ساعات الصيام إشكالا

هل نصوم “على مكة” حسب تسمية متداولة، في شمالي أوروبا، لساعات الصوم القصير؛ أم نصوم من طلوع الشمس إلى غروبها حسب البلد الذي يقيم فيه الصائم، حسب فتاوى فقهاء مستريحين، حتى ولو تأخر مغيب الشمس، إلى حد الاقتراب من شروقها؟
سؤال يزيد من نقاط الاختلاف بين المسلمين في شهر الوحدة الوجدانية. الفقهاء المتشددون، سيمتنعون على الأرجح، عن قبول أي دعوة رمضانية، تتخللها أجور معتبرة ومآدب، للإقامة أسبوعا أو أسبوعين، في بلد يطلبون من الأقلية المسلمة فيه، أن تصوم لعشرين ساعة.
فلن يسأل الفقيه المتشدد المستريح نفسه: هل يحتمل الصوم بفتواه القصوى، في صيف آيسلندا مثلا؟ وهل يقبل مغادرة بلد الصوم أربع عشرة ساعة، لكي يرتاد وجه الكريم إلى بلد آخر يصوم فيه عشرين ساعة؟
كان الأزهر الشريف في مصر، أصدر منذ العام 1982 فتوى بهذا الخصوص، ونفى أن يكون الدين يجيز صوم الإنسان لساعات طويلة، تضيق بها الفجوة بين الإفطار والإمساك، وتتجاوز قدرة المؤمن على الاحتمال. واستند علماء الأزهر، إلى أن الدول التي يطول فيها اليوم بشكل غير طبيعي، كما هو الحال في شمالي أوروبا، يجوز للمسلمين الاختيار بين أمرين: الصوم حسب مواقيت البلاد المعتدلة التي نزل فيها التشريع الإسلامي، مثل مكة والمدينة، أو أن يحسبوا وقت الصوم باعتبار زمنه في أقرب البلاد اعتدالا إليهم. فقد ربط الله سبحانه تشريع الصوم بالتيسير والرفق بالناس، وأنه سبحانه، يريد بنا اليُسر لا العسر، فلا إعنات ولا إرهاق. فلم يجعل علينا رب العالمين في الدين من حرج. وفي قول لرسول الله عليه السلام “إذا أمرتكم بأمر، فأتوا منه ما استطعتم”، وفي الحديث الصحيح “سددوا وقاربوا”.
وقد أكدت هيئة كبار علماء المسلمين على هذه الوجهة الفقهية، وأجازها مجلس الإفتاء في أوروبا!
لعل من أهم الواجبات الإيمانية على المغترب، تعويد أطفاله على الصوم حسب الفتوى المستنيرة التي تساعد على صوم الصغار مع الكبار، أما فتوى الفقيه المستريح فهي محبطة، بالساعات الأطول من المعدل المعتاد في بلادنا.
وربما يغادر الصغير فكرة الصوم كلها، إن أحس بالمشقة لا يستطيعها، بخاصة في حال أن تكون البيئة العامة لا تحثه على الصوم، وبيئته المنزلية تطلب منه أكثر مما يستطيع. وإن صام الكبير ساعات أطول من صوم الطفل، فسيصبح الصوم أمام الصغير صوميْن، واحدا له وآخر لأبيه، وهذا تفصيل يشوّه ويفرّق، مثلما تُفرّق التعارضات الفقهية، بين الناس في عباداتها!