تميم والحلقات التي تضيق

الخميس 2017/09/21

يصعب على المرء، أن يتخيل مدى الإحباط الذي وصل إليه تميم بن حمد أمير قطر، بعد أن خابت كل رهاناته. فقد بدأ الحراك لإطاحته من داخل عائلته، وضاقت الحلقات من حوله بعد أن كان يظن أن الدول ومجتمعاتها وقواها السياسية، ستكون بيادق طوع بنانه على رقعة الشطرنج.

ولا يزال المراقبون حتى الآن عاجزين عن مجرد تخيل الطريقة التي يفكر بها أمير قطر ووالده، إذ استقر في قناعة الأب ومن بعده ابنه، أنه القادر استثنائيا على جمع كل التناقضات، وعمل التنويم المغناطيسي لكل الأطراف، لكي تراه كل منها صديقا وفيا يستحق المساندة.

وكان توهم ذلك، عندما تصرفت دول مجلس التعاون الخليجي معه بأخوّة وصبر وعقلانية، وتعاطت مع مقارباته ومشاغباته وعلاقاته الخارجة عن كل منطق، بدبلوماسية هادئة، مسكوت عن حيثياتها، حفاظا على صفو المناخ الخليجي العام.

كانت الفترة التي ظل يجمع فيها بين إسرائيل وحماس، أبهج الفترات على نفسه، خاصة وأن النقيضين حريصان على العلاقة معه، كلٌ لأسبابه وحساباته، لكن حسبته مع الأميركيين، وقد صاغها بمنهجية التوقعات والمقاربات التي تلائم الصومال والمالديف، وصلت إلى خيبة خانقة.

راهن على سقوط دونالد ترامب حتى بعد أن نجح في الانتخابات، ثم راهن على سقوطه بعد نجاحه واهما أن سقوطه سهل، ثم انتقل إلى الرهان على مساندة ترامب نفسه له، ولم يدرك وهو يبني أحلامه أن الرجل يمثل حالة معقدة لها سياقات ربما يكون لها أثرها التاريخي على النظام الأميركي نفسه، أي نظام الحزبين.

فالرئيس الأميركي الحالي، كان مرشح الحزب الجمهوري، وليس من نسغ الحزب. يشارك الجمهوريين في جانب كبير من رؤاهم، وبات الآن محاطا بمستشارين لم يكن معظمهم من منتسبي الحزب الجمهوري، الذي أضعفه ترامب وأوقع فيه التباينات في المواقف، على النحو الذي يتهدد نظام الحزبين، مثلما حدث قبل نحو القرن، في فترة رئيس من عائلة فرانكلين روزفلت.

على هامش دورة الجمعية العامة، طلب تميم مقابلة ترامب، فاستقبله الأخير وفي خلفية عقل كل من الرجلين مواقف الشهور السابقة. بدت على تميم مخاوف من انعكاسات مواقفه في لغة الرئيس الأميركي معه، لا سيما وأن لا ضابط للغة ترامب.

لكن هذا الأخير، تحدث كرجل أعمال، لا تظهر عليه أي عواطف من البغضاء وهو يحادث شريكا تجاريا أيا كان. وبادر تميم إلى التنويه بمسألة التجارة كأحد أهم عناصر تزييت اللقاء، محاذرا من أن تطفر أثناء اللقاء لغة الرجل في موضوع الأزمة التي مازالت قائمة في الخليج، وهي أزمة سببها الإرهاب الذي جعله ترامب الموضوع الرئيسي في سياسته الخارجية.

رمى ترامب له ملاحظة للتذكير بمرحلة الصداقة بين الولايات المتحدة وقطر، وهي علاقة أدى فيها الجانب القطري مهمات معقدة كلفه بها الأميركيون، مثل جرّ طالبان إلى علاقة يُصارُ فيها إسماع المتخلفين مغلقي العقل، لغة أخرى، واستئناس قادتهم بكرم الضيافة ومصالحتهم مع رغد العيش، وكذلك مهمة توثيق الصلة مع “الإخوان” ومع حماس، وإيهام الإسلاميين بحماسة الدوحة لمناهج حكم لا تقبلها لنفسها.

جلس تميم مع رئيس الدولة الكبرى، فبدا بسبب تورط نظام حكمه في دعم قوى متطرفة تمارس الإرهاب؛ أقل حجماً من حجم قطر بلا غاز وبترول. كان من الاستحالة، أن يجلس مع ترامب، بحجم زائد، مثلما كان يتبدى في جلسة كوامي نيكروما، رئيس غانا الصغيرة الفقيرة، مع جون كنيدي، الرئيس الأميركي في أوائل الستينات.

كان نيكروما يستأنس بظل جمال عبدالناصر، لكن تميم لم يكن قادرا في اللقاء على الاستئناس بأحد سوى رجب طيب أردوغان، الذي يتوسل رضا الأميركيين وإسرائيل.

في الوقت نفسه، خرج ترامب يقول “آن الأوان لفضح الدول التي تدعم الجماعات الإرهابية مثل طالبان والقاعدة وحزب الله”. وعندما ركز على إيران، لم يكن يقصد أنه يعنيها وحدها دون سواها. فهي دول وليست دولة واحدة. ففي ذهنه أن قطر هي إحدى هذه الدول أو ثانيتها، وإلا من ستكون، وفق رؤية ترامب للأمور؟

في ظلال الدورة 72 للجمعية العامة للأمم المتحدة، يعود تميم أكثر قناعة بأن الحلقات قد أُغلقت واستحكمت، وأن إيران ليست مخرجا، وبات عليه أن يفتش عن منفذ لن يتاح له، سوى بأخذ ناصية الرُشد قبل أن تهب عليه العواصف من الداخل دونما مُغيث من الخارج.

كاتب وسياسي فلسطيني

8