تسابق الأحزاب التونسية على المبدعين.. توظيف أم إيمان بالثقافة

تونس - عاشت الساحة السياسية مؤخرا على وقع حركية سياسية وضعت في مقدمة أولوياتها المراهنة على استقطاب الوجوه الثقافية وكل ذلك تُرجم على أرض الواقع عبر نجاح بعض الأحزاب الحاكمة أو المعارضة في ضمّ بعض هذه الوجوه على غرار حزب نداء تونس الذي تمكن من إلحاق كل من وزير الثقافة محمد زين العابدين والفنانين مقداد السهيلي (رئيس نقابة الفنانين في تونس) وفيصل الرياحي (مطرب).
بدوره أعلن حزب التيار الديمقراطي، أشد أحزاب المعارضة في تونس، عن التحاق الفنان المسرحي والمطرب منير الطرودي بهياكله، كما أكّدت من قبله أحزاب أخرى على غرار حركة مشروع تونس ضمّ بعض الوجوه الفنية ومنها مفكرون ورسامون ورياضيون.
ويتساءل الكثير من المراقبين في تونس عن دواعي تكرّر تزامن هرولة الأحزاب السياسية لضم وجوه ثقافية إلى هياكلها مع الاستحقاقات الانتخابية، مُرجعين هذا التسابق إلى محاولات توظيف بعض الفاعلين في الشأن الثقافي لغايات انتخابية ضيّقة ومرحلية وليس لإيمان الأحزاب بالثقافة والمثقفين خصوصا أن الميزانيات التي رصدتها الدولة للشؤون الثقافية منذ اندلاع ثورة يناير 2011 لم تتجاوز أبدا نسبة 1 بالمئة من مجموع الموازنة العامة لكل عام.
وقال خميّس الخياطي، مُثقف وناقد سينمائي تونسي، لـ”العرب” “أعتقد أنه ليس من حق المثقّف أو الفنان التنظّم في أي حزب سياسي مهما كانت مرجعيته، لكن من حقّه تبني الأيديولوجيا التي يريد”.
وأضاف الخيّاطي “أعتقد أن هرولة الأحزاب للتبجّح بضمّ بعض الوجوه الثقافية إليها تدخل في خانة محاولات توظيفها سياسيا واستغلال رصيدها الشعبي وليست نابعة من اعتقادها الراسخ في الأدوار التي يمكن أن يلعبها المثقف أو المفكر أو المبدع في الارتقاء بالذوق العام أو المساهمة في تنوير العقول”.
وتساءل الناقد السينمائي عن البرامج الثقافية للأحزاب السياسية قائلا “لا يوجد أي حزب بالبلاد له برامج وتصورات واضحة في علاقة بالثقافة، فهل يمتلك نداء تونس الحزب الحاكم برنامجا ثقافيا؟ لا أعتقد ذلك”.
ودعا الخياطي كل المُثقّفين والمبدعين إلى النأي بأنفسهم عن الأحزاب لأن أي انتماء حزبي سيؤثر على الممارسة الإبداعية اليومية التي قد تصبح متشابكة وحبيسة الأيديولوجيا الحزبية بحسب قوله.
ولا يعتبر بعض الملاحظين تصاعد وتيرة موجة استقطاب المبدعين للأحزاب السياسية بدعة أو سابقة في تونس باعتبار أن بعض الأحزاب سبق لها أن راهنت على بعض الوجوه الثقافية للفوز في معارك انتخابية وفي مقدمتها نداء تونس في العام 2014 أو النهضة الإسلامية التي حاولت جاهدة استجلاب بعض الفنانين عبر تنظيم لقاءات دورية لهم مع رئيس الحركة راشد الغنوشي ولكنها فشلت في ذلك.
وتثير هرولة بعض المبدعين للتنظّم الحزبي جدلا جديدا في تونس حول ما اتّهم به البعض منهم في عهد زين العابدين بن علي بالولاء والاصطفاف إلى جانب النظام دون لعب الدور المطلوب المناط بعهدة المثقف أو المبدع أو المفكّر.
وقال الفنان منير الطرودي (التحق حديثا بحزب التيار الديمقراطي الذي يتزعمه محمد عبو) لـ”العرب” إنه فضّل الانتماء إلى حزب التيار الديمقراطي بصفته مواطنا وليس بصفته مبدعا وفنانا.
وأكد الطرودي أن قناعته بأن حزب التيار الديمقراطي يمثّل صوت الثورة أجبرته على الالتحاق به، مشيرا إلى أنه سيُحاول عبر خطوته الجديدة الدفاع عن قضايا الفنانين والمبدعين والمفكرين عبر المساهمة في إدماج برامج سياسية واضحة تُولي النخب التونسية أهمية.
وبرّر الطرودي التحاقه بحزب التيار الديمقراطي بضبابية الوضع الذي تعيش على وقعه البلاد على جميع المستويات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، نافيا أن يؤثر تحزّبه على ممارساته الإبداعية أو أن يجعله مقيّدا وخادما ومنفذا لمرجعيات الحزب الفكرية.
وأكّد أن فشل الدولة والأحزاب في وضع برامج وتصورات لتطوير الثقافة كان من بين الأسباب التي ساهمت في اتخاذه خطوة التحزّب، معللا ذلك بضعف الميزانيات التي ترصدها الدولة لتحفيز المبدعين أو للنهوض بالفعل الثقافي الموكلة إليه مهام نبيلة في مقدمتها تطوير الشعوب.
من زاوية أخرى اعتبر مراقبون أنّ انخراط المبدعين في العمل السياسي يعدّ من أهم المحركات المشجّعة للرأي العام على المشاركة في الحياة العامة خصوصا أنه كان للمفكرين والمبدعين والمسرحيين دور طلائعي عام 2011 في إسقاط نظام زين العابدين بن علي عقب تنظيمهم لبعض الوقفات الاحتجاجية قبيل سقوط النظام وتحديدا في 12 يناير 2011.
وقال الباحث والمفكّر التونسي يوسف الصديق، الذي اتهم مؤخرا بالانتماء إلى حزب البديل التونسي الذي يتزعمه رئيس الحكومة الأسبق مهدي جمعة، لـ”العرب” إنه يعارض فكرة أن يكون المثقف أو المفكّر منتميا إلى أي حزب سياسي مهما كانت مرجعيته لأن ذلك سيجعله وجوبا حبيس الأيديولوجيا الحزبية الضيقة التي تحرمه من حرية التفكير أو الإدلاء بمواقفه.
وتساءل الصدّيق عن هوامش الحرية التي يتمتع بها المبدع عندما يكون متحزّبا، مشيرا إلى أن الانضباط الحزبي سيكبله بجملة من الأغلال التي ستحصره في زاوية ضيّقة تحرمه من التفكير بكل حرية، حسب قوله.
وشدّد يوسف الصديق على أن الثقافة والسياسة تتكاملان في الكثير من المجالات، موضحا أنه لا يرفض دعوات بعض الأحزاب لمناقشة بعض المواضيع والمسائل الفكرية الشائكة لكن بحذر شديد وتأن كبير قبل قبول الدعوة وذلك بعد تمحّص فحواها ومضامينها، وفق قوله.
وتتقلد بعض الوجوه الثقافية في تونس بعض المناصب الهامة في أجهزة الدولة نتيجة الانخراط في العمل الحزبي ومنها وزير الثقافة الحالي محمد زين العابدين المنتمي إلى حزب نداء تونس وعلي بنور (ممثل مسرحي وسينمائي) بعد أن التحق بحزب آفاق تونس عام 2014 وفاز معه بمقعد في مجلس نواب الشعب.