النوايا الخفية

هذا النوع من البرامج وضع أساسا للتسلية، وكان منذ انطلاقه يقوم على تصوير أناس عاديين، أو نجوم معروفين.
الخميس 2018/05/24
أجندات خارجية

عندما ابتكر المنتج الأمريكي ألن فونْت الكاميرا الخفية عام 1948، لم يكن يعلم أنها سوف تصبح وسيلة لتشويه سيرة الناس، والشك في نضالهم، والطعن في وطنيتهم، لخدمة أجندات أجنبية.

هذا النوع من البرامج وضع أساسا للتسلية، وكان منذ انطلاقه يقوم على تصوير أناس عاديين، أو نجوم معروفين، في وضعيات يُستبعد حدوثها، سواء بتواطؤ بعض معارفهم لإضفاء شيء من الواقعية، أو من دونه، ولا يكتشف “الضحية” حقيقة الأمر، إلا في نهاية الحلقة، فيَضحك لحظةَ الانفراج من وقوعه في الفخ، ومن انطلاء الحيلة عليه. ووجدت قنوات العالم في هذا الجنس التلفزيوني وسيلة ترفيه بلغت ذروتها مع بعض المنتجين الكبار، مثل الكندي مارسيل بيليفو، الذي كان يُعد “خدعته” طوال أسابيع، بتقنيات فنية متطورة، وإخراج يحسده عليه كبار المخرجين. وسارت على ذلك النهج معظم التلفزيونات العربية، فقدمت لمشاهديها حلقات معقولة، ولكنها انحرفت في الأعوام الأخيرة، فصارت تعرض مشاهد تدخل الرعب في نفوس “الضيوف”، لأنها تضع حياتهم أمام خطر حقيقي، كـ”التمساح”، و”الأسد”، و”الأسانسير” وما إلى ذلك من برامج تثير ضحك المشاهدين لا محالة، ولكنها تهزّ من يكونون ضحيتها هزّا نفسيا عميقا، قد يبلغ مبلغ الرعب من موت محدق.

بيد أن كل ذلك يذلّ أمام برنامج الكاميرا الخفية الذي تقترحه لرمضان هذا العام قناةٌ تلفزيونية تونسية خاصة، فقد أثار منذ الإعلان عنه صخبا كبيرا تجاوز الحدود، وولّد استياء عارما في شتى أوساط المجتمع، بنخبه وعوامّه، واتضح منذ حلقتيه الأوليين أنه محاولة لإقناع التونسيين بأن نخبها لا ترى مانعا من التطبيع مع الكيان الصهيوني. وقد بدا ذلك واضحا منذ العنوان “شالوم”، ونجمة داوود التي تتصدر الجينيريك، وعلم إسرائيل، والمرأة التي تقدم على أنها سفيرة هذا الكيان، وصولا إلى خطاب من تقمص دور الحَبر، فقد قال لأحد المغرر بهم “إننا نعرف عنكم كل شيء، حتى العشاء الذي تطبخونه الليلة”، ما يوهم بأن تونس واقعة تحت الاحتلال الإسرائيلي، وقوله أيضا إن العلاقات بين تونس وإسرائيل تجري “تحت الطاولة” وإن الجانب الإسرائيلي يريدها أن تظهر للعلن.

ولئن رأى بعض الملاحظين أنها عملية قذرة لتشويه بعض الرموز وتلميع بعضهم الآخر، فإن آخرين أدانوا أساليب التعامل مع الضيوف، إذ أخضِعوا لترهيب ليس أقله وجود حراس مسلحين منعوا الرافضين منهم من المغادرة، مثلما أدانوا هذا العمل الذي لا يمكن تصنيفه في أي خانة. ولكنّ الأخطر هو جعل الحديث عن التطبيع أمرا عاديا كالحديث عن أزمات الحكومات المتتالية منذ الثورة.

15