قاع المجتمع في الدراما

من المسلسلات الرمضانية التي أثارت حفيظة التونسيين هذا العام، مسلسل “علي شورّب”، وهو فتوّة كان ينشر الرعب في حي باب سويقة بالعاصمة ويروّع سكانه ويبتزّ تجّاره، ويقضي أيامه في رحلات مكوكية بين حارته والسجن، وليس له في حياته غير خوض المعارك لأدنى سبب، لا يهاب أحدًا سوى أمّه.
بعضهم اعترضوا على المسلسل من حيث المبدأ، ورأوا أن تاريخ تونس الحديث يزخر بأبطال قاوموا الاستعمار، أمثال المنوبي الجرجار الذي أعدم تحت المقصلة مع نفر ممن وقفوا ضد رغبة الفرنسيين في الاستيلاء على مقبرة الجلاز، ومحمد الدغباجي والبشير بن سديرة ومصباح الجربوع الذين قادوا عمليات مسلحة ضد المستعمر في جنوب البلاد، فضلا عن الزعماء النقابيين أمثال محمد علي الحامي ومصباح الإينوبلي وفرحات حشاد، ولكل واحد منهم سيرة نضالية مأثورة… وكان من الأَولى في نظرهم التركيز على أولئك المناضلين والتذكير بتضحياتهم وتعريف الناس ببطولاتهم، والقيم التي دفعوا كل مرتخَص وغالٍ للذود عنها. بينما اعترض آخرون على المضمون، فاعتبروا أن في اختيار منحرف دمويّ احتفاءً بالبلطجة وتشجيعًا على العنف، قد يجد صداه لدى الشباب الذي يميل به طبعه إلى تحدي كل السلط، لا سيما أن الشخصية المحورية لا تحمل بعدا إنسانيا ولا تدافع عن مبادئ وقيم، بل ليس لها من دنياها غير المنكر والعدوان.
لا اعتراض مبدئيا على النقطتين، ولكننا لا نوافق ما ذهب إليه بعض المحللين من رفض تام لكل ما يمت للقاع بصلة، ذلك أنها أولا ثيمة لم يتنكب عنها كبار الكتاب، من دستويفسكي إلى نجيب محفوظ مرورا بجان جيني، ولأنها ثانيا صورة من الواقع، والفرق بين هذا المسلسل وبين الأعمال الفنية الجيدة تلك الأبعاد التي يضفيها الكتاب على شخصياتهم والقيم التي يحمّلونهم إياها، فضلا عن الشخصيات الأخرى التي يعدلون بها الكفة لكي لا يكون العمل إشادة بالانحراف والجريمة.
ثم إن العمل الذي تتسم شخصياته كلها بالطيبة، وحسن المعشر، لا يختلف في سطحيته عن نظيره الذي يفرد رحابه لشخصيات متماثلة في سوء الطبائع، ففي الحالتين موقف مسبق من الخير أو الشر لا يوافق ما يطفح به المجتمع من مظاهر متناقضة. ولا يعني ذلك أننا ندعو إلى إزالة الاستثناءات، وإنما القصد أن يشتمل العمل على فلسفة عامة، وقيم جوهرية، حتى وإن كان الموضوع يحوم حول قاع المجتمع. والشرط أن ينظر كتاب الدراما بعين عادلة إلى كل البشر وكل الأحداث، لتشمل أعمالهم أكبر قدر من الحياة في شتى تجلياتها.