المسلسلات في رمضان أصبحت تتخلل الإعلانات وليس العكس

ساهم طول الفترات الإعلانية وتكرارها على الشاشات المصرية التقليدية في هجرة المشاهدين ولجوئهم إلى منصات التواصل الاجتماعي ومواقع الإنترنت، التي باتت خيارا أفضل لمشاهدة مستمرة وممتعة وهادئة.
الأربعاء 2018/05/30
تداخل الإعلانات بالمسلسلات

القاهرة - فقدت الأعمال الرمضانية على الفضائيات المصرية متعتها، مع سيل الإعلانات المتدفق الذي وصل حتى نصف ساعة في الفاصل الواحد، ما جعل المشاهد يلجأ إلى موقع يوتيوب لمتابعة أعماله المفضلة دون إزعاج الإعلانات وهدر الوقت. ورغم أن شريحة واسعة من الجمهور اتجهت إلى القنوات الخليجية التي تقدم جرعة معتدلة من الإعلانات لا تخل بالمتابعة ومشاهدة العمل الفني، لكن قطاعا كبيرا يظل يوتيوب خياره الأول، غير أن الحكم القضائي المصري بحجب موقع يوتيوب لمدة شهر في البلاد، جعل هذا الخيار غير متاح في الموسم الرمضاني الحالي.

وتعالت الأصوات التي طالبت بمقاطعة القنوات التلفزيونية، لأن الإعلانات تخطت كونها مجرد فواصل لتتحول إلى فقرات عقابية للمشاهد، ولاقت الحملة استجابة كبيرة من قبل المشاهدين الذين لا يريدون أن يبقوا أسرى للشاشات والارتباط بتوقيتها.

ويقول متابعون إن الغرض من الحملات الإعلانية التعريف بالسلع والخدمات وتسويقها وحث المتلقي على شرائها وزيادة المبيعات وتعزيز تواجد المؤسسات المعلنة التي تستهدف في أوقات الذروة وأعمال كبار النجوم وتدفع لذلك الملايين من الجنيهات، لكن عشوائية السوق الإعلاني جعلت منها صفقة خاسرة.

وانصرف الجمهور عن الشاشات، وأهدرت أموال المعلنين، لأنها لا تصل إلى الفئات المستهدفة التي لجأت بدورها إلى منصات بديلة، بالتالي فالهدف الإعلاني لم يتحقق.

وقد يكون المعلنون هم الرابحون على المدى البعيد، لأن ثمن الإعلان على يوتيوب سوف يقل إلى الربع تقريبا، وهو ما يهدد الفضائيات المواسم المقبلة. وذهبت بعض التقديرات إلى أن نحو 25 بالمئة فقط يشاهدون الأعمال الدرامية على التلفزيون.

ويبرر أصحاب الشبكات التلفزيونية طول الفترة الإعلانية بكونها مصدر دخل مهم لهم، ضمانا لاستمرار العمل التلفزيوني، لكن ذلك لا يبرر إفساد العمل الفني، ومتعة المشاهد وينبغي اللجوء إلى حلول بديلة، كما أن المبالغة في أسعار الإعلانات سوف تنعكس سلبا على الفضائيات.

ويعتبر عاملون في الوسط الفني وصناع تلك الأعمال أن ظاهرة طول الفترة الإعلانية تهدد أعمالهم الدرامية، وتهدر جهودهم.

3 دقائق من المسلسل يقابلها ثلث ساعة إعلانات أمر يخل بالعمل الفني

وقال المنتج مدحت العدل لـ”العرب”، “أصبحت المسلسلات هي التي تتخلل الإعلانات وليس العكس وهو مثبت زمنيا، إذ أشاهد ثلاث دقائق من المسلسل يقابلها نحو ثلث ساعة من الإعلانات، وهذا من شأنه الإخلال بالعمل الفني، ومتابعة المشاهد للأحداث، لأن الدراما قوامها الأساسي التفاعل، الذي يجري كسره على مدار الحلقة فيفقد الجمهور متعة المتابعة”. وأضاف “لابد أن يدرك المعلنون أن الفترة الإعلانية يستغلها المشاهد في أداء بعض الأعمال، بعيدا عن الشاشة، خاصة ربات البيوت اللاتي يستغللنها في أداء المهام المنزلية”.

