شبهة تزوير الانتخابات العراقية تزرع الشك بشرعية الحكومة القادمة

بغداد - تؤثر الضجّة التي أثارها حديث تزوير نتائج الانتخابات العامة في العراق، على مفاوضات تشكيل الحكومة، وتكاد تعطلها بشكل كلي.
وبغضّ النظر عما إذا كان الأمر سيصل حدّ إلغاء النتائج وإعادة العملية برمّتها -وهو أمر مستبعد إلى حدّ الآن- إلاّ أنّ آثارا مؤكّدة ستكون لشبهة التزوير، على مستقبل العملية السياسية وعلى شرعية من سيحكم البلاد خلال الفترة القادمة وعلى علاقة الأحزاب والتيارات السياسية ببعضها البعض وتعايشها وتنافسها بشكل سلمي.
وبعد نشوة سريعة، شعر بها الفائزون في الانتخابات التي جرت في الثاني عشر من الشهر الجاري، لدى اطلاعهم على الأرقام التي حصلوا عليها، بدا أن جميع القوائم المشاركة في الاقتراع عادت إلى لحظة الترقب التي كانت سائدة قبل إعلان النتائج.
وجرت الانتخابات في 18 دائرة، موزعة على الشيعة والسنّة والأكراد، مع بعض الدوائر المختلطة، فيما شمل التصويت جميع المقاتلين العراقيين المسجلين رسميا في كشوفات وزارتي الدفاع والداخلية، والنازحين في الداخل، ومعظمهم من السنة، والمهاجرين إلى خارج البلاد.
وبينما قدمت شكاوى قليلة للغاية في انتخابات الدوائر الشيعية، لم تتسبب إلا في إلغاء عدد محدود من المحطات الانتخابية، كانت الشكاوى في المناطق السنية بالمئات.
وكانت مفوضية الانتخابات، أدخلت نظاما إلكترونيا جديدا على طريقة التصويت في العراق، يسمح بإعلان النتائج خلال أيام، بعدما كان يستغرق شهورا عدة.
وبدلا من أن يمثل هذا النظام الإلكتروني ردا على جميع المزاعم المتعلقة بتزوير نتائج الاقتراع، التي تنطلق في كل عملية انتخابية في العراق منذ 2005، تحوّل إلى عبء جديد على المفوضية، بعد أن اكتشف خبراء ومراقبون انتخابيون وممثلو كيانات سياسية ثغرات تسمح باختراقه وتغيير النتائج على نطاق واسع.
ففي كركوك المختلطة بين الأكراد والعرب والتركمان، اتهم ممثلو الأحزاب العربية والتركمانية، الاتحاد الوطني الكردستاني، الذي أسسه وترأسه الرئيس الراحل جلال الطالباني، بالتلاعب بنظام احتساب الأصوات، ما أدى إلى اكتساحه نتائج الاقتراع في هذه المحافظة الغنية بالنفط.
ووجهت التهمة نفسها، للحزب الكردي نفسه، ولكن في مدينة السليمانية، إذ اتهمت حركة “التغيير” حزب الطالباني بسرقة أصواتها، ما تسبب في ضياع 4 من مقاعدها التسعة التي حصلت عليها في انتخابات 2014.
خلال عملية محاكاة لآلية الاقتراع تمكن خبراء في البرمجيات من اختراق نظام التصويت عدة مرات وغيروا النتائج
وفي الأنبار، وجّهت اتهامات واسعة لحزب “الحل” الذي يتزعمه رجل الأعمال جمال الكربولي بتزوير نتائج الانتخابات. ويقول خصوم الكربولي إن حزبه استغل سلطات محافظ الأنبار الذي ينتمي إليه للتلاعب على نطاق واسع بالنتائج.
ولم يقتصر حديث التزوير على انتخابات الداخل، بل امتد ليشمل عملية الاقتراع في عدد من الدول، التي يشاع أنه جرى توجيه أصوات الناخبين فيها لمساعدة مرشحين خاسرين، سنّة وشيعة، على الوصول إلى البرلمان.وجاءت ردود الأفعال على اتهامات التزوير متسارعة، فيما لم يكتف المشككون بمحاولة المفوضية احتواء غضبهم، عندما أعلنت إلغاء نتائج نحو 100 محطة انتخابية.
وحاول النواب الحاليون، الذين ترشحوا إلى البرلمان القادم ولم يفوزوا، عقد جلسة استثنائية لمجلس النواب العراقي، لمناقشة اتهامات التزوير، لكنهم جوبهوا برفض وتشكيك الأطراف الفائزة. وأعد نحو 100 من النواب الخاسرين مشروع قانون خاص ينص على إلغاء النتائج وإعادة إجرائها نهاية العام قبل أن يعدلوا طلبهم بضرورة تجميد العمل بالنظام الإلكتروني لاحتساب الأصوات والركون إلى العد والفرز اليدويين.
وواصل النواب الخاسرون حراكهم، وأرسلوا خطابا إلى ممثل الأمم المتحدة في العراق، يطالبون المنظمة الدولية بالتدخل.
وتقول مفوضية الانتخابات إن أبوابها مفتوحة لتسلم أي شكوى. وفعليا قُدمت نحو 1500 شكوى الى المفوضية، “بعضها معزز بأدلة حاسمة”، وفقا لما تحدثت عنه مصادر “العرب”.
وبلغت هذه الضجة حدّ إجبار مجلس الوزراء على التدخل، بالرغم من الحساسية القانونية التي قد يثيرها تدخّله.
وطالب رئيس الحكومة حيدر العبادي بمعاينة عملية محاكاة لآلية التصويت واحتساب النتائج، بحضور مسؤول أعلى سلطة قضائية في العراق ومدير جهاز المخابرات وبعض من أبرز مسؤولي الدولة.
وأبلغ طرف حضر عملية معاينة المحاكاة “العرب”، بأن خبراء في البرمجيات اخترقوا نظام التصويت 3 مرات في نحو 30 دقيقة وغيّروا النتائج في كل مرة.
وفور التثبت من سهولة الاختراق، أمر العبادي بتشكيل لجنة تحقيق خاصة، تضم رئيس مجلس القضاء الأعلى، ومستشار الأمن الوطني ورئيس لجنة تأمين الانتخابات ومدير المخابرات، للتحقق من حجم الاختراقات التي تعرّض لها نظام التصويت الإلكتروني، ومقدار التغيير الذي أصاب النتائج.
ولن تكون نتائج الانتخابات رسمية، ما لم تصادق عليها المحكمة الاتحادية العليا، التي تنتظر نتائج تحقيق مفوضية الانتخابات في الشكاوى المقدمة إليها.
ولا تتوقع المصادر تغييرات مؤثرة في نتائج الدوائر الشيعية لكن الأمر سيكون مختلفا في الدوائر السنية والكردية.
وتقول مصادر “العرب”، إن المفاوضات السياسية التي تجري حاليا بين مختلف الأطراف للتفاهم حول تشكيل الحكومة الجديدة لا يمكن أن تسفر عن تفاهمات نهائية قبل تصديق نتائج الانتخابات، وهو ما قد يستغرق بضعة أسابيع.