رضا التليلي: وجدت السينما لأن العالم ليس كاملا

أصبحت السينما أكثر الفنون قدرة على التغيير لما لها من وقع ومن شمولية. وبعد موجات التحرر التي شهدتها المنطقة العربية برز العديد من المخرجين والفنانين السينمائيين، مقدمين منتجا سينمائيا مختلفا أكثر التصاقا بهموم شعوبهم، خاصة في تونس. وللاطلاع على عوالم السينما التونسية تلتقي “العرب” بالمبدع والمخرج السينمائي التونسي رضا التليلي في هذا الحوار.
الثلاثاء 2017/11/21
الطريق أهم من نقطة الوصول

ولد المخرج السينمائي رضا التليلي في قرية صغيرة في جنوب تونس تسمى “باطن العقعاق”، وفتح عينيه على جبال صفراء تسمى جبال ماجورة، وكان والداه أميين يجهلان القراءة والكتابة، لكنهما أصرا على أن يواصل ابنهما تعليمه رغم الظروف القاسية، ليلتحق في مرحلته الجامعية بمدرسة السينما، حيث درس الإخراج ثم بعدها درس الإنتاج.

يقول التليلي “بما أن العمل في ميدان السينما كان مغلقا في وجوهنا، حيث كان الدعم الذي تمنحه الدولة للأفلام مقتصرا على المقربين من السلطة أو المنحدرين من عائلات ثرية، لم يكن هناك مكان لمن هم مثلي في هذه المنظومة الإنتاجية العائلية، والتي كانت أشبه بغرفة بجدران مغلقة. قررنا إنجاز أفلام قصيرة بشكل مستقل، ودعونا السينمائيين المؤمنين بهذه الفكرة لمساعدتنا، أنجزت ثلاثة أفلام قصيرة بميزانية محدودة جدا، حيث كان الممثلون والتقنيون متطوعين للعمل مجانا”.

روايات أخرى

يضيف التليلي “بعد الثورة أنجزت أربعة أفلام وثائقية طويلة بشكل مستقل، وكلها تتناول ظل الثورة التونسية، وهي: فيلم “ثورة غير درج” عن أول مجموعة فنية لفن الشارع والغرافيتي في تونس ما بعد الثورة وهي مجموعة أهل الكهف الفنية، وفيلم “جهة” الذي يتتبع البدو في ترحالهم وتعلقهم بالحرية والتمرد، من خلال الأهازيج والرقصات والخرافات التي يروونها، ثم فيلم “المراقبة والمعاقبة” الذي يبحث في العلاقة المتأزمة بين السلطة المركزية في العاصمة التونسية والمدن التونسية المنتفضة دائما، وآخر فيلم والذي قدمت عرضه العالمي الأول في شهر نوفمبر في مهرجان ذوك لايبزيغ بألمانيا بعنوان “تنسى كأنك لم تكن”، عن المحاكمات والملاحقات التي يتعرض لها الشبان الذين قاموا بالفعل الثوري سنة 2011، وكيف أن الحلم بوطن عادل تتكافأ فيه الفرص بين كل الجهات والأشخاص لا يزال حيا لدى الشباب التونسي حتى وإن حاولوا سرقته بشتى الطرق”.

الدولة لا تساير الطفرة التي يعرفها مجال السينما في تونس، فأفلام كثيرة لا يراها الجمهور لنقص فضاءات العرض

وعن سؤالنا حول رؤيته إلى السينما والمشروع الذي يشتغل عليه في مختلف أعماله، يجيبنا رضا التليلي بأن “السينما وجدت لأن العالم ليس كاملا، كالبحيرة في الصباح ساكنة، أرمي حجارة فتتشكل دائرة حول المركز ومن ثم تتشكل أخرى. هذا ملخص السينما التي أفعلها، حيث الطريق أهم من نقطة الوصول وتصير الكتابة عندي أشبه بالمشي فوق الأشواك، إنها تؤلم ولكني لا أستطيع التوقف لأن قصصا كثيرة منسية لم تحكى، لأن الشباب في بلدي ينامون مثخنين بالغضب، لأن حلمهم سرق وصوتهم غير مسموع أريد أن أمنحهم الميكروفون، أن أعطيهم ملامح بدل الأذرع. أريد أن أترك رسالة حب للجيل الذي سيأتي من بعدي، أن أراكم الصور لمن يريدون رواية أخرى مختلفة لما حدث وما سيحدث، ليست بالضرورة روايتي أنا بل رواية المنسيين والمهمشين الذين فهموا أن العدالة تسير معصوبة العينين عمياء ظالمة”.

نواصل حديثنا مع ضيفنا لنتطرق إلى المنطلقات والمرتكزات التي يعتمدها والفلسفة الجمالية التي يتوخاها، ليجيبنا قائلا “من قصص الـ‘نحن‘ أنطلق، العالم عبارة عن روايات، حيث لشيء واحد توجد روايات كثيرة، من هذا المنطلق فإنه لا وجود للحقيقة المطلقة الثابتة. تصور العالم على هذه الشاكلة يجعل من الفشل والتجريب حرية حيث في كل مرة ستعيد المحاولة من جديد وتجرب من جديد بحثا عن نقطة ثابتة”.