واقترح العدل على الشركات المعلنة أن “تتجه إلى رعاية مسلسل يكون خلاله اسمها أو علامتها التجارية ظاهرة وواضحة على الشاشة طوال عرض العمل الفني”.

وتواجه الشاشات التقليدية منافسة محمومة وخطرا كبيرا يهدد وجودها متمثلا في عزوف المشاهد الذي انسحب تدريجيا إلى المنصات الإلكترونية. ويتعين عليها الحفاظ على ما تبقى من المتابعين الذين يلجأ بعضهم إلى حيلة أخرى ‏حفاظا على الوقت، عبر متابعة 3 مسلسلات في وقت واحد، وحينما تبدأ الإعلانات ينتقل إلى محطة أخرى.

ولا تقتصر الظاهرة على مصر، لكنها ظاهرة عالمية بعدما شكلت مواقع التواصل الاجتماعي ومنصات العرض على الإنترنت بديلا أكثر مرونة في الوقت والجودة والانتقائية من القنوات الفضائية.

ولعل النموذج الأبرز هو موقع “نتفليكس”  الأميركي الذي يقوم بعرض المئات من الأفلام والمسلسلات بمقابل شهري ضئيل بجودة عالية ودون إعلانات، وقد استطاع جذب 7.4 مليون مشترك جديد في الربع الأول من عام 2018، وبلغ عدد مشتركيه 125 مليون مشترك، ليكون منصة تحاول قنوات فضائية مواجهتها بقضايا تطالب بوقف بثها.

وتشير بعض الدراسات إلى التراجع التدريجي في حجم مشاهدات الشاشات التقليدية، مقابل أرقام تعكس مدى انتشار وشعبية موقع يوتيوب. فوفقا لإحصاء صدر في مايو الجاري، فإن عدد مستخدمي الموقع بلغ نحو 1.8 بليون شخص في 90 دولة شهريا، ويمكن تصفحه عبر 76 لغة، بما يتناسب مع احتياجات 95 بالمئة من مستخدمي الإنترنت.

وأفادت تقارير صادرة عن شركة غوغل، المالكة لموقع يوتيوب، بأن عدد مستخدميها يتضاعف خلال شهر رمضان، وتزداد أوقات مشاهدة “المسلسلات التلفزيونية” على الموقع بنسبة تبلغ 151 بالمئة خلال رمضان في الدول العربية، مقارنة مع باقي أوقات العام، ما جعل الشركة تتوسع في خدماتها عبر “يوتيوب آرابيا”.

ورغم احتواء موقع الفيديوهات على الإعلانات، إلا أنها تظل قصيرة مقارنة مع الإعلانات التلفزيونية كما أن مشاهدتها اختيارية، ويمكن تخطيها خلال ثوان معدودة.

وكان المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام في مصر (حكومي) أصدر قرارا بشأن تنظيم مدة الإعلانات أثناء إذاعة مسلسلات رمضان، وتكون في فترات قبل إذاعتها وبعدها، ويختصر عملية قطع المسلسل على 3 مرات فقط أثناء عرض المسلسل، إلا أنه لم يتم الالتزام به حتى الآن.

وتحول القرار إلى حبر على ورق، بعدما فشل المجلس في تطبيقه رغم تلقيه عددا من شكاوى الجمهور بسبب طول مدة الإعلانات وتكرارها في أثناء عرض الأعمال الدرامية، مع مطالبات عاجلة بوقفها. لكن المجلس وعد بمناقشة تلك الأزمة بعد انتهاء الموسم الرمضاني، أي انتهاء المشكلة.

18