الثقافة والإعلام الجزائريين في حالة خصام غير معلنة

المشهد الثقافي في الجزائر يعاني من الهزال، ومازال في عمومه، يعمل بطريقة قديمة يغلب عليها الطابع الرسمي.
الخميس 2018/07/05
الإعلام يكتفي بالحدث الثقافي الرسمي

الجزائر - يتزايد عدد القنوات التلفزيونية في الجزائر، بعد سنين طويلة من احتكار الدولة للمجال السمعي البصري، لكن الثقافة تبقى الغائب الأكبر فيها، مع استثناءات قليلة جدا، حيث يختصر الشأن الثقافي في الكثير من الأحيان في بعض الأخبار الفنية، وأغلبها منقول عن وكالة الأنباء الحكومية الرسمية.

ورغم جهود البعض في تأسيس بعض البرامج الثقافية، التي من شأنها خلق نوع من التوازن مع المواد المتعلقة بالشأن السياسي أو الرياضي، إلا أن تلك التجارب تبقى معزولة، وسرعان ما تتوقف على غرار ما حدث مع برنامج “كريتيكا” الذي كان يقدمه أستاذ علم الاجتماع والكاتب ناصر جابي، على قناة “كي.بي.سي” المستقلة، قبل أن يتوقف بشكل مفاجئ لتتوقف القناة التي كانت تنتجه وتقدمه هي الأخرى بداعي الإفلاس، وبرنامج “أقواس” للروائي أمين الزاوي، الذي كان يبث عبر قناة “الجزائرية” الخاصة، والذي لم يعمّر طويلا، وهو في الأصل امتداد لبرنامج قديم بالاسم نفسه وكان يبث عبر التلفزيون العمومي في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي.

ويتفق جميع المتابعين على أن الثقافة والإعلام السمعي البصري الجزائري في حالة خصام غير معلنة، لكنهم يختلفون في الأسباب والدوافع.

ويقول البعض إن المشهد الثقافي نفسه يعاني من الهزال، ومازال في عمومه، يعمل بطريقة قديمة يغلب عليها الطابع الرسمي، ولا تستهوي جمهور الأجيال الجديدة التي أصبحت تتوفر على بدائل في القنوات الأجنبية، ووسائط الاتصال الحديثة.

ويرى البعض الآخر أن المشكلة أساسا في تلك القنوات التي غابت عنها ثقافة الابتكار والإبداع، وسقطت في ثقافة التقليد والمنافسة في ما بينها، طمعا في نسب مشاهدة أعلى، بالاعتماد على برامج رياضية متكررة، وأخرى ترفيهية مستنسخة من الشبكة العنكبوتية، وطمعا في إعلانات تجارية، ولا ترى في الثقافة إلا نشاطا نخبويا، لا هو قادر على جلب المشاهد ولا على جلب المعلن.

ويعتبر عدد من أهل الاختصاص، أن أصل المشكلة بدأ مع الصحافة المكتوبة التي تعتبر الصفحة الثقافية غير ضرورية، وسرعان ما تختفي إذا حصلت الصحيفة على إعلان قبيل موعد الطبع، حيث أن الصفحة الثقافية هي أولى الضحايا في مثل هذه الحالات. ثم إن محتواها في العادة مستنسخ من وكالات الأنباء والمواقع الثقافية الأجنبية، بما فيها الصحف الدولية المختلفة. ولا يشرف عليها إلا الصحافيون المبتدئون أو المتدربون.

الشرخ بدأ من الصحافة المكتوبة حيث يضحي مدير النشر بالصفحة الثقافية بمجرد وجود إعلان فتصبح الثقافة كبش فداء

ويؤكد فيصل شيباني، الصحافي المتابع للشأن الثقافي “إن المتابع للإعلام الثقافي في الجزائر يدرك أن الشرخ بدأ من الصحافة المكتوبة حيث يضحي مدير النشر بالصفحة الثقافية بمجرد وجود إعلان، فتصبح عندئذ الثقافة كبش فداء، وهكذا سار مسؤولو القنوات الذين جاء أغلبهم من الصحافة المكتوبة وبالتالي ساروا على نفس النهج السابق”.

