الانتخابات البلدية تكشف نواقص عملية الانتقال الديمقراطي في تونس

تونس – تعيد معركة الانتخابات البلدية المزمع إجراؤها في 6 مايو المقبل الحديث عن عدة فرضيات وسيناريوهات حول ملامح وخارطة المشهد السياسي في تونس بعد صدور نتائج هذا الاستحقاق المرتقب والذي يعتبره كثيرون مقياسا لمعرفة حجم كل حزب قبل الدخول في استحقاقات أخرى أهم وهي الانتخابات التشريعية والرئاسية في العام 2019.
وبالموازاة مع فتح الهيئة العليا المستقلة للانتخابات باب الترشح للانتخابات البلدية التي ستتوج بعد إجرائها بضرورة إفراز 1160 مقعدا بلديا بـ24 محافظة تونسية، تؤكّد المؤشرات الأولى أنّ جل الأحزاب بما فيها حزب نداء تونس الشريك في الائتلاف الحاكم، غير جاهزة لمنافسة حركة النهضة التي وفّرت لنفسها كل الممهدات لخوض الاستحقاق الانتخابي بقائماتها الحزبية أو المستقلة وفي كل الدوائر البلدية في مختلف مناطق البلاد.
وفي ظل عجز وعدم جهوزية بقية الأحزاب وخصوصا نداء تونس والجبهة الشعبية (تجمع أحزاب يسارية) والاتحاد المدني، المتكون من 11 حزبا تقدميا، للترشح في كل الدوائر البلدية، حذّر العديد من المراقبين والسياسيين في البلاد من الخطر المحدق بالديمقراطية التونسية الناشئة التي قد تصطدم مجدّدا بتغوّل حركة النهضة على المشهد السياسي، وهو ما سيُفسد الحياة السياسية ويهدّد المسار الديمقراطي برمّته.
وانطلقت صفارات الإنذار من إمكانية تربّع النهضة واكتساحها للمشهد السياسي في تونس لا من خصومها التقليدين بل من أحد قيادييها السابقين وهو رياض الشعيبي، الذي استقال منها في العام 2013 وأسس حزب البناء، بقوله “حركة النهضة ستنجح في تغطية 90 بالمئة من الدوائر الانتخابية في حين قد لا يتجاوز نداء تونس نصف الدوائر وقد تغطي كل الأحزاب الأخرى والائتلافات الحزبية والقائمات المستقلة بدورها نصف عدد الدوائر”. وحذّر الشعيبي مما يمكن أن تحققه حركة النهضة نتيجة ضعف الأحزاب المنافسة بشكل سيجعل عملية الانتقال الديمقراطي في أزمة عميقة.
أكبر أحزاب المعارضة في البلاد تدخل الاستحقاق البلدي بخطوات غير واثقة وغير مراهنة بجدية على منافسة حركة النهضة أو نداء تونس في هذا المعترك السياسي الجديد بسبب عدم تمكنهما من ترشيح قائمات انتخابية في كل الدوائر البلدية
ورجّح الكثير من الملاحظين أن تسبق بقية الأحزاب، مرجعين ذلك إلى عدة عوامل منطقية أولها ضعف خصومها وخاصة حركة نداء تونس التي تمر بمرحلة وهن وضعف واختلافات داخلية رغم أن كل عمليات سبر الآراء منذ العام 2014 تمنحها الأسبقية على الجميع في نوايا التصويت.
وثبتت الأزمة الداخلية لحزب نداء تونس في علاقة بتشكيل القائمات الانتخابية إثر الاستقالة الجماعية لتنسيقية الحزب بمحافظة صفاقس، وسط شرق البلاد، واتهامها في بيان رسمي لعدد من القيادات وفي مقدمتهم المدير التنفيذي للحزب حافظ قائد السبسي والقيادي محسن حسن بالتعامل والمراهنة في الانتخابات على “مرتزقة ووجوه تجمعية انتهازية (سليلة نظام زين العابدين بن علي) لا تبرز إلا في المحطات الانتخابية بغاية التموقع”.
وقال محسن حسن، القيادي بحزب نداء تونس والمسؤول عن دائرتي محافظة صفاقس 1 و2 لـ”العرب”، إن “الحزب لن يخضع لمثل هذه الضغوط رغم وجود بعض الخلافات حول ترشّح بعض الأسماء للانتخابات البلدية”. واتهم حسن أطرافا سياسية لم يسمّها بمحاولة إرباك قواعد حزب نداء تونس وقواعده عبر تحريض بعضهم على عدم الترشّح ضمن قائماته.
