علاء حجازي يعيد بريشته الاعتبار لسينما الأبيض والأسود

القاهرة- نقب الفنان المصري علاء حجازي في أرشيف السينما المصرية وانتقى منها عددا من أعمال “الأبيض والأسود” تصلح لإعادة تجسيد لقطاتها على الورق، لتعود الحياة من جديد إلى أعمال درامية مرت عليها عقود ولا تلقى حظا في العرض على شاشات الفضائيات.
يقول حجازي لـ”العرب”، إنه حاول تجسيد أفلام لجيل الوسط من الفنانين لكنه وجد نقصا كبيرا في التوظيف الدرامي للضوء والظلال، رغم حداثة الأدوات المستخدمة في التصوير ودقتها، حتى أن البعض من المخرجين القدامى، مثل صلاح أبوسيف، كانت لديهم قدرة كبيرة على الإبداع بالأدوات القديمة التقليدية أكثر من الجيل الحالي الذي يمتلك أحدث وسائل التصوير والمعالجة.
والإضاءة في التصوير الفوتوغرافي والسينمائي عنصر أساسي، لأن الضوء يعتبر جزءا من الصورة ويعطي المزاج والعمق فيها حسب اتجاهه ولونه وكيفية تدرجه، وتسليط الضوء على عنصر ما يشكل في الجانب المقابل ظلالا، فتصبح في الصورة أضواء وظلال وتتزايد قدرات المخرج كلما نجح في استغلالها.
ويعتمد بعض المخرجين على التلاعب بالضوء لإعطاء تعبيرات للممثل تعكس صراعه الداخلي وتتناسب مع الموقف الدرامي كزيادة الضوء على أحد الممثلين وخفضه تماما على آخر، ووضع ثالث في إضاءة “أوت لاين” ليكون نصفه مظلما والآخر مضيئا لإظهار الصراع الداخلي في المشهد بين الخير والشر.
مصطلحات واحدة
|
يؤكد علاء حجازي أن الأعمال الدرامية والسينمائية الحالية لا يمكن الاقتباس منها على الورق، لأنها تتضمن استسهالا تعبيريا، لذا فضّل التقهقر لجلب ما فات وإعادة الاعتبار إلى الماضي