علي الدين هلال: مصر أمام مأزق تأسيس حزب الرئيس

وزير الشباب المصري الأسبق يرى أن "الوضع السياسي في مصر لا يزال في مرحلة استثنائية حتى الآن ويصعب الاستمرار فيه، لأن رئيس البلاد لا ينتمي إلى حزب معين".
الجمعة 2018/05/25
هلال: مازلنا نعيش وضعا استثنائيا

القاهرة – تشهد الساحة السياسية في مصر جدلا متصاعدا بشأن مستقبل الحياة الحزبية، في ظل وجود رغبة حكومية في الخروج من مأزق الفراغ الحزبي الذي لم يستطع أكثر من 100 حزب ملأه في الفترة الماضية، ما فتح الباب أمام نقاشات سياسية وفكرية مختلفة، لرسم طريق يمكن أن تسير عليه الأحزاب خلال الفترة المقبلة.

ويرى علي الدين هلال، وزير الشباب المصري الأسبق، وأستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، وأحد من لعبوا دورا مؤثرا في محاولة تنظيم الحياة السياسية في عهد الرئيس حسني مبارك، أن مصر أمام مأزق تأسيس حزب الرئيس، والإقدام على تلك الخطوة يعد أمرا بالغ الصعوبة على الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، باعتباره حائزا على أغلبية أصوات الناخبين في الانتخابات، وبالتالي فإن اختياره لفئة بعينها حتى تكون تابعة لن يكون في صالحه.

وأكد هلال في حواره مع “العرب” أن “الوضع السياسي في مصر لا يزال في مرحلة استثنائية حتى الآن، ويصعب الاستمرار فيه، لأن رئيس البلاد لا ينتمي إلى حزب معين، بالرغم من وجود تعددية حزبية في البلاد، وعلى الرغم من حصوله على أغلبية مطلقة في الانتخابات”.

الأحزاب المصرية لم تنجح في الخروج من تحت عباءة السلطة، وتحوّل الأمر إلى معضلة تواجهها الأحزاب المؤيدة كما المعارضة. ويقيّم السياسي المخضرم علي الدين هذا المشهد، مشيرا في حوار مع “العرب”، إلى أن ما يشهده المسرح السياسي المصري في الوقت الحالي لا يعكس جدية في إصلاح الوضع القائم بل يكرس هيمنة الحزب الواحد.

 ويرى هلال أن “الأصل في إقامة حياة ديمقراطية سليمة أن يكون هناك حزب ينتمي إليه الرئيس ويحوز على أغلبية في البرلمان، وليس العكس”.

تم إطلاق العديد من المبادرات بشأن ضرورة دمج الأحزاب الصغيرة داخل أخرى كبيرة، وظهرت مطالبات تحض على تغيير قانون الأحزاب السياسية، وحل الأحزاب غير الممثلة في البرلمان، ونادت دوائر حزبية بتشكيل ائتلاف داخل مجلس النواب يكون نواة لتأسيس تكتل معارض قوي في المستقبل.

غير أن خطوة تأسيس حزب يشكل ظهيرا سياسيا للرئيس جاءت على رأس النقاشات التي جرت منذ انتهاء الانتخابات الرئاسية مؤخرا، وهي الخطوة التي تلقى ترحيبا من البعض، وتخوفا من آخرين، لأن تاريخ تبني خيار تعددية الأحزاب السياسية في سبعينات القرن الماضي كانت شاهدة على تعمد حزب الرئيس إفساد الحياة السياسية، جراء هيمنته على مجمل الأوضاع وجذبه انتهازيين وأصحاب مصالح إليه، وقصقصة أجنحة الجادين من المناوئين.

ويعتقد هلال أن “الرئيس المصري، يبدو متخوفا من فكرة وجوده على رأس أي من الأحزاب السياسية”. ويشرح ذلك بقوله “لقد تعامل مع الضغوط السابقة لتأسيس الحزب خلال فترة رئاسته الأولى بإلقاء الكرة في ملعب الأحزاب وطالبها بضرورة إعادة هيكلة أوضاعها والاندماج في ما بينها لتشكل قوة تشغل الفراغ الحالي”.

الأحزاب وتحدي السلطة

يدرك علي الدين هلال الذي شغل منصب أمين الإعلام بالحزب الوطني (تم حله بحكم قضائي) الحاكم قبل اندلاع ثورة يناير 2011، وكان يرأسه الرئيس الأسبق حسني مبارك، أن عملية بناء الأحزاب الحاكمة أثناء تواجد الرئيس في السلطة تحيط بها الكثير من المخاطر، وتخوف الرئيس الحالي يأتي من إمكانية استغلاله لتحقيق مصالح أشخاص لا يؤمنون بأفكاره.

