النقاد والصحافيون لا يقرأون الآداب.. فماذا عن كتّاب السيناريو

عمل درامي يقحم اسم نجيب محفوظ بشكل زائف، والاتكاء على أسماء الأدباء إما عن جهل وإما للتفاخر والربح.
الثلاثاء 2018/05/29
كاتب يحاول الركوب على شهرته الجميع
 

الكثير من الأعمال السينمائية والدرامية والتلفزية والمسرحية اقتبست من نصوص أدبية، ولا مجال هنا للحديث عن مدى نجاحها أو تقصيرها في موازاة النص الأدبي أو التفوق عليه، لكن المُلّح هو مدى التزام القائمين على تحويل النص الأدبي عبر الكاميرا أو الخشبة بالنص الأصلي، حيث غالبا ما يكون هناك تلاعب كبير بالنص وإعادة تمثل له، ولكن وإن كان هذا مثار جدل، فإن ما يثير الريبة هو الاقتباس الكاذب الذي لا ينسب لنفسه انطلاقه من نص أدبي غالبا ما يكون لكاتب شهير، فيما لا تربطه بالنص أي علاقة بعيدة أو قريبة.

في كتابه الصادر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة بالقاهرة، بعنوان “نجيب محفوظ بين السينما والرواية” يقول محمود قاسم “جاءت فكرة الكتاب من خلال اهتمامي بالمقارنة بين النصوص الأدبية والأفلام السينمائية المأخوذة عنها، سواء في الآداب العالمية أو المحلية، ولاحظت دوما أن الكثير من المهتمين بالسينما المصرية، ومنهم نقاد لا يقرأون الآداب إلا قليلا”.

أكد قاسم أن هناك كتّاب سيناريو تعاملوا مع النص الأدبي لنجيب محفوظ بالتزام واضح مثل “اللص والكلاب”، و”بين القصرين،” وغيرها، وبعضهم تعامل معها بالتزام بدرجة أقل كما في “السمان والخريف، الطريق، والسكرية”، وراحت  أفلام أخرى تأخذ بعض السطور أو الفصول مثل “الخادمة، ونور العيون”، بينما من الصعب جدا أن نرى أي علاقة بين أفلام كتب في أفيشاتها إنها مأخوذة عن نجيب محفوظ، دون أن تكون مأخوذة حقيقة عن أي من أعماله، مثل “الشريدة” لأشرف فهمي، و”أميرة حبي أنا” لحسن الإمام، و”فتوات بولاق” ليحيى العلمي، و”المذنبون” لسعيد مرزوق.

وقصة “الشريدة” التي نشرت طبعتها الأولى في العام 1938، ضمن أول مجموعة قصصية للأديب نجيب محفوظ  بعنوان “همس الجنون”، أي مباشرة  بعد كتابه الأول “مصر القديمة” الذي نشره في العام 1932، تضم 27 قصة قصيرة منها قصة “الشريدة” التي لا تتجاوز صفحاتها 17 صفحة، كتبها محفوظ بصيغة المتكلم، الذي كان يجلس برفقة مجموعة من الشباب يقول عنهم “أحاديثهم  في هذه الأيام، أصبحت تتجه نحو غرضين، النساء والسياسة، وحول هذين الموضوعين دار الحديث، وكان حظي المشاركة فيه محدثا ومنصتا”، ويتابع “بدأ الحديث فاترا مبتذلا لم يستطع أن يجذب إلا بعض انتباهي، حتى تكلم ذلك الصديق البارع، وتدفقت الذكريات فألقيت إليه اهتمامي، لأن حديثه كان قصة مستوفاة العناصر”. ثم بدأ بعد ذلك بسرد القصة بصيغة المخاطب.

