أول سيرة ذاتية ثنائية في مصر

صدور سيرة حياتية ثنائية كتبها زوجان شهدا معا تحولات سياسية درامية، وعاشا معا حُبا ونضالا مشتركا على مدى أكثر من نصف قرن، حيث يعد هذا النمط من الكتابة جديدا على الثقافة العربية.
السبت 2018/06/02
قصتنا مدخل لسرد سيرتنا معا

القاهرة - خلال الأيام المقبلة، تصدر في كتاب سيرة جودة عبدالخالق السياسي المصري الشهير ووزير التضامن الاجتماعي، والتموين الأسبق، وأستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة، وزوجته الدكتورة كريمة كُريم أستاذة علم الاقتصاد بجامعة الأزهر.

وتحمل السيرة عنوان “حكاية مصرية.. بين تحدي الوجود وإرادة الصمود” وتستعرض حياتهما، بداية من تنشئتهما وتعارفهما مع التركيز على تعرضهما للاضطهاد خلال دراستهما في كندا من جانب أستاذ له ميول صهيونية.

وتتناول السيرة التي خص جودة وكريمة “العرب” بنصها، كيف واجه الأستاذان معا أزمات وانكسارات سياسية ومصاعب ومشاكل مالية حتى انتصرا في النهاية على ظروف صعبة ونجحا في العودة بالدكتوراه لبلدهما.

سيرة جديدة

عن تقنيات الكتابة يحكي جودة عبدالخالق لـ”العرب” فيقول إنهما اتفقا على تكثيف السرد بحيث تنتهي السيرة عند حد التغلب على الظروف الصعبة والإصرار على الحصول على الدكتوراه، ولم تتجاوز عدد صفحات الكتاب 117 صفحة.

ويوضح أن المعارك التي خاضاها منذ أن عادا وحتى اختياره وزيرا للتضامن الاجتماعي في مصر، عقب ثورة 25 يناير 2011، تحتاج كتابة أخرى قد يضمها جزء تال لسيرتهما.

ويشير إلى أن الكتابة المشتركة صعبة ومخيفة في ظل عدم وجود تجارب سابقة، وتباين كبير في أسلوب الكتابة، وأنه ينحدر من بيئة أدبية نشأت على بلاغة اللغة وأهمية الخيال والقرب من العبارات التي تحمل صورا قلمية، بينما كان تعليم زوجته كريمة كُريم ألمانيا وتكتب بتكثيف عن القضايا والأمور المختلفة.

أي قارئ للكاتب يلحظ بقوة الفارق في أسلوبي الكتابة دون إشارة إلى ماهية الفصول التي كتبها جودة وتلك التي كتبتها كريمة، وجاءت مرتبة بحيث يبدأ جودة بفصل ثم تتبعه زوجته بفصل مُكمل.

السيرة تستعرض حياة الزوجين بداية من تنشئتهما وتعارفهما مع التركيز على تعرضهما للاضطهاد خلال دراستهما في كندا

ويرى عبدالخالق أن قيمة العمل الجديد أنه يقدم أسلوبين مختلفين، حتى أن القارئ لا يشعر أبدا بأي ملل، مؤكدا لـ”العرب” أنه كان يكتب ما عاشه بمفرده وتكتب هي ما عاشته بمفردها، ثم يجتمعان معا لكتابة الحكايات المشتركة.

ولم يقل جودة مَن منهما كان منبع فكرة السيرة المشتركة، غير أنه يشير إلى أنهما كانا يحكيان دائما لأصدقائهما قصة تعرضهما للاضطهاد في كندا، والمستمعون يطلبون منهما ضرورة كتابتها حتى يستفيد منها الشباب الطامح الذي يواجه صعوبات ومشكلات بعينها في طريق التحقق.

ويقول عبدالخالق لـ”العرب” “اتفقنا أن القصة يمكن أن تكون مدخلا لسرد سيرتنا معا. وبالفعل كتبت في سنة 2010 الحكاية في كراسة صغيرة ثُم ضاعت تلك الكراسة تماما ومررنا بأحداث عديدة وبعد عدة سنوات وجدت الكراسة صدفة خلال إعدادي لأوراق عمل لمؤتمر في بيروت، وسررت بذلك جدا، وجلسنا معا نخطط للكتابة”.