وما يزيد احتمال حدوث هذا الأمر أن ائتلاف الأغلبية في البرلمان المصري (دعم مصر)، والذي من المفترض أنه سيكون نواة لتأسيس حزب الرئيس لا يرتكز على أساس أيديولوجي محدد، فهو يتكون من جملة من المستقلين والأحزاب التي اتفقت على فكرة عامة وغير واضحة تحت مسمى “دعم الدولة”، وهو ما اعتبره، السياسي المصري، أنه يمثل عودة لتكرار نموذج الاتحاد الاشتراكي.

وتعاني الأحزاب المصرية من ارتباطها بالسلطة منذ قيام ثورة يوليو 1952، حينما ألغت الثورة الأحزاب كلها بعد عامين فقط من قيامها، واستبدلت مكانها تنظيماً وحيداً من السلطة، تمثل في الاتحاد الاشتراكي، بمعنى أن الحاكم وهو في السلطة ينشئ حزباً فوقيا له، وهذا النوع من الأحزاب أو التنظيمات الوحيدة تجذب كل الناس الطامعين في ذهب الحاكم أو اتقاءً لغضبه.

والأمر ذاته تكرر في العام 1976، حينما قرر الرئيس الراحل أنور السادات أن ينشئ حزباً لإعادة الحياة الحزبية ففوجئ بأن جميع أعضاء مجلس الشعب جاؤوا ليطلبوا الانضمام إلى الحزب.

وشدد هلال على أن الجذور الحقيقية لأزمة الحياة السياسية في مصر بشكل عام تأتي من ارتباط تأسيس الأحزاب بالسلطة، غير أنه يرى أن الوضع القائم تسببت فيه جملة من المتغيرات التي مرت بها مصر بشكل متسارع منذ يناير 2011، إلى أن انتهى الآمر بـ”أننا أصبحنا أمام برلمان يوجد به أكبر عدد من الأحزاب منذ عودة الحياة السياسية في سبعينات القرن العشرين، غير أنها لا تمثل أغلبية داخله تميل لصالح المستقلين، وهو ما يكشف عن عدم تأثيرها”.

مفارقة حزبية

الأحزاب المصرية تعاني من ارتباطها بالسلطة منذ قيام ثورة يوليو، حينما ألغت الثورة الأحزاب كلها بعد عامين فقط من قيامها، واستبدلت مكانها تنظيماً وحيداً من السلطة
الأحزاب المصرية تعاني من ارتباطها بالسلطة

يرى هلال أن “هناك مفارقة غريبة تشهدها الحياة السياسية في الوقت الحالي وتتمثل في أن هناك 18 حزبا داخل البرلمان، لكن ذلك لا يعبر عن قوة تأثيرها لأكثر من سبب”.

السبب الأول يرتبط بأن هناك 49 حزبا خاضت هذه الانتخابات، ولم تستطع سوى 18 منها أن تحصل على مقاعد داخله، أما الثاني: فعلى الرغم من وجود رقم كبير، مقارنة ببرلمانات سابقة كانت تمثل بخمسة أحزاب على الأكثر، فإنهم لا يشكلون أغلبية مطلقة.

وأشار إلى أن ما “تعانيه مصر في الوقت الحالي يمكن توصيفه على أنه فراغ حزبي في ظل غياب الظهير السياسي الداعم لرئيس البلاد”، واعتبر أن “المشكلة الحقيقية تكمن في المستقبل”، قائلا “هناك العديد من الأسئلة التي تثار بشأن قدرة أي من القوى السياسية الموجودة حاليا في أن تشكل ظهيرا سياسيا للرئيس القادم، وهل سيكون هناك رئيس لمصر ينتمي إلى أي من هذه الأحزاب؟”.

ويعد علي الدين هلال أحد المهتمين بالعلاقة بين الحكم والأحزاب السياسية، وحصل على وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى في العام 1979، عن كتابه “السياسة والحكم في مصر”، وألف العشرات من الكتب والدراسات المنشورة باللغة العربية والإنكليزية، وشغل منصب عميد كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة.

وتسعى دوائر حكومية عديدة إلى الوصول إلى صيغة سياسية يمكن من خلالها إعادة بلورة الوضع الحزبي القائم في مصر في الوقت الراهن، بحيث يكون هناك حزب قوي تابع للسلطة الحاكمة وداعمة له، مقابل أن تكون هناك ثلاث قوى أخرى تمثل المعارضة، وتشغل تلك القوى الثلاث النصيب الأكبر في الانتخابات المحلية المقبلة لتكون نواة رئيسية للعمل الحزبي خلال السنوات المقبلة.