وعلى عكس المؤشرات الأولية والميدانية التي تؤكّد عدم جهوزية حزب نداء تونس مقارنة بحركة النهضة، قال محسن حسن “الفيصل بيننا وبين كل الخصوم هو نتائج الانتخابات، فلا خوف على مستقبل الديمقراطية”، داعيا أحزاب المعارضة إلى الكف عن تسويق خطاب انهزامي بلا دلائل من قبيل اتهام نداء تونس بتوظيف وزراء أو مسؤولين سامين في الحكومة أو رئاسة الجمهورية للفوز في الاستحقاق الانتخابي. وتزامنا مع أزمة نداء تونس، تدخل أكبر أحزاب المعارضة في البلاد وعلى رأسها الجبهة الشعبية والاتحاد المدني الاستحقاق البلدي بخطوات غير واثقة وغير مراهنة بجدية على منافسة حركة النهضة أو نداء تونس في هذا المعترك السياسي الجديد بسبب عدم تمكنهما من ترشيح قائمات انتخابية في كل الدوائر البلدية.
وتؤشر عدم جهوزية أحزاب المعارضة للموعد الانتخابي المرتقب وفق الكثير من المتابعين بالبلاد إلى فرضيتين، إما تغول النداء والنهضة مرة أخرى على المشهد السياسي وإما انفراد أحدهما والأقرب إلى ذلك حركة النهضة بالساحة السياسية، وهو ما سيزيد في تضييق أفق المسار الديمقراطي بالبلاد.
وقال الطاهر بن حسين، رئيس حزب المستقبل (حزب منتمي للاتحاد المدني) لـ”العرب” إن “مشاركتنا في الانتخابات البلدية ستكون رمزية عبر تركيزنا على دوائر انتخابية معيّنة”، مشيرا إلى أن كل الأحزاب المكونة للاتحاد المدني تكاد تكون اتفقت بشكل شبه نهائي على الأسماء والقائمات التي ستترشح للمنافسة في الانتخابات.
وأرجع بن حسين عدم القدرة على منافسة حركة النهضة للعديد من العوامل ومن أهمها ضعف الأحزاب وعدم امتلاكها لأموال ضخمة كالنهضة، متهما حزبي الحكم بالانطلاق في اقتراف العديد من التجاوزات ومنها توظيف المسؤولين السامين في الجهات أو الوزراء للفوز في الانتخابات البلدية.
وتعيش الجبهة الشعبية تقريبا نفس الصعوبات لعجزها وعدم قدرتها على دخول الانتخابات في كل الدوائر الممكنة. وقال زهير حمدي، القيادي بالجبهة الشعبية والأمين العام لحزب تيار الشعب (قومي)، لـ”العرب”، إن الجبهة تقدّمت في إعداد قائماتها الانتخابية، مرجعا صعوبة تمكنها من حسم مسألة الترشحات إلى اختلاف مكونات الجبهة التي تعتبر ائتلافا حزبيا وليست حزبا موحّدا.
سياسيون يرون أن القانون الانتخابي يتضمن العديد من النواقص والتعقيدات التي صعّبت عمليات تشكيل القائمات الانتخابية بالنسبة لكل الأحزاب
وشدّد زهير حمدي على أن المسار الديمقراطي في تونس ليس مهددا فقط بسبب إمكانية تغول النهضة على المشهد بل هو مهدّد أيضا من عودة سيطرة اليمين الديني واليمين الليبرالي (نداء تونس) مما سيزيد من إفساد المشهد السياسي عبر التداخل السافر بين الحزب والدولة.
وقبل شهرين من البدء الفعلي للحملات الانتخابية التي ستنطلق وفق روزنامة هيئة الانتخابات في 15 أبريل القادم، رجّح مراقبون انقسام المشهد خلال الحملات إلى شقين، أولهما إمكانية عودة الاستقطاب الثنائي بين نداء تونس والنهضة وثانيهما بناء أحزاب المعارضة برامجها الانتخابية على لعب ورقة كشف إخفاقات حركة النهضة منذ مشاركتها في الحكم بعد ثورة يناير 2011.
وعلّق عبدالحميد الجلاصي، القيادي بحركة النهضة لـ”العرب”، على كل الاتهامات الموجهة لحركته وعلى كل المخاوف من عودة تغوّلها، قائلا “النهضة قد تجد نفسها في طريق مفتوح ومريح لخوض الانتخابات البلدية ليس بسبب تمترسها أو نتيجة ما تُتهم به بل بسبب ضعف الأحزاب المنافسة لها”.
ووصف الجلاصي الأحزاب المنافسة لحزبه في الانتخابية البلدية بأحزاب المناسبات داعيا إياها إلى المزيد من العمل والمثابرة لأن عدم التوازن السياسي لا يخدم أي طرف في البلاد.
وأكد القيادي بحركة النهضة أن القانون الانتخابي يتضمن العديد من النواقص والتعقيدات التي صعّبت عمليات تشكيل القائمات الانتخابية بالنسبة لكل الأحزاب وخاصة المنافسة سياسيا وأيديولوجيا لحركة النهضة.