باكستان تعجز عن مواجهة احتجاجات المتشددين المتصاعدة

إسلام آباد – ساد التوتر الأحد باكستان غداة تفريق قوات الأمن لاعتصام الآلاف من المتشددين الإسلاميين على أبواب إسلام آباد حيث أسفرت المواجهات عن سقوط ستة قتلى وأكثر من مئة جريح.
ولم تستطع قوات الأمن التصدي لأعمال العنف التي يمارسها أنصار جماعة “لبيك يا رسول الله” المتشددة وسط العاصمة مما دفع الحكومة إلى استدعاء الجيش للمشاركة في عملية استتباب الأمن.
وقال شهود عيان لوكالة رويترز إنهم لم يروا أي قوات عسكرية في المنطقة المحيطة بمخيم الاعتصام في فيض آباد على مشارف العاصمة، فيما لم يرّد المركز الصحافي للجيش على أسئلة عن الأمر الذي أصدرته الحكومة.
ويرى مراقبون أن عدم تدخل الجيش للمشاركة في استباب الأمن رغم صدور أوامر حكومية بذلك، يحمل العديد من التأويلات لعل أبرزها وجود بوادر انقلاب عسكري على حكومة حزب الرابطة الإسلامية الباكستانية بقيادة شاهد خاقان عباسي.
|
وتأتي هذه الأزمة في أوقات صعبة للسلطة المدنية، بعد أشهر على سقوط رئيس الوزراء نواز شريف بتهم فساد وقبل أشهر من انتخابات تشريعية تبدو نتائجها غير واضحة.
وتواجه الحكومة التي يقودها شاهد خاقان عباسي المنتمية الى جناح نواز شريف، منذ أيام، انتقادات بسبب سوء إدارتها للأزمة وبطئها في معالجتها اللذين اعتبرا مؤشرا على ضعفها في مواجهة الحركات المتطرفة التي تشهد ازدهارا.
وللحزب الحاكم تاريخ مضطرب مع الجيش الذي قام عام 1999 بانقلاب للإطاحة بنواز شريف خلال ولاية سابقة له. وقال مايكل كوغلمان من معهد ويلسن سنتر في واشنطن لوكالة الصحافة الفرنسية إن “هذه التظاهرة قضية جدية ويجب عدم السماح باستغلالها من قبل هؤلاء القلة”.
وأفادت الشرطة في كراتشي بأن نحو مئتي متظاهر أغلقوا شارعا رئيسيا وميناء في الجنوب، فيما أفاد أطباء بأن تسعة أشخاص على الأقل أصيبوا، ثلاثة منهم بالرصاص.
وأغلقت الأسواق في المدينة التي تعد قلب باكستان التجاري حيث التزم السكان بالبقاء في منازلهم فيما دعا رجال دين إلى المزيد من التظاهرات.
وقال وزير الداخلية إحسان إقبال لقناة “بي تي في” الرسمية “جربنا كل الطرق السلمية ولكن في حال لم توافق المجموعة على فض اعتصامها فعلى الحكومة استخدام القوة”.
ومع امتداد المواجهات، طلب قائد الجيش الباكستاني من رئيس الوزراء شهيد خاقان عباسي حل الوضع سلميا، حسبما قال الناطق باسم الجيش العميد آصف غفور في تغريدة على تويتر. ودعا الجنرال قمر جاويد باجوا الجانبين إلى تجنب العنف “لأنه ليس من المصلحة الوطنية”.
ويخشى عادة من أي تدخل للجيش في باكستان التي شهدت انقلابات عدة وحكمها الجنرالات لنحو نصف تاريخها الممتد 70 عاما. وأغلق أتباع الحركة المتشددة الطريق الرئيسي المؤدي إلى العاصمة منذ أسبوعين، متهمين وزير القانون بالتجديف بسبب تعديل في صياغة قانون الانتخابات ويطالبون بإقالته واعتقاله.
|
وقال إعجاز أشرفي المتحدث باسم الحركة “نحن آلاف لن نرحل وسنقاتل حتى النهاية”.
وتعد الحركة التي يقودها رجل الدين كاظم حسين رضوي إحدى حركتين سياسيتين متشددتين صعد نجمهما على الساحة في الأشهر القليلة الماضية.
وحققت الحركة التي تدافع عن قوانين التجديف الصارمة في البلاد نتيجة مفاجئة في الانتخابات إذ حصلت على 6 بالمئة من الأصوات في عمليتين انتخابيتين فرعيتين أجريتا في الآونة الأخيرة.
ورغم أن فوز الأحزاب الإسلامية بالأغلبية غير مرجح، فإنها قد تلعب دورا بارزا في انتخابات صيف العام المقبل.
وينتمي المتظاهرون إلى الطائفة البريلوية المرتبطة بالصوفية. ورغم النظرة السائدة بأن الطائفة معتدلة إلا أن إعدام ممتاز قدري، وهو أحد أفرادها، عام 2016 بعدما اغتال محافظ البنجاب الليبرالي سلمان تيسير بسبب موقف الأخير من قوانين التجديف في البلاد، دفع المنتمين للمجموعة إلى اتخاذ مواقف متشددة إزاء أي محاولة لإصلاح القانون.
وقال المحلل السياسي امتياز غول إن “المماطلة لأسباب سياسية لها كلفتها وهذا ما تدفع الحكومة ثمنه حاليا”، مضيفا أن الوضع “قابل للانفجار”، في حين أكد متابعون أن الحكومة تركت قضية صغيرة تتفاقم لتتحول إلى وضع يحمل مخاطر.
وبدأ أتباع الحركة اعتصامهم بعدما أدخلت الحكومة تعديلا على القسم الذي يتعين على مرشحي الانتخابات تأديته، حيث كان التغيير طفيفا وتم التراجع عنه واعتبرته مجرد خطأ، الأمر الذي لم يرض الجماعة التي تطالب باستقالة وزير العدل زاهد حميد علي واعتقاله.
ويتمحور التغيير الذي قال حميد علي إنه خطأ كتابي، حول إزالة الإشارة إلى النبي محمد بأنه خاتم أنبياء الله، وهو ما تؤمن به أغلبية المسلمين في باكستان. وقال زعيم الحركة المتشددة رضوي أمام حشد من أنصاره “لا مفاوضات حتى عزل زاهد حميد”، مؤكدا أنه مستعد ”للموت حماية لشرف الرسول”.
وردا على هذه المطالب، بث الوزير مقطع فيديو مصورا يقول فيه إنه “مسلم حقا يؤمن بأن محمدا هو خاتم الأنبياء”، ولكن دون جدوى.