"كلبش 2" يعيد رمزية البطل الشعبي في صورة ضابط الشرطة

كشف النجاح الذي حققته الحلقات التي عرضت من الجزء الثاني لمسلسل “كلبش” تعطش المشاهدين إلى البطل الشعبي الذي غاب لصالح شخصية الخارج عن القانون في المناطق الشعبية، ليعود “سليم الأنصاري” الضابط الذي لا يقهر والمدافع عن حقوق البسطاء نجما للموسم الرمضاني للعام الثاني على التوالي.
القاهرة- افتقدت الدراما المصرية في العقود الأخيرة نموذج البطل الرمز الذي يلتف حوله الجميع، على حساب الصور السلبية لرجال خائنين أو أولئك الذين تتنوع صورهم بين خارج عن القانون ورجل أعمال فاسد.
ومع أن نموذج المجرم “البلطجي” الذي ظهر في أفلام الفنان محمد رمضان مثل “عبده موته”، حقّق قاعدة شعبية واسعة في سنوات ما بعد ثورة يناير عام 2011 ممّا ساهم في تغيير ذوق المجتمع، إلاّ أنه بقي محصورا في أذواق فئة معينة.
يعود الفنان أمير كرارة في دور “سليم الأنصاري”، بخطوط درامية جديدة، تعكس صورة واقعية للحرب التي تقودها الحكومة المصرية وأجهزة الأمن للقضاء على الإرهاب الذي تصاعدت ملامحه على الصعيد العالمي.
ويؤكد مسلسل “كلبش 2” على نموذج مختلف لصورة المواجهات التي تقوم بها قوات الأمن في حربها ضد الإرهاب، وهو ما يتمثل في نموذجي “أبوالعز الجبلاوي” الذي يلعب دوره الفنان المخضرم عبدالرحمن أبوزهرة، ونجله “عاكف” الإرهابي الدولي، والذي يُعيد الفنان هيثم أحمد زكي إلى الساحة الدرامية بعد غياب.
وضع الكاتب والسيناريست باهر دويدار النموذجين في أحداث الجزء الثاني من العمل، الأمر الذي منحه ثراءً، دونه كان سيفتقد العمل رونقه السابق، ففكرة وجود عائلة (الأب والابن) تعمل مع أي تنظيم في العالم (قاعدة، داعش، جاسوسية، وغيرها) من أجل المال بدت جديدة لأنها تلامس الواقع وتوفر للعمل زخما من خلال الكثير من الأحداث المتشابكة. ويبدو أن القائمين على مسلسل “كلبش” خططوا مبكرا لتقديم جزء ثان، وكانت البداية في الجزء الأول، حيث جرى وضع البطل في دور الضابط المظلوم الذي يبحث عن مخرج من أزمته المتمثلة في اتهامه زورا بارتكاب جريمة تعذيب لمواطنين داخل السجون.
هنا كسب العمل إعجاب الكثيرين الذين تابعوا رحلة البطل في الوصول إلى براءته، وضمن التعاطف الجماهيري مع رجل الشرطة أرضية ثقة واسعة دفعته إلى تقديم أحداث جزء ثان تحوّل فيه نجم العمل من مظلوم إلى بطل يدافع عن الحق ويعيده لأصحابه.
ورغم التطور في القصة يستشعر المشاهد توجيها أمنيا جعل من نموذج رجل الشرطة البطل المضحي الذي لا يهزم، وتلتف حوله مجموعة من الناس عادة ما تربطهم أزمات برجال الأمن في الواقع.
وجاء الهجوم الذي وجهه بعض النقاد للعمل -لأنهم اعتبروه مسلسلا يهدف فقط إلى تحسين صورة الشرطة في عيون المشاهدين بشكل مفتعل- بعد أن تضمن المسلسل العديد من اللقطات المفتعلة التي كانت تبرر الكثير من تصرفات رجال الشرطة الناصعة وتبرز الصعوبات الكبيرة التي يواجهونها مع المتطرفين، وحتى النموذج الفاسد داخل الشرطة كان الجهاز حريصا على نسفه والتخلص منه، في محاولة لإعادة التوازن.
ظهر الأنصاري وكأنه بطل شعبي لا يرتكب أخطاء، ورغم الظلم الذي تعرض له طوال الحلقات ظل محافظا على قيمه وأخلاقه التي تثير إعجاب المشاهدين. وكسبت قيادات الأمن وصناع العمل بهذه التركيبة الشعبية المزيد من الشرائح الجماهيرية التي جعلت “كلبش 2” في صدارة نسبة المشاهدة ضمن الماراثون الرمضاني الحالي، خاصة مع تصاعد الغضب الجماهيري ضد الجماعات الإرهابية والمتطرفين.
تنطلق الأحداث بإيقاع سريع ومباشر، بداية من صدمة مشاهد تفجير كمين الشرطة في مدينة الفيوم (جنوب غرب القاهرة) مرورا بقتل زوجة سليم الأنصاري وشقيقته بعد أن ألقي القبض على الإرهابي أبوالعز الجبلاوي، ويبدأ هنا الصراع بين بطلي العمل رجل الشرطة “سليم” و”عاكف أبوالعز” الذي يستمر في الانتقام منه لقيامه بالقبض على والده وتكبيله وإذلاله أمام أهل بلدته.
خلق هذا الصراع نسيجا دراميا مميزا بين رجل الشرطة والنموذج الفاسد لرجل يهب حياته للأعمال المشبوهة، من خطف وإرهاب وقتل، عابه أنه كان جزءا من عدم المنطقية في أن يستمر نجل الجبلاوي في الانتقام بلا توقف من الضابط الذي قبض على والده لإهانته، وفائدة الحبكة الدرامية أنها كشفت عن تفاصيل لعناصر متورطة في قضايا فساد بالدولة.
وثمة حبكة درامية ظهرت للتأكيد على كون بطل العمل (سليم الأنصاري) لا يقهر، كلما ذهب لإدارة جديدة بوظيفته انتقل إلى أخرى لكفاءته، أبرزها نقله من ضابط في سجن “العقرب” إلى جهاز الأمن الوطني.
وداخل السجن يتعرف الأنصاري على نماذج مختلفة من المجرمين أكملوا معه أحداث العمل، مثل الجاسوس ووزير الصحة السابق والقيادي بتنظيم القاعدة وضابط فاسد فصل من عمله بعد تقاضيه رشاوٍ وأصبح قاتلا مأجورا.
وأكدت النماذج التي صاغ منها المؤلف باهر دويدار شخصياته داخل السجن أنها مليئة بالتفاصيل ومختلفة عن التركيبات النمطية لصورة السجن التي اعتادت الدراما تقديمها، باستثناء مشهد الاستهلال المتمثل في ذهاب الأنصاري إلى السجن في أوّل أيام عمله، وقام بضرب أحد المشاغبين هناك في مشهد استعراضي يعزّز قوة الضابط أو البطل الشعبي.
وقع مؤلف العمل في خطأ درامي ساذج كي يحتفظ بشريحة عريضة من الجمهور، يتمثل في شخصية “ليلى” التي تلعب دورها الفنانة روجينا، تلك السيدة التي تظهر فجأة في حياة سليم وتقوم بدور الشخصية المساعدة له في جميع أزماته، ما يجعلها تنجذب إليه عاطفيا في الوقت الذي يغلق فيه هو هذا الباب بعد وفاة زوجته والمخاطر التي يتعرض لها، تلك الثيمة المفضلة لدى قطاع جماهيري عريض يجمع بين صورة البطل الشعبي والفتاة الدلوعة المولعة بحبه، وجاءت كل هذه الخيوط الدرامية التي قدّمها صناع العمل في الجزء الثاني، في إطار تقديم نموذج ضابط شرطة صالح بغرض تغيير المفهوم السلبي السائد.
لم يخل “كلبش 2” من بعض الأخطاء، وأبرزها وضع موسيقى المسلسل الأجنبي الشهير “لعبة العروش Game Of Thrones في تترات الحلقة الأولى ما تداركه صناع العمل فيما بعد، واستخدام السلاح بشكل هاو لا يليق بضباط شرطة محترفين.
مع ذلك نجح “كلبش 2” في تمهيد الطريق لتقديم بطل جديد في سينما الأكشن والحركة، بعد أن وضع المسلسل الفنان أمير كرارة على طريق مختلف عن نمط أدواره السابقة التي تراجعت فيها شعبيته الجماهيرية التي حقّقها في مسلسل “طرف ثالث”.