وعن إنتاجه الفني الجديد “تنسى كأنك لم تكن” يعلمنا التليلي بأن فيلمه دام تصويره ثلاث سنوات في محافظة سيدي بوزيد التونسية، حيث تابع خلال الفيلم أربعة شبان في حياتهم اليومية، لينقل صورة عن صراعهم مع عدم تكافؤ الفرص، والتضييق، والحلم الذي لا يموت لديهم بوجود غد أفضل في تونس، تسود فيه الحرية والعدالة.

كان العرض الأول للفيلم عالميا وخارج تونس، حيث كان ضمن مهرجان دوك لايبزيغ في شهر نوفمبر، وللفيلم عروض أخرى في مهرجانات عالمية، وهو الفيلم الرابع في سلسلة تتناول تداعيات ما حدث في تونس سنة 2011 بعد سقوط الدكتاتورية.

رضا التليلي: كالبحيرة في الصباح ساكنة، أرمي حجرا فتتشكل دوائر حول المركز واحدة فأخرى، هذا ملخص السينما التي أفعلها

وعن عدم مشاركة الفيلم في أيام قرطاج السينمائية في دورتها الماضية يقول التليلي “يبدو أن الفيلم لم ينل رضا لجنة اختيار الأفلام، نفس الشيء حصل مع كل الأفلام السابقة التي أنجزتها، لم يحض أي منها بالقبول في مسابقات أيام قرطاج السينمائية”.

ثم يضيف المخرج “عندما تكون عضوا في لجنة تحكيم تفهم لاحقا أن الاختيار لا يقلل من قيمة الفيلم، إذ هو نتاج توافق الأفراد، ولكن ما هو غير مفهوم في أيام قرطاج السينمائية لهذا العام أنهم ساهموا في تمويل الفيلم من سنتين، وأمضوا معي عقدا بضرورة عرضه في أيام قرطاج السينمائية قبل أي مهرجان آخر عربي أو أفريقي، مما حتم علي عدم إرسال الفيلم لأي مهرجان آخر عربي، بعد ذلك رفضوا عرض الفيلم. لا يوجد تفسير آخر: أنا زائد على هذا المهرجان”.

السينما التونسية

عن السينما التونسية يؤكد التليلي أن تونس عرفت السينما منذ بدايتها مع الإخوة لوميار، ثم الأفلام التي أنتجها شمامة الشكيلي في فترة الاستعمار الفرنسي، وصولا إلى الكم الهائل من الأفلام الأجنبية التي صورت في تونس منذ الستينات، وهذا الانفتاح سمح بوجود تقنيين تونسيين لديهم مستوى عال جدا في كل الميادين التقنية.

ويضيف التليلي في نفس السياق “اليوم توجد في تونس 12 قاعة سينما، وهو عدد ضئيل مقارنة بعدد السكان الذي تجاوز 12 مليون نسمة. لا يوجد مشروع ملموس لتطوير البنية التحتية وتشييد قاعات سينما ذات مواصفات عالمية. الحقيقة أن الدولة لا تساير الطفرة التي يعرفها مجال السينما في تونس، والعدد المحترم من الأفلام المنتجة كل سنة، أفلام كثيرة لا يراها الجمهور التونسي لأنه لا توجد فضاءات عرض”.

كما يوجه التليلي دعوة للهياكل المختصة ويحثها على التفكير في الفضاء العام بشكل مختلف، “أن يكون ملكا للمواطنين والفنانين وليس كما هو الآن، حيث يمنع الموسيقيون من الغناء في الشارع والسينمائيون من التصوير، لقد عدنا إلى نقطة خلنا أنفسنا تجاوزناها، نحتاج أن نثق ببعضنا أكثر”.

وعن رأيه في السياسة الثقافية يقر التليلي “جميعنا معني ببناء ثقافة مشعة ومنفتحة على الآخر، مواطنين وفنانين وكتابا، حين تتكاتف كل هذه الجهود وتكثر الإنتاجات يتوجب على الدولة فهم روح هذا العصر الذي نحن فيه. كما عليها منح الفرص للجميع، فهل يعقل أن كل شيء متركز في العاصمة فقط، يجب وضع سياسة ثقافية تتيح الفرصة لكل المناطق التي ظلت لسنوات مهمشة. في السينما نحن سعداء بوجود مركز وطني للسينما منذ ست سنوات وأيضا بإنشاء المكتبة السينمائية هذا العام، في المقابل لسنا على ثقة بأن هذه المؤسسات لن تتحول إلى أداة لمعاقبة السينمائيين المستقلين، أو حبال تلف حول المبدعين”.

15