الأسود صار من الماضي.. سعوديات بعباءات ملونة

مصممات أزياء سعوديات تسعين إلى الاستفادة من الشعبية المتزايدة للعباءات النسائية الرياضية في المملكة عبر تقديم تصاميم بألوان زاهية لتحل محل العباءات السوداء التقليدية.
الخميس 2018/04/19
نساء يمارسن رياضة الجري دون أن يعبأن بالمحدقين

جدة (السعودية) - أثارت صور لرياضيات سعوديات يركضن بعباءات ملونة الشهر الماضي في مدينة جدة المطلة على البحر الأحمر، تفاعلا على مواقع التواصل الاجتماعي بين مؤيد ومعارض.

فبينما وصف البعض هذه العباءات بأنها خروج عن التقاليد التي تنص على ارتداء المرأة عباءات سوداء اللون، رأى البعض أنها تشكل دليلا على المزيد من الانفتاح الذي تشهده المملكة المحافظة.

وتشمل الإصلاحات التي باشرها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، قرار السماح للمرأة بقيادة السيارة اعتبارا من يونيو، وحضور مباريات كرة القدم، وتولي وظائف كانت في السابق حكرا على الرجال.

تندرج هذه التغيّرات في إطار “رؤية 2030” التي تهدف إلى جذب الاستثمارات الخارجية وتنويع الاقتصاد لوقف الاعتماد على النفط.

وفي مشغل بجدة، تقدم مصممة الأزياء إيمان أسعد جوهرجي مجموعة من العباءات بألوان مثل الأبيض والأخضر والبيج. وتتناسب هذه الألوان أكثر مع الحرارة الحارقة في المملكة. وتصنع المصممة هذه العباءات باستخدام أقمشة طبيعية لا تلتصق بالجسد المتعرق، مثل البوبلين الفرنسي.

وتقول جوهرجي (43 عاما) “ثمة طلب كبير على هذه العباءات”، مشيرة إلى أن توافرها بألوان مختلفة “يمنح النساء شعورا بالقوة”.

وتغطي العباءات الرياضية جسم السيدات بالكامل، لكنها توفر لهن حرية تحرك كافية خلال ممارسة الرياضة، خلافا للعباءة التقليدية الفضفاضة. وتؤكد المصممة التي بدأت بتصميم هذه العباءات وارتدائها علنا منذ العام 2007، أنها تعرضت للسخرية في البداية، ووصفت أيضا بأنها تشبه “باتمان” (الرجل الوطواط)، وتوضح قائلة “صممتها لنفسي لأنها عملية”.

النساء بمدينة جدة احتفلن باليوم العالمي للمرأة بممارسة إحدى الحريات الجديدة المتمثلة في الخروج لممارسة رياضة العدو

وتطور شكل العباءات مع تصاميم جديدة وأقمشة مختلفة وزينة. وأحدث الصيحات حاليا في عالم العباءات في السعودية “عباءات كرة القدم” التي تأتي بألوان نوادي كرة القدم المحلية. وهي طريقة جديدة لمشجعات النوادي المحلية، لإظهار ولائهن للفريق. ولكن هذا لا يعني تقبّل الجميع لهذه العباءات الجديدة.

وجاء في إحدى التغريدات على صور السعوديات وهن يرتدين عباءات رياضية “أحسبهم عمال نظافة”، فيما قالت تغريدة أخرى “الهدف ليس الرياضة، الهدف التخلي عن العباءة! كلنا نمشي ونجرى في جدة بكامل حشمتنا وعباءتنا”.

ولا تردع مثل هذه الآراء نساء مثل مروى الهادي، وهي إحدى زبائن المصممة جوهرجي في جدة، من ارتداء هذه العباءات، حيث ارتدت الهادي عباءة مع حذاء رياضي أرجواني اللون. وتشير جوهرجي إلى أن “العباءة مثل الساري الهندي، هي جزء من هويتنا”، فيما قالت هادي “لا يمكن لأحد أن يعلق على ما أرتديه”.

