كيف يصبح الكتاب أثرا أدبيا؟

الخميس 2017/09/21

هل يكفي أن يطبع المرء كتابا على نفقته أو بمقابل مادي للناشر كي يُعَدّ كتابُه أثرا أدبيا جديرا بالتنويه؟ هل يكفي أن يعهد به لكاتب معروف يدبج له مقدمة ثناء وإطراء كي يحتل موقعا في المدونة الأدبية؟ وهل تكفي الجوائز الأدبية التي ترصد هنا وهناك كي تفرض هذا النص أو ذاك كعمل إبداعي لا غبار عليه؟ ألا نرى في مشرق الأرض ومغربها كتبا كللت بجوائز، ثم اكتشف القراء ضحالتها، فكانت كالزبد يذهب جفاء؟

والسؤال الأهم: من يملك القدرة على منح الكتاب حضورا فاعلا عند صدوره؟ هل هي الصحافة والدوريات المتخصصة أم وسائل الإعلام المسموعة والمرئية أم المعاهد والجامعات والمراكز الثقافية أم القراء؟ ألا يخشى أن تقصّر تلك الأطراف، فرادى أو مجتمعة، في حق كاتب ما، فتتجاهل إصداره، وتغمط جهده، وربما تنفّر الناس منه ومن مؤلفاته؟

تلك أسئلة باتت تثار بحدة منذ أن استشرت الضحالة، وطغى الغث على السمين، وغابت السلطة النقدية التي تفرز الجيد من الرديء، فاستوى في عيون القراء الغرّ بالمتمرّس، بل قد يغدو الأول نجما لامع البريق إذا أفلح في ربط علاقات مع وسائل الإعلام تستدعيه بانتظام لتعرف رأيه في شتى المسائل، حتى السياسية منها والاقتصادية والاجتماعية، أو في إدارة برنامج تلفزيوني أو مؤسسة من المؤسسات الثقافية، فيطمع الناس في صحبته وفي كتبه يقتنونها ولو كانت مختلة السبك رديئة الصنعة.

والمعروف أن للنقد في سائر الثقافات وجهين: نقد أكاديمي رصين يسلط على العمل الأدبي مناهجه، ويحلل ما يتسم به من جمالية وابتكار ومغامرة غير مسبوقة لتجديد الشكل والمضمون واللغة والأسلوب. ونقد صحافي سريع ينظر إلى ما يصدر كبضاعة ثقافية ذات نجاح تجاري محتمل، وقل أنّ ينهض به ناقد أريب، بصير بالحركات الأدبية وتطورها، وبالنصوص وبنياتها، حتى يُحلّ كل أثر محلّه، فينصف الجيّد ويفضح الرديء، ولو كان لشخصية ذائعة الصيت.

هذان هما اللذان يفترض فيهما إضفاء الشرعية على الكتاب، واعتباره حقا أثرا أدبيا جديرا بالتداول والتناول. ولكن إذا كان النقد الأكاديمي أقرب إلى الموضوعية لاهتمامه في الغالب بالأدباء الأموات والمتقدمين في السن والراسخين في التجربة، فإن النقد الصحافي، على أهميته، لا يزال رهين العلاقات الشخصية، عاجزا عن التحرر من منطق الشللية. وإن كانت الجامعات لا تعدم هي أيضا إخلالات. فمن الطرائف الغريبة مثلا أن السوربون اكتشفت، حينما توّج كلود سيمون بجائزة نوبل عام 1985، أنها لا تملك أي نسخة من مؤلفاته.

كاتب تونسي

15