محمد عبدالعزيز: الدراما السورية تفتقد آليات الصناعة المتطورة

دمشق – لم يدرس المخرج السوري محمد عبدالعزيز فن السينما في المعاهد العليا، كما هو حال العديد من السينمائيين السوريين من مختلف الأجيال، لكنه مع الموهبة الكبيرة التي يمتلكها والعمل المبكر في مجال الإخراج التلفزيوني والسينمائي، امتلك ناصية الإبداع المتفرد، وأخرج العديد من الأفلام القصيرة للعديد من المنظمات العالمية المختلفة.
وفي فيلمه "نصف ملغ نيكوتين" قدّ لغة شاعرية سينمائية عالية المستوى، تعتمد أسلوب الدلالة والرمز، كي تصل إلى تشكيل بصري محدّد، الأمر الذي اتبعه أيضا في فيلمه "الرابعة بتوقيت الفردوس" والذي يعتبره العديد من نقاد السينما السوريين والعرب، نقطة انعطاف هامة في إنتاجات المؤسسة العامة للسينما خاصة والسينما السورية عموما، ثم يأتي فيلم "حرائق" الذي أنتج مؤخرا، واستطاع من خلاله تحقيق جائزة أفضل فيلم متكامل في مهرجان روتردام للفيلم العربي.
وقريبا جدا، يقدم عبدالعزيز أول أعماله في الدراما التلفزيونية من خلال مسلسل "ترجمان الأشواق" الذي سيعرض في موسم رمضان القادم، وهنا تسأله "العرب" عن "حرائق" بمناسبة فوزه بالجائزة الآنفة الذكر، وكيف ينظر إلى مسألة الجوائز كمخرج أولا، وكحضور لإنتاجات السينما السورية ثانيا، تحديدا في هذه المرحلة الصعبة من حياة هذا الوطن؟
الأفلام التي يشتغل عليها عبدالعزيز منذ بداياته نابعة من قاع المجتمع السوري المأزوم والمنغلق على ذاته وأمراضه
فيجيب "أعتقد أن أهميتها تكمن في كونها وجدت في أحلك الظروف، فعندما تصنع فيلما ويدخل المنافسة بموازاة أفلام من دول لها تاريخ وإرث في الصناعة السينمائية ويعمل سينمائيوها في مناخ أفضل وأرحب، ويحوز الفيلم السوري على الجوائز والإطراء النقدي والجماهيري، فهذا يعني أننا كسينمائيين سوريين نتلمس طريقنا نحو السينما المنشودة.. سينما الإنسان وعدالة الصورة".
يقول المخرج السوري محمد عبدالعزيز عن السمة الشاعرية التي تميز أفلامه، رغم قسوة المضامين التي تقدمها "الأفلام التي أشتغل عليها منذ البدايات كانت نابعة من القاع لمجتمعاتنا المأزومة والمنغلقة على ذاتها وأمراضها وتقصيرها في امتلاك صوتها الخاص، بسبب مصادرة كل تطلعاتها نحو العدالة والمساواة والعصرنة، إن أي سينما حقيقية تتغاضى عن أزمات محيطها، فهي بلا شك سينما مزيفة، لذا، إن مشروعية الفيلم تنبع ليس من التقنيات والصورة المبهرة وبناء الحبكة وامتلاك أدوات الحرفة، بل تكمن تماما في التصاقها بواقعها اليومي وتقديمه عبر الشاشة بنزاهة ونبل".
وعن رأيه في حال السينما السورية الراهن، تساوقا مع الدراما التلفزيونية يقول "أعتقد أن المشاكل والاستعصاء في المشهدين الدرامي والسينمائي هو ذاته، ويأتي على رأس هذه المشاكل غياب آليات الصناعة بكل مفرداتها البنيوية، وغياب تقاليد العمل البديهية إلى سلسلة طويلة من العقد والمشكلات التي لا يتسع المكان هنا لسردها وتفنيدها وتحليلها، وبالرغم من ذلك تحدث اختراقات هنا وهناك وهي ملفتة وساطعة".
ويضيف "عموما المشهد الثقافي ليس في سوريا فقط، بل في معظم العالم العربي والإسلامي متأزم وفقير الحال وشكلاني، ولذلك أسباب تاريخية وموضوعية، وإذا ما بقينا على هذه الحال فنحن سائرون نحو التقهقر في هذا العالم المندفع بقوة وبهاء نحو المعرفة الشمولية للفرد".
|
ويرى عبدالعزيز أنه وعلى الرغم من أن هناك تقدما للسينما السورية مقارنة بالدراما التلفزيونية من ناحية الاشتغال وتقاليد صناعة العمل وتوزيع الأدوار والعرض والفسحة المتاحة للجانب الفكري، إلاّ أن المشهدين الدرامي والسينمائي يتشاركان في عقدة مستعصية واحدة، وهي غياب آليات الصناعة بكل مفرداتها البنيوية.
ومع ذلك، يسترسل المخرج السوري "بالرغم من ذلك كله تحدث استثناءات هنا وهناك وهي ملفتة، ولكنها تحدث بسبب الجهد الفردي لصناع تلك الأعمال السينمائية والتلفزيونية، وليس بسبب متانة البنى الصناعية وآلياتها الحديثة في صناعة المادة الإبداعية وسبل تقديمها للمتلقي، ومن الخير أن نعلم بأن المؤسسة العامة للسينما هي الوحيدة التي تقوم بإنتاج الأفلام مقابل العشرات من الشركات العاملة في المجال الدرامي، وبناء عليه يكون التفوّق، إذا جاز التعبير، للمؤسسة على حساب تلك الجهات على كثرتها، فهي تعمل بشكل عشوائي مع غياب شبه مطلق لأسس إنتاج الصورة".
حقق محمد عبدالعزيز على صعيد الحضور على منصات التتويج العديد من الجوائز الهامة التي تشكل رصيدا هاما له وللسينما السورية، فمن خلال فيلمه الأول "نصف ملغ نيكوتين" حصد ثلاث جوائز هي: أفضل فيلم متكامل وأفضل ملابس وأفضل ديكور في مهرجان باري السينمائي الإيطالي، بالإضافة إلى تنويه من لجنة التحكيم عن التصوير والنص.
أما فيلم "المهاجران"، فقد نال الجائزة الذهبية لأفضل فيلم روائي طويل في مهرجان "الكاميرا العربية" بدورته الرابعة التي أقيمت تحت عنوان “سينما من أجل التواصل”، في مدينة روتردام الهولندية.
وحصد فيلمه "دمشق مع حبي" الجائزة الثانية في مسابقة الفيلم الروائي الطويل في ختام لقاء نابل الدولي للسينما العربية بتونس، كما حاز الفيلم نفسه درع مهرجان الإسكندرية الدولي، وتم اختياره لافتتاح مهرجان "لقاء الشرق" بهولندا، كما اختير كفيلم الافتتاح بمهرجان “نساء هوليوود” ببروكلين، ولتظاهرة “أهلا بالمهاجر” بمهرجان ميلانو الإيطالي، واختير للعرض بمتحف “لايتون هاوس” بلندن، ونالت أيضا الممثلة نوار يوسف جائزة أفضل ممثلة عن مشاركتها في فيلمه “الرابعة بتوقيت الفردوس” بمهرجان الإسكندرية السينمائي 2015، فيما نال محمد عبدالعزيز مؤخرا جائزة أفضل فيلم متكامل في مهرجان روتردام للفيلم العربي 2017.