وفي إطار الإصلاحات، نظم سباق ماراثون للنساء للمرة الأولى الشهر الماضي، وتزامنت هذه الفعالية مع خطوات أخرى تعبر عن انفتاح اجتماعي متسارع في المملكة، حيث شاركت أربع سيدات سعوديات في أولمبياد ريو دي جانيرو  العام 2016، بعد مشاركة سابقة لسيدتين في أولمبياد لندن في 2012 للمرة الأولى في تاريخ المملكة.

وفي العام 2016، عُيّنت الأميرة ريمة بنت بندر رئيسة للإدارة النسائية للهيئة العامة للرياضة في المملكة. وتسعى السعودية أيضا إلى فرض حصص التربية البدنية على الفتيات بعد إلغاء الحظر عليها العام 2014. وفي مقابلة مع شبكة “سي.بي أس” التلفزيونية الأميركية، قال ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، إن ارتداء عباءة سوداء ليس ملزما للمرأة السعودية، بقدر التزامها الحشمة، مؤكدا أن الخيار هو للمرأة في نوع اللباس المحتشم الذي ترغب بارتدائه.

وأضاف أن قوانين الشريعة واضحة وتنص على أنه يتعين على النساء، مثل الرجال، ارتداء ملابس محتشمة ومحترمة. وأضاف أن ذلك لا يعني بالتحديد ارتداء عباءة سوداء أو غطاء رأس أسود.

ولا يوجد في السعودية قانون مكتوب يحدد زي المرأة حسب الشريعة الإسلامية لكن الشرطة والهيئة القضائية تفرضان منذ فترة طويلة زيا صارما على المرأة يحتم عليها ارتداء العباءة وتغطية رأسها وفي العديد من الحالات تغطية وجهها.

وتشهد المملكة مناخا جديدا في ما يتعلق بالحريات الاجتماعية مع صعود ولي العهد السعودي البالغ من العمر 32 عاما إلى السلطة بعد سنوات طويلة كان حكام المملكة فيها من كبار السن.

وبدأت النساء السعوديات بارتداء عباءات ملونة في السنوات الأخيرة لتظهر بعد ذلك ألوان مثل الأزرق الفاتح والوردي بدلا من الأسود المعتاد. كما تزايد انتشار ارتداء العباءة المفتوحة على تنورة طويلة أو سروال من الجينز في بعض أنحاء البلاد.

وفي الثامن من مارس الماضي احتفلت مجموعة من النساء بمدينة جدة السعودية باليوم العالمي للمرأة بممارسة إحدى الحريات الجديدة المتمثلة بحقهن في الخروج لممارسة رياضة الجري دون أن يعبأن بالمحدقين.

أحدث الصيحات في عالم العباءات في السعودية
أحدث الصيحات في عالم العباءات في السعودية

وكان الشيخ أحمد بن قاسم الغامدي، الذي شغل في السابق منصب المدير العام لفرع هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في مدينة مكة، قد أكد لقناة “العربية” أن الأسود ليس اللون الوحيد المقبول للعباءات في الإسلام.

وقال “المقصود بالعباءة أن تكون المرأة محتشمة ولا يشترط أن تكون سوداء”.

ومن جانبه قال الشيخ عبدالله المطلق، العضو البارز في هيئة كبار العلماء بالسعودية، إن المرأة ليست ملزمة بارتداء العباءة تحديدا ما دامت تستر نفسها بملابس محتشمة، في إشارة جديدة إلى مساعي المملكة نحو التحديث.

وأضاف أن “أكثر من 90 بالمئة من المسلمات الملتزمات في العالم الإسلامي لا يرتدين عباءات.. ولا يعرفن العباءات ونحن نراهن في مكة والمدينة، نساء ما شاء الله ملتزمات من حفظة القرآن ومن الداعيات إلى الله، لكن ما عندهن عباءات”.

ودعا عبدالله المطلق قائلا “لهذا أحبتي في الله، لا نلزم الناس بالعباءات.. إذا سترت المرأة نفسها بعباءة أو بغير ذلك.. فالمقصود الستر”.

واعتبر هذا التصريح الأول من نوعه الذي يصدر عن رجل دين بارز في المملكة، ويتسق أيضا مع نمط ظهر في الآونة الأخيرة يدعو إلى توسيع نطاق الحريات في السعودية بالتزامن مع صعود ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.

21