"عالم كريستينا" لأندرو وايث فن الفنتازيا الواقعية

نيويورك -لا بدّ من الإشارة إلى أن نيويل كونفيرز وايث، والد أندرو، هو فنان تشكيلي ورسّام توضيحي معروف وغزير الإنتاج، وقد كرّس جزءا كبيرا من حياته لتربية أطفاله الخمسة. ومن شدّة حرصه على الطفل الخامس أندرو لأنه كان واهنا، معتلّ الصحة فقد أجبره على قضاء جل وقته في المنزل، بل هو الذي أشرف على تدريسه وتعليمه أصول وقواعد الفن التشكيلي. لقد شعر أندرو منذ وقت مبكر بأنه “رهين البيت” و”سجين عالمه الخاص”، لكنه وجد ضالته في الرسم وقراءة بعض الكتب الأدبية، ودراسة تاريخ الفن. وبما أنه رسّام واقعي فلا بدّ أن تأسره البيئة المحيطة به بشادز فور في بنسلفانيا أو في منزله الصيفي في كوشينغ في مَينْ وتوفر له سانحة الحظ للتأمل العميق الذي يسبر كنه الموجودات المحيطة به. كان أندرو يتطلع من نافذة غرفته كثيرا ويرسم المشاهد التي تروق له وتستجيب لذائقته الفنية.لوحة “عالم كريستينا” للفنان الأميركي أندرو وايث أصبحت واحدة من الأيقونات الفنية المميزة في تاريخ الفن الأميركي الحديث، بل يعتبرها الكثير من نقاد الفن التشكيلي أنها “أشهر الأعمال الفنية الأميركية في القرن العشرين”.
قد يكون مشهد فتاة مشلولة تزحف صوب البيت مشهدا عاديا للكثير من الناس، لكنه بالتأكيد سيكون مختلفا حينما يراه فنان من طراز أندرو وايث. فالمبدع يرى دائما ما لا يراه الآخرون لذلك كبّر الفنان من مساحة الحقل ليوسِّع مدار النظر، كما صعّد من درامية الحدث كي يجعله بموازاة هذه المحنة التي تعاني منها كريستينا. فنحن الأصحّاء لا نعرف على وجه الدقة طبيعة المعاناة لفتاة شابة تجد نفسها لصيقة بالأرض، تتحرّك على مدار اليوم زاحفة بينما هي تتوق في واقع الحال إلى أن تقف على قدمين منتصبتين شأنها شأن الملايين من الفتيات الذاهبات إلى مواعيدهن العاطفية أو المنهمكات في أعمالهن اليومية المألوفة. لقد صوّر أندرو هذا الحقل المعشوشب الخالي من الأشجار ليوحي بالتصحّر على الرغم من ولعه بالمناظر الطبيعية التي تضمّ في جنباتها البيوت المتناثرة هنا وهناك، والأكواخ المبعثرة التي ترصدها عينه الفنية اليقظة التي رسمت كل شيء.
لقد وسّع أندرو الحقل كي يوحي بضياع الفتاة من جانب في هذه المتاهة الريفية كما يجعلنا نلتقط الأنفاس بصعوبة بالغة، ونحن نقطع معها المساحة زحفا كي نصل جميعا إلى ذلك المنزل النائي الذي رسم نوافذه، وكأنها عيون مفتوحة عن آخرها ترصد الناس الممتحنين متعاطفة معهم وتتمنى لهم تجاوز المتاهة البرية للوصول إلى برّ الأمان.