وهو ما دفع هلال ليكرر أن “الوضع الحالي انتقالي بالأساس، ولا يحفز على المشاركة السياسية، بسبب عدم وجود الآليات السليمة التي تدعم تطور الحياة الحزبية، في ظل خضوعه لأجهزة على رأس الدولة وليس من الشارع”.

ورأى أن الأحزاب الموجودة حاليا بالمشهد السياسي غير نشطة وغير مؤثرة لأنها تفتقد للحركية والحيوية داخلها، وهذا أمر يراه هلال ليس مرتبطا بأدائها، غير أنه يلخص مجمل تاريخها الحديث منذ عودة الحياة الحزبية، باستثناء محاولات يعتقد أنها غير كافية للتأثير في الرأي العام والبرلمان والدولة بشكل عام.

ولا يتفق هلال مع الداعين إلى إنتاج خطاب سياسي جديد تتبناه الأحزاب المعارضة خلال الفترة المقبلة، وأن مرحلة الخطاب العلوي الذي كانت تتبناه قوى سياسية في الماضي لن تكون فاعلة في الوقت الحالي، والأساس يكمن في التواجد على أرض الواقع داخل القرى والنجوع الصغيرة، وهو أمر يعدّ متاحا للأحزاب الممثلة في البرلمان وتتمتع بحرية حركة من خلال نوابها.

وأشار إلى أن حالة الاصطفافات السياسية بين الأحزاب ستحدد شكل الحياة الحزبية في المستقبل، وقد تكون هناك اندماجات بين أحزاب لها تواجد كبير في البرلمان، ومن المتوقع أن يشكل الشباب الذي شارك في حملات دعم الرئيس حزبا خاصا بهم أو ينضموا إلى أحد الأحزاب التي تطغى عليها الصيغة الشبابية، مثل حزب مستقبل وطن.

الاتجاه نحو الإصلاحات

الإصلاح الاجتماعي الذي بدأته الحكومة من خلال تغيير نظام التعليم والبدء في تحليل ظاهرة النمو السكاني وقرب صدور قوانين وتشريعات تنظمها، هو مقدمة لتغيير سياسي داخلي
الإصلاح الاجتماعي الذي بدأته الحكومة هو مقدمة لتغيير سياسي داخلي

يرى هلال أن على الدولة أن تبدأ في تنفيذ إصلاحات سياسية شاملة، يكون الهدف الأساسي منها إثراء الحياة الحزبية من خلال أكثر من خطوة؛ الأولى ترتبط بإطلاق حوار سياسي لتغيير نظام الانتخابات البرلمانية، وبالتبعية الانتخابات المحلية، ويتم الأخذ بمفهوم القوائم النسبية بدلا من القوائم المغلقة الحالية والتي تصب في صالح الأحزاب الكبيرة فقط، وتكرس لمقولة “إن من يحصل على الأغلبية يحصل على كل شيء”.

وأضاف أن تغيير النظام الانتخابي الحالي بإتاحة التنافس بين الأحزاب المختلفة بحيث يحصل الحزب على مقاعد برلمانية أو محلية بمقدار ما حصل عليه من أصوات الحل الأول الذي يجب أن تذهب إليه الحكومة المصرية في الوقت الحالي، إلى جانب ضرورة تعديل قانون تنظيم الأحزاب لينص على تجميد الأحزاب التي لا تستطيع الحصول على مقاعد بالبرلمان خلال دورتين متتاليتين.

ولفت إلى أن “الهدف الأساسي من تأسيس الأحزاب هو خوض الانتخابات والتنافس، وبالتالي فإن تشجيعها على العمل يكون من خلال القوانين المنظمة لها، لكن قبل اتخاذ هذه الخطوة يجب أن ننتظر نتيجة المشاورات الحالية بشأن الاندماجات الحزبية المتوقعة”.

وتوقع أن يكون “الإصلاح الاجتماعي الذي بدأته الحكومة من خلال تغيير نظام التعليم والبدء في تحليل ظاهرة النمو السكاني وقرب صدور قوانين وتشريعات تنظمها، مقدمة لتغيير سياسي داخلي”.

وخلص علي الدين هلال أن “الرئيس سيلجأ إلى هذا التغيير الذي يتسق مع وعوده بتحقيق نتائج ملموسة تعوض الصعوبات والتضحيات الاجتماعية والاقتصادية التي عانت منها البلاد” خلال السنوات الماضية.

وتابع “الحكومة الحالية تدرك كذلك أن السيطرة على الأوضاع السياسية الداخلية تلقي بظلالها على كيفية التعاطي مع جملة من الملفات الخارجية، وعلى رأسها ملف سد النهضة، الذي كانت عملية بنائه نتيجة مباشرة لسقوط النظام السياسي في العام 2011”.

12