وبدورها توضح كريمة كُريم لـ”العرب” “فكرنا أن ندمج العام في الخاص، ونكتب بتكثيف شديد بحيث نقدم للقارئ العربي سيرة حقيقية تتضمن دروسا تجارب يمكن الاعتماد عليها”.

وأضافت “إننا نريد أن نقول للشباب إن الصمود أمام التحديات ضرورة، وأن الحظ لا يبتسم لساكن أو مستسلم وإنما لمثابر ومكافح”.

ربما تكون السيرة الثنائية لونا جديدا على عالم الكتب العربية، وتبدو غرابتها في أنها تجمع زوجين عاشا معا فترة طويلة.

كل من يعرف جودة وكريمة، يتأكد أنهما ثنائي من النادر وجوده. يكمل كل منهما الآخر. وربما تكون التناقضات الظاهرة أحد أهم العوامل التي دفعت للتعارف بينهما. كأنما كل واحد يكمل الثاني بطريقة مثيرة. الجدية والفكاهة والرضا والإيمان بالوطن لم تبرحهما يوما.

قصة التحدي لمصريين عانيا الاضطهاد في كندا
قصة التحدي لمصريين عانيا الاضطهاد في كندا

وتتعرض السيرة لمثالين متناقضين من حيث التربية والتنشئة غير أنهما التقيا حول نقاط فكرية مشتركة تتفق في ضرورة تطور الإنسان اجتماعيا بفضل العلم والاجتهاد.

جاء جودة من إحدى قرى محافظة الدقهلية (شمال القاهرة) من أسرة فقيرة، تعمل بالفلاحة ورعي الغنم، وعمل هو نفسه صغيرا في نقل الأسمدة والتراب والري، وبدأ تعليمه دينيا في كُتاّب لحفظ القرآن.

أما كريمة كُريم، فهي ابنة عائلة وفدية ثرية تمثل طبقة أرستقراطية، والدها علي كُريم كان أحد أعضاء مجلس النواب، ولديه مكتب محاماة معروف، ورغم تأثره سياسيا عقب ثورة يوليو 1952 إلا أنه حافظ لأولاده على مستوى اجتماعي متميز مكنه من الاحتفاظ بالخدم والطباخ والسائق. وفي سنة 1965 تعارف جودة وكريمة خلال الدراسة التمهيدية للماجستير، وأحبا بعضهما وكان من الواضح أن هناك فارقا اجتماعيا كبيرا بينهما، حتى أن زملاء جودة سألوه فور علمهم بالخطبة، كيف ستدبر لها احتياجاتها من الشوكولاتة؟

ورغم اعتراض الأب على اقتران ابنته بطالب من أصول فقيرة، غير أنه رضخ تحت إلحاح ابنته وتأكيدها على حقها في اختيار مَن تحب.

كفاح في الغربة

قادهما الحب إلى السفر إلى كندا للحصول على الماجستير من جامعة بريتش كولومبيا وهناك اضطرت الزوجة للعمل إلى جوار زوجها بائعة مقشات، ثُم بائعة جرائد ومستحضرات تجميل، وكان جودة يبيع الكتب بأسعار منخفضة. وتطور الحال بفتاة العائلة الاستقراطية لتعمل جليسة لسيدة مسنة في منزلها.

إصرار الحبيبين على مواصلة رحلة كفاحهما دفعهما إلى حسم أمرهما ليقرر الاستماتة في الدراسة، ولم يصابا بأي إحباط، رغم أن الأجواء كانت حزينة وكان الكثير من العرب يعودون إلى بلادهم نتيجة النظرة الفوقية من العالم بعد هزيمة يونيو 1967 وخشيا أن يعودا بخفي حنين.

ونجح المكافحان في ظل ظروف صعبة في توفير رسوم الدراسة، وحصلا على الماجستير بتفوق، وحصلا على الدكتوراه هناك ورفضا عرضا مغريا للعمل في كندا، وفضلا العودة إلى مصر للتدريس فيها براتب شهري قدره 150 جنيها، لتستمر مسيرة كفاح الزوجين حتى وصلا إلى تحقيق نجاح باهر.

14