رمضان يفاقم الأنشطة التجارية الخارجة عن المعايير الحكومية

القاهرة - فاقمت عادات المصريين في شهر رمضان من نشاط الاقتصاد غير الرسمي المعروف بـ“اقتصاد الظل”، وباتت تعزز مركزه المالي بشكل كبير، نتيجة زيادة الطلب على شراء المنتجات المباعة في الشوارع من دون الحصول على التراخيص الرسمية اللازمة.
ويعتاد المصريون في شهر رمضان الاقبال على شراء الكثير من فواتح الشهية ووضعها على مائدة الإفطار، وعلى رأسها شراء المخللات أو “الطرشي” كما يطلقون عليه من عربات الباعة المتجولين في الشوارع، وعصائر الدوم والتمر هندي والسوبيا والخروب والعرقسوس.
وتنتشر أيضا أفران تصنيع الكنافة والقطايف والحلويات بأنواعها المختلفة في الشوارع والتي يتم بيعها للمواطنين من دون تصاريح رسمية، ما يزيد من حجم هذا القطاع في بلد يصل عدد سكانه إلى مئة مليون نسمة ويتسمون بشراهة في الإنفاق على السلع الغذائية.
وكشفت شعبة البقالة بغرفة تجارة القاهرة، أن المصريين ينفقون نحو 80 بالمئة من دخولهم على الغذاء خلال شهر رمضان.
ويتزامن مع ذلك النشاط القياسي لمبيعات عربات الفول في الشوارع والتي تستحوذ على النصيب الأكبر من مأكولات الشوارع على مدار العام، لكن نشاطها يزداد في شهر رمضان، ويعد الفول المدمس وجبة السحور الرئيسية عند قطاع كبير من المصريين.
ويصل عدد عربات بيع الفول إلى نحو مليون عربة تنتشر في مختلف أنحاء البلاد، وبدأت في التوسع في الأحياء الراقية، مع إقبال شباب هذه المناطق على الذهاب بسياراتهم لتلك العربات وتناول السحور في الشوارع مع أصدقائهم، وباتت تلك العادة من طقوس الشهر الكريم.
وتتزامن الفورة الكبيرة في نشاط القطاع غير الرسمي مع إقرار القاهرة تشريعا جديدا مؤخرا لأول مرة لتقنين مأكولات الشوارع مقابل رسوم سنوية.
وبموجب القانون الجديد يدفع كل فرد يرغب في الحصول على ترخيص عربة مأكولات في الشوارع رسوم إشغال للمحليات تقدر بنحو 170 دولار سنويا.
ويعاقب قانون مأكولات الشوارع الجديد بالحبس مدة لا تتجاوز شهرا وبغرامة لا يتجاوز حدها الأقصى 1200 دولار أو إحداهما، كل من يقوم بتشغيل وحدة طعام متنقلة دون ترخيص أو بيع أو تحضير أو إعداد الأطعمة عن طريق إحدى وحدات الطعام المتنقلة المخالفة لأحكام الترخيص.
وقدرت وزارة التخطيط حجم الاقتصاد غير الرسمي بنحو 93 مليار دولار، أي ما يعادل 40 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي البالغ 233 مليار دولار، إلا أن المؤشرات الواقعية تشير إلى ارتفاع هذه النسبة بشكل كبير.
وقدرت اللجنة الاقتصادية بمجلس النواب حجم القطاع غير الرسمي بنحو 60 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي.
وقال عمرو الجارحي وزير المالية إن “الحكومة انتهت من إعداد تشريع جديد يستهدف دمج القطاع غير الرسمي في المنظومة الاقتصادية الرسمية للبلاد، ومن المتوقع عرضه على مجلس النواب في يونيو المقبل”.
وأوضح في تصريحات لـ“العرب” أنه سيتم فرض ضريبة قطعية على أصحاب المشروعات متناهية الصغر، وسوف يتم تحديدها بدقة بحيث تكون مبلغا صغيرا يتناسب مع طبيعة كل نشاط، مقابل الحصول على كافة تراخيص العمل بشكل صريح وواضح.
وتستهدف وزارة المالية حصيلة ضريبة بنحو 44 مليار دولار خلال العام المقبل، مقارنة بنحو 35 مليار دولار العام المالي الحالي، من خلال توسيع قاعدة المجتمع الضريبي، وزيادة نسبة مساهمة الضرائب إلى الناتج المحلي الإجمالي خلال السنوات الأربع المقبلة لنحو 18 بالمئة، بدلا من 13 بالمئة حاليا.
وتصطدم إستراتيجية “مصر 2030” بمقترحات وزارة المالية، وتستهدف ضم القطاع غير الرسمي للمنظومة الاقتصادية الرسمية بشكل كامل، من خلال عدد من الحوافز تشمل إعفاءات ضريبية، ومزايا تأمينية على أصحاب هذه المشروعات والعاملين فيها.
وقالت أمنية حلمي الأستاذة بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، إن دمج الاقتصاد غير الرسمي يعزز من تحسن المؤشرات الاقتصادية ويشجع على العمل الخاص وتحسين أوضاع الفئات المهمشة من أصحاب المشروعات والعاملين فيها.
وأكدت لـ“العرب” أن هذا القطاع آخذ في التوسع بسبب ارتفاع تكاليف العمل بصورة رسمية، الأمر الذي يحتاج إلى تخفيض تلك التكلفة، واستغلال الانتشار الكبير للهواتف المحمولة وتقديم خدمات مالية تعزز من دمجهم في المنظومة الرسمية للاقتصاد.
وقدر البنك المركزي المصري حجم النقد المتداول خارج الجهاز المصرفي بنحو 25 مليار دولار ويعكس هذا الحجم نشاط القطاع غير الرسمي بشكل قوي.
وأسست القاهرة أول مجلس قومي للمدفوعات الإلكترونية، بهدف خفض استخدام النقد خارج البنوك وتحفيز طرق الدفع الإلكتروني لمراقبة التعاملات وحصر الأنشطة غير الرسمية.