد مهر في العالم يضمن للفتاة سعادتها واستقرارها، معتقدة أن استمرار غلاء المهور وسفر معظم الشباب، من الأسباب التي ستزيد في نسب العنوسة بين البنات لا أكثر.
ويرى مختصون في علم الاجتماع أن السبب الأول في ارتفاع المهور هو انهيار العملة السورية، ويتم احتساب المهر بالدولار ثم تقديره بالليرة السورية، وهو الدليل الأول على عدم رغبة الناس بالخروج عما اعتادوه قبل الثورة، في الحقيقة فإن أسعار السلع ارتفعت بشكل كبير لذا فإن 100 ألف ليرة سورية التي كانت كافية لشراء مستلزمات العروس لم تعد كذلك اليوم، إلا بعد تقدير المبلغ ذاته بالدولار.
أسر ترى أنه ما من ضامن بعدم طلاق ابنتهم إلا المهر والمؤخر المرتفعان واللذان سيكونان ضامنين على الأقل
وقال محامون إنهم شهدوا حالات زواج كثيرة يريد أهل الفتاة فيها تسجيل مهر ابنتهم بالليرة الذهبية، بعد أن هبطت قيمة الليرة السورية، لكن القانون السوري لا يسمح بتسجيل المهر بأي عملة أجنبية أو أي قيمة ثانية كالذهب أو الفضة.
وأشاروا إلى أنه في الماضي لم يكن هناك مثل هذه المطالب من قبل الناس لكن في السنوات الأخيرة ارتفع الطلب على تسجيل المهر بالليرة الذهبية، وخاصة في الحالات التي يكون فيها الزوج مسافرا خارج البلاد.
وكشف المعراوي في وقت سابق أنه رفع مقترحاً إلى وزارة العدل لإصدار تعميم يجيز فيه التعامل بالليرة الذهبية السورية أثناء تسجيل المهر، مبينا أن سبب هذا الاقتراح، هو ورود الكثير من العقود إلى المحكمة والمهر المنصوص فيها يكون بالليرة الذهبية، موضحاً أنه نتيجة وجود نص يحظر التعامل بالذهب أو ما يماثله في المهور، فإنه يطلب من الزوجين تعديل قيمة المهر من الذهب إلى ما يعادله من العملة.
وأوضح المعراوي قائلا “نتيجة انخفاض قيمة الليرة السورية، يضطر أهل الزوجة إلى فرض المهر على الزوج بالذهب باعتبار أن قيمته مرتفعة، إلا أنه حينما يثبتون زواجهم في المحكمة الشرعية يتفاجأون أن القانون حظر التعامل بالذهب فيعادلون قيمته بالليرة السورية”.
وأكد المختصون أن قضية المهر لها بعدان ديني واجتماعي يرتبطان بالعادات والتقاليد والأعراف السائدة في كل مجتمع ومنطقة، فلا يمكن أن يعقد أي عقد قران إلا بعد كتابة مهر مسجل ومتفق عليه من قبل الطرفين، وهذا المهر يختلف ضمن المجتمع الواحد باختلاف المنطقة والبيئة الاجتماعية، حتى أنه يتمايز بين أبناء الطبقة الواحدة فتجده تحوّل إلى نوع من المظاهر الذي يتم التباهي بقيمته والتفاخر بغلائه عند شرائح الطبقة الميسورة فتتعدى قيمته الملايين عند بعضهم بينما لا تتجاوز 100 ألف ليرة عند أغلب الشرائح الأخرى.
وأشاروا إلى أن معظم الأشخاص يعدّون المهر حقاً للزوجة وضماناً يحميها من الطلاق ويحفظ حقوقها تجاه الزوج، إلا أن الخلافات الزوجية لا علاقة لها بالمهر وأن قيمة المهر لا تمنع من حدوث الطلاق، لأن الزوج يستطيع بممارسته العنف والضغط على زوجته أن يجبرها على التنازل عن كامل مهرها مقابل الخلاص من الإهانة وهكذا تحصل أغلب حالات الطلاق.
ونبهوا إلى أن الحرب والضغوطات النفسية المرافقة، من الأمور التي ساهمت في زيادة نسبة الطلاق، فأي مجتمع يتعرض للحرب يصبح فيه نوع من التفكك والانزياح للضوابط الاجتماعية ناهيك بالهجرة، فهناك العديد من حالات الطلاق بسببها.