ويرى شيباني، أن المشكلة “تتقاسمها القنوات والمشهد الثقافي الذي يمكن اعتباره غائبا أو مغيبا نوعا ما أو ربما جراء جدوى هذا الفعل، ولكن هذا لا يجعلنا نغفل التجاهل من طرف الإعلام الثقيل الذي حتى أن الأخبار الثقافية يجعلها آخر فقرة في النشرة، فما بالك ببرامج ثقافية مختصة، ناهيك عن قيمة الصحافي ومدى درايته بالمشهد الثقافي”. ويقول الكاتب والإعلامي عبدالرزاق بوكبة، أن المشكلة تتجاوز الثقافي إلى السياسي والتجاري “لماذا نتساءل عن ندرة تقليد من التقاليد الحضارية إذا كانت دواعي ندرته قائمة أصلا؟ تأتي في مقدّمة دواعي هذه الندرة أن معظم هذه القنوات الخاصة في الجزائر ليست مشروعا إعلاميا بل مشروع تجاري يستهدف باعثوه شطرا من الكعكة المالية التي تشرف الحكومة على تقسيمها بحسب الولاء وليس العطاء، أو مشروع سياسي يرفد الحضور السياسي لكيان أيديولوجي معيّن. ولأن الثقافة غائبة أصلا عن البرامج الحزبية المقترحة، فإن غيابها يتجلّى في كل المنابر التي تتبع هذه الأحزاب”.

وقبل تأسيس القنوات الخاصة، كانت الحكومة تحتكر الإعلام السمعي البصري، من خلال قناة واحدة ووحيدة، يسميها الناس تهكما “اليتيمة”، وقد ألصقت بها كل العيوب، ومنها غياب إعلام ثقافي حقيقي. وعند تعدد وتكاثر التلفزيونات الخاصة، ازدادت الرداءة بشكل غير مسبوق، وأصبح الكثير يحن إلى زمن “الحزب الواحد والتلفزيون الواحد”، الذي مازال رغم كل شيء يقدم بعض البرامج الثقافية المحترمة، ومنها برنامج “المنتدى الثقافي” الذي يشرف عليه الروائي والإعلامي بشير مفتي.

ويتحدث مفتي عن تجربته، “لم أعد أعرف ما الذي يلائم المشاهد الجزائري في زمننا هذا… هل نرفع المستوى؟ هل نظل نطرح نفس المواضيع المستهلكة؟ هل نفتح نقاشا ثقافيا؟ وما هي القضايا التي يجب تناولها على حساب أخرى. وأيضا في الفترة الأخيرة لم يعد عند الكتاب والمثقفين حماس كبير لحضور البلاتوهات ومناقشة القضايا، هم أيضا مستاؤون ، متذمرون من الوضع، يتساءلون عن الفائدة من حضورهم أو غيابهم؟”.

ويؤكد “هنالك من يعتبر برامج الغناء والشباب ثقافة بمعنى من المعاني ولكن هذه البرامج تعكس مستوى هزيلا بلا عمق ولا جدية، إنها برامج أقرب للتسلية منها إلى شيء آخر، وأعتقد أن هذا هو شعار المرحلة اليوم أو عنوانها الرئيسي أو رهانها التجاري الكبير ملخصا في كلمات كالتسلية والترفيه والمبتذل والسطحي”.

ويرى مفتي، أخيرا أن هنالك شعورا عاما بأن “الأمور الثقافية تسوء في الجزائر. والمناخ السياسي والاقتصادي يؤثر دون شك، والإعلام يساير معزوفة الواقع… إن كان الجمهور يبحث عن التسلية فما الحاجة إلى إعلام يطرح قضايا أعمق، وأهم… أو يستفز الفكر والعقل… وعندما نخرج من هذا الفخ ربما سننتج برامج ثقافية ذات نوعية تحتاجها النخبة وعامة الناس”.

بات أكيدا اليوم، أن مشكلة الإعلام في الجزائر مع الشأن الثقافي، تتجاوز القنوات التلفزيونية إلى الصحافة المكتوبة، ولأهل الثقافة نصيب منها، في ظل الانسحاب التام للمحسوبين على الثقافة مع استثناءات قليلة جدا.

18