"الشريدة" قصة حول امرأة تبحث عن الحب في ظل رجل خائن ولا علاقة لها بمسلسل "طريق" المقتبس عنها
"الشريدة" قصة حول امرأة تبحث عن الحب في ظل رجل خائن ولا علاقة لها بمسلسل "طريق" المقتبس عنها

تدور أحداث القصة حول  شابة تهجر زوجها هاربة، بعد أن اكتشفت خيانته ووضاعته، وتلجأ إلى بيت الجيران، حيث يتعرف عليها ابن تلك العائلة ويقع في حبها، ولكن وقبل أن تنمو بذور تلك المشاعر، كانت الفتاة قد عقدت صفقة مع زوجها الخائن وعادت إليه، وتمضي السنوات وتشاء الظروف أن يلتقي الشاب بتلك السيدة بعد أن تم نقله للعمل في الإسكندرية، فتعود مشاعره لتتدفق من جديد، رغم أنه كان قد خطب الفتاة وعزم على الزواج  منها، ولكن الفضول وربما الحب دفعه لمعرفة قصتها بتفاصيل أعمق، فتكاشفه بأنها امرأة وحيدة تبحث عن الحب في ظل رجل خائن عقد معها صفقة، يسلبها فيها مالها مقابل حريتها التي تحياها، ويكتشف أنه لا مكان لذلك الحب في ما بينهما سوى تلك الأيام واللحظات العابرة، حتى تغادره السيدة في غفلة من يومه لتعيش حياتها بعيدا عنه.

المقدمة الطويلة السابقة تلك جاءت تمهيدا للحديث عن المسلسل الدرامي “الطريق” والذي تظهر في تتراته أنه عمل مقتبس عن قصة “الشريدة” لنجيب محفوظ، ولكن وبعد متابعة ما يزيد عن ثماني حلقات من العمل الذي أخرجته رشا شربتجي، وهو من سيناريو وحوار سلام كسيري، تتأكد لنا مقولة الناقد محمود قاسم أن النقاد بل حتى الصحافيين لا يقرأون الآداب، فماذا عن كتّاب السيناريو والمنتجين والمخرجين، فسيناريو المسلسل تدور أحداثه حتى الآن حول أميرة (تلعب دورها نادين نجيم) المحامية التي تبحث عن عمل وهي تعيش في محطة وقود برفقة عائلتها الفقيرة، وتتعرض للطرد من قبل المالك، ولكن المشتري (يلعب دوره عابد فهد) الذي يعمل كتاجر أغنام وصاحب سلسة مطاعم، يقع في غرامها وينتشلها من فقرها.

وفق ما أسلفنا ذكره نجد أن قصة العمل مشابهة إلى حد كبير مع قصة فيلم “الشريدة” الذي كتبه أحمد صالح في العام 1980، وأشار حينها أنه مقتبس عن رواية “الشريدة” لنجيب محفوظ رغم أنها ليست رواية ولا حتى نوفيلا بل هي قصة قصيرة، ثم تراجع عن ذلك لاحقا.

وتدور أحداث الفيلم حول شابة (لعبت دورها نجلاء فتحي) من أسرة فقيرة، تتزوج بمقاول غني لا يتمتع بأي ثقافة، بل يبدو أميّا (يلعب دوره محمود ياسين)، لكنه كان السبب في حصولها على ليسانس الحقوق، وعلى مكتب محاماة، لتصبح واحدة من أهم المحاميات بعد أن ترافعت في قضايا صعبة وتخطتها.

السؤال الذي يروادنا بعد الاطلاع على الأصل من قصة نجيب محفوظ ومقارنتها بسيناريو فيلم “الشريدة” ومسلسل “الطريق” الذي يعرض حاليا والمكتوب بجمالية وحياكة عالية لا يمكن تجاهلها، ما الذي يدفع شركة إنتاج قوية وناجحة لنسب عملها إلى نجيب محفوظ؟ هل هو التفاخر باسم هذا الكاتب العالمي الكبير، أم أن هناك فعلا تقاعسا من العاملين في الدراما وفي مقدمتهم كتّاب السيناريو عن العودة إلى المصادر الأدبية.

14