نتائج الانتخابات بالموصل تعكس مزاج الغضب من القيادات السنية

نموذج عن تغيير أشمل في الخارطة السياسية للعراق، وصعود كبير لخالد العبيدي على حساب آل النجيفي.
الاثنين 2018/05/21
بقايا لافتاتهم أنفع من برامجهم وأفكارهم

الموصل (العراق) – مثّل تصدّر قائمة النصر بزعامة رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، لنتائج الانتخابات في محافظة نينوى بشمال العراق، إحدى مفاجآت العملية الانتخابية التي جرت مؤخّرا في العراق وأسفرت عن تغيرات هامة في الخارطة السياسية بالبلد أبرزها صعود تيار الزعيم الشيعي مقتدى الصدر على حساب قوى أخرى كانت قد تصدّرت المشهد طيلة الـ15 سنة الماضية.

وتضمّن تصويت الناخبين في أحد أهم معاقل السنّة في العراق لقائمة يتزعّمها شيعي (النصر بزعامة العبادي)، رسالة شديدة اللهجة للقيادات السنّية عكست غضب الجمهور السنّي من ضعف الطبقة السياسية التي ادّعت تمثيله لكنّها فشلت في خدمته ودرء المخاطر عن مناطقه.

غير أنّ الناخبين أنفسهم أبدوا تأييدهم الكبير لوزير الدفاع السابق خالد العبيدي الذي خاض الانتخابات ضمن قائمة النصر، حيث أنّ التصويت الكثيف له كان وراء فوز القائمة المذكورة في نينوى.

وكان العبيدي قد أقيل من منصبه بعد استجواب نيابي له أفضى إلى طرح نواب البرلمان الثقة عنه، لكنّ الكثير من الدوائر السياسية شكّكت في دوافع الإقالة وأرجعتها إلى استهداف ممنهج للعبيدي من قبل خصوم سياسيين له.

وجاءت نتائج الانتخابات في الموصل بمثابة كابوس بالنسبة للقوى السياسية السُنيّة التقليدية التي خسرت مركز ثقل السُنة في العراق للمرة الأولى منذ 2003.

والموصل هي ثاني أكبر مدن العراق سكانا خلف بغداد، وكان يقطنها نحو 2.5 مليون نسمة قبل اجتياح تنظيم داعش لها صيف سنة 2014 وسيطرته عليها لقرابة الثلاث سنوات.

وقال الخبير السياسي، عبدالمجيد الراوي لوكالة لأناضول، إن “نتائج الانتخابات وجهت صفعة قوية إلى الكثير من الأحزاب السياسية، سواء أكانت شيعية أم سنية”. وأضاف أن “تصدر العبادي نتائج الانتخابات في نينوى يحمل دلالات عدة تتعلق بالناخب وتفكيره والظروف التي أقنعته بالتصويت لمرشح يخالف مذهبه الديني وتوجهه الفكري، وعدم التصويت لشخص من أبناء جلدته”.

واعتبر الراوي، وهو من سكان الموصل، أن “نينوى خير مثال على ما حدث من تغيير جذري في الخارطة السياسية للعراق بعد 2003، فهذه المحافظة، وعاصمتها الموصل، تمثل الثقل السُني العربي في البلاد”.

وأردف أن “ما تعرض له المواطن في هذه المحافظة بالتحديد من تهجير وقتل وتدمير ألقى بظلاله على رأيه في مجال السياسة، فاليوم كل مواطن بهذه المحافظة المنكوبة يعتبر أن السياسي من أبناء جلدته هو سبب هذا الدمار، جرّاء مشاركته في تطبيق سياسات خاطئة وعدم الاهتمام بنكبة الأهالي طيلة الفترة الماضية”.

ومضى قائلا إن “اختيار سكان الموصل قائمة بعيدة عن توجههم المعتاد يمثل أيضا محاولة منهم لمعاقبة أبناء جلدتهم، واعتقادهم بأن الشخصيات الأخرى قادرة على حل الأمور برؤية جديدة وموضوعية، بعيدا عن المشاحنات والمهاترات التي لم تجلب سوى الويلات والدمار”.

ما تعرض له المواطن في محافظة نينوى خلال حرب داعش من تهجير وقتل وتدمير ألقى بظلاله على رأيه في مجال السياسة

في الموصل حلت قائمة العبادي أولا بـ164 ألفا و714 صوتا، تلاها الحزب الديمقراطي الكردستاني، بزعامة مسعود البارزاني الرئيس السابق لإقليم كردستان العراق، بـ134 ألفا و782 صوتا، وبعدهما ائتلاف الوطنية بزعامة رئيس الوزراء الأسبق إياد علاوي الشيعي العلماني بـ97 ألفا و59 صوتا.

وحل تحالف نينوى هويتنا السُني رابعا بـ78 ألفا و793 صوتا، ثم تحالف الفتح الذي يضم أذرعا سياسية للحشد الشعبي، بزعامة هادي العامري قائد ميليشيا بدر الشيعية بـ73 ألفا و253 صوتا، وبعده تحالف القرار العراقي (سني) بزعامة نائب رئيس الجمهورية أسامة النجيفي بـ65 ألفا و76 صوتا، وذلك بعد أن تصدر الأخير والقوى المتحالفة معه المشهد الانتخابي بالموصل في السنوات السابقة.

ويبلغ عدد مقاعد نينوى 34 حصلت الائتلافات ذات السيطرة الشيعية منها في الانتخابات الحالية على 10 مقاعد بينها 7 لائتلاف العبادي وذلك مقابل 8 للائتلافات ذات السيطرة السنية، وبقية المقاعد ذهبت لائتلافات أخرى، فيما كانت الائتلافات السنية هي التي تتصدر الانتخابات السابقة بالمحافظة بواقع 20 مقعدا، بينما حصلت الائتلافات ذات السيطرة الشيعية على 3 مقاعد فقط آنذاك، والبقية لائتلافات أخرى.‎

وتقول الصحافية العراقية سعادة الصابونجي وهي من سكان نينوى إن “الموصل بحاجة الآن إلى سياسيين يكونون على مقربة جدا وتفاهم عال مع بغداد مركز صنع القرار، والابتعاد كل البعد عن السياسيين الذين يحاولون التصعيد والمقاطعة”.

وتشير الصابونجي إلى قائمة “بيارق الخير” بزعامة وزير الدفاع السابق خالد العبيدي الذي خاض الانتخابات ضمن قائمة العبادي، علما أن الأصوات الكثيرة التي حصل عليها العبيدي هي التي مكنت قائمة العبادي من تصدر النتائج في نينوى.

وتفيد النتائج بأن العبيدي حصل على أصوات تخوله شغل 8 مقاعد برلمانية من أصل 31 مقعدا مخصصا للمحافظة. وأثار العبيدي جدلا واسعا خلال جلسة استجوابه في البرلمان في أغسطس 2016 على خلفية تهم تتعلق بالفساد. وخلال الجلسة اتهم العبيدي سياسيين سُنة بارزين بالابتزاز والفساد وعلى رأسهم رئيس مجلس النواب سليم الجبوري. إلا أن البرلمان صوت في النهاية لصالح إقالة العبيدي من منصبه.

وأثارت إقالته ضجة كبيرة، نظرا لحدوثها في ذروة المعارك ضد داعش، إضافة إلى السمعة الجيدة للعبيدي داخل الأوساط الشعبية والعسكرية. وقالت سعادة إن “ما شهدته نينوى من أهوال جعل الشارع على يقين بأنه يجب اختيار أشخاص يكون برنامجهم الانتخابي خاليا من الدعوات الطائفية التي تجعل الطرف الأقوى متسلطا ومتحكما بطريقة بشعة عند الوصول إلى السلطة”.

وتنتظر الكتل السياسية الفائزة بالانتخابات مفاوضات شاقة لتشكيل الحكومة المقبلة، إذ تعكس الحكومات العراقية عادة المكونات الرئيسية في البلاد وهي الشيعة والسُنة والأكراد.

وستكون الحكومة المقبلة أمام مهام صعبة ومعقدة، منها إعادة إعمار ما دمرته الحرب مع داعش على مدى ثلاث سنوات، وإعادة لحمة النسيج الاجتماعي في البلد الذي يعاني من انقسامات طائفية وقومية منذ عقود.

واعتبر الخبير السياسي في شؤون القوى الشيعية عبدالحسن الخالدي أن “نجاح قائمة يقودها الشيعة لا يعني بالضرورة أنها ناجحة”، قائلا إن “نجاح السياسيين الشيعة في بيئة غير بيئتهم يعود إلى تطلعات سكان تلك المناطق لانتشالهم من نكبتهم بعد أن يئسوا من الوجوه السياسية التي مثلتهم على مدار أعوام”.

لكن الخالدي يستدرك بالقول “هذا لا يعني أن السياسيين الشيعة على مستوى من النجاح والعمل والإبداع فلو كانوا كذلك لنجحوا في مناطقهم”.

3