رمضان "بلا طعم" في دور الرعاية الإجتماعية في الجزائر

الجزائر – تسود الأجواء الرمضانية مراكز الطفولة المسعفة ودور المسنين في الجزائر العاصمة بفضل جهود القائمين على تلك المؤسسات لاستحضار كل ما من شأنه أن يميز شهر الصيام، إلا أن الحرمان من وجود الأسرة والدفء العائلي يبقى حائلا بين المقيمين هناك وبين الاستمتاع بالأجواء الخاصة بهذا الشهر المميز.
يتقاسم مركز دار المسنين ومركز الإسعاف الاجتماعي ومركز الطفولة المسعفة بمحافظة دالي إبراهيم غربي العاصمة، وكذلك مركز إعادة التربية في منطقة الأبيار مع البيوت الجزائرية رائحة الأطباق الرمضانية وتسود هذه المراكز حركية مميزة خلال هذا الشهر حيث يجد المقيمون فيها في كل يوم من أيام رمضان مائدة إفطار يصفونها بالشهية والحميمية، بالرغم من غياب الرابط العائلي بين الجالسين حول نفس المائدة.
يفتقد المقيمون في مراكز ومؤسسات الرعاية الاجتماعية -مثل دور المسنين ومراكز إيواء الأطفال في الجزائر- الأجواءَ العائلية والدفء الأسري في جل المناسبات خصوصا المناسبات الدينية مثل أيام الأعياد وشهر رمضان، وهو ما يجعل المشرفين على هذه المؤسسات والعاملين فيها يبذلون ما في وسعهم لتعويضهم الشعور بالحرمان من الرعاية الأسرية عبر خلق أجواء لطيفة وحميمية تشبه ما تعيشه الأسر العادية في المجتمع الجزائري.
وتشترك المقيمات بمركز رعاية المسنين بدالي إبراهيم في أجنحة وغرف الإقامة حيث حاولت كل واحدة منهن أن تضع بصمتها الخاصة المستلهمة من حياتها والمعبرة عن ماضيها قبل دخول المركز لتتذكر أنها كانت يوما ما فردا من عائلة مجتمعة وأنها كانت أما وربة بيت أو أختا أو بنتا قبل أن تتغير الظروف ومجريات الحياة لتصل بها إلى الإقامة في دار لرعاية المسنين. وترى كل من فطومة ولويزة أن أجواء إقامتهما في الدار لا تختلف عن تلك التي تعيشها أي أسرة جزائرية، إلا في كون المقيمات غريبات عن بعضهن البعض ولم تجمعهن علاقة أسرية أو اجتماعية قبل دخولهن دار المسنين، وأن هناك ظروفا قاسية ومختلفة أفقدتهن الحياة الأسرية ما جعلهن يعشن نفس المصير معا في مثل هذه الدور. وتكتنف حديث هاتين المسنتين نبرة حزن وتمتلئ عيونهما بالدموع عندما تستحضران الظروف والأقدار التي أوصلتهما إلى هنا.
ووفقا لمديرة دار المسنين شفيقة ساعي فإن هذا المرفق الذي يستقبل المسنين من العاصمة ومن محافظات مختلفة يعمل على توفير ظروف العيش الكريم للمقيمين فيه ويحاول الطاقم المسؤول عنه خلق أجواء طيبة وعائلية مماثلة لخصوصيات شهر رمضان عند عامة الجزائريين، كما أنه يستقبل إعانات المتبرعين والمتضامنين مع هذه الفئة ويرحب بزياراتهم التي ترفه نوعا ما عن المقيمات.
وأضافت أنه بالرغم من ذلك يبقى الدور الأهم الذي يشدد عليه الطاقم العامل في المكان جهود الإدماج العائلي، موضحة أنه في ظرف الأشهر الأربعة الأخيرة أدمجت 7 حالات في أوساطها العائلية.
نفس الأجواء الرمضانية كانت حاضرة بمركز الإسعاف الاجتماعي في دالي إبراهيم وإن كانت ظروف الإقامة فيه تختلف عن دور المسنين، كون هذا الأخير مخصصا للحالات الاستعجالية للأشخاص من دون مأوى والذين يتم التكفل بهم وانتشالهم من الشوارع وتوجيههم لهذا المركز قبل أن يعاد تحويلهم إلى محافظاتهم الأصلية فور الاطلاع على وضعياتهم الاجتماعية والتدخل لمحاولة تحسين أوضاعهم.
ويقول مدير مكتب التضامن الاجتماعي لمحافظة الجزائر محمد العيشي إن نزلاء المركز والذين يفترض ألا تزيد إقامتهم فيه عن ثلاثة أيام يستفيدون من عدة إجراءات تساعدهم على تجاوز المرحلة الصعبة التي دفعتهم إلى الشارع. ويضيف أن “الإمكانيات المالية متوفرة لتقديم الخدمات اللازمة لهذه الفئة بما فيها الرعاية النفسية والطبية قبل اتخاذ إجراءات التحويل إلى المحافظات التي قدمت منها كل حالة” إلا أن المشكلة المطروحة تتمثل -حسب رأيه- في عودة هؤلاء إلى العاصمة بالرغم من توجيههم إلى مراكز الجهات المختصة لرعايتهم.
دار المسنين تعمل على توفير ظروف العيش الكريم وخلق أجواء عائلية مماثلة لخصوصيات رمضان عند عامة الجزائريين
وأكد العيشي أن كل الجهود سخرت لخدمة هذه الفئة لا سيما في شهر رمضان، مضيفا أن حقها في الحصول على الطعام والمأوى الذي يحميها من مصاعب الحياة ومخاطر الشوارع يبقى قائما، لا سيما بالنسبة إلى السيدات وخصوصا الأمهات العازبات، بغض النظر عن الأسباب التي أوصلتهن إلى ما هن عليه.
ويعرف مركز الطفولة المسعفة في الأبيار ضغطا شديدا من حيث أعداد المقبلين عليه والمقيمين فيه، وبحسب مديرة المركز فاطمة الزهراء كراجة يشهد هذا الأخير اكتظاظا لا سيما بعد أن أصبح يستقبل الفئات العمرية التي تزيد عن 6 سنوات، إذ تصل أعمار المقيمين فيه إلى 25 سنة وغالبيتهم من ذوي الاحتياجات الخاصة أو من الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات عقلية ولا يوجد أي شخص من العائلة قادر على التكفل بهم.
وأضافت كراجة أن المركز يعاني من عدة مشاكل أهمها قلة الموارد البشرية والنقص في الموظفين والمؤطرين والعاملين فيه، الأمر الذي يعد عائقا أمام توفير الرعاية اللازمة للمقيمين، مشيرة إلى أن هذا المرفق يضم حاليا 74 حالة مسعفة، فيما تصل قدرته إلى 100 حالة لو خصص للفئة العمرية الأقل من سن السادسة.
وأوضحت أنه بالرغم من الضغط ونقص الإطار العامل في المركز إلا أن القائمين عليه لا يدخرون الجهد في إطار سعيهم لتوفير أجواء رمضانية عائلية تشبه إلى حد بعيد تلك التي يحظى بها الطفل أو المراهق الذي يعيش في كنف عائلة عادية.
من جهتهم يسعى القائمون على مركز إعادة التربية في الأبيار لتلطيف الأجواء لفائدة الأطفال المقيمين فيه والذين لا يزيد عمر أكبرهم عن 14 سنة، وهم أطفال وجدوا أنفسهم في المكان بأمر قضائي حمايةً لهم من ظروف اجتماعية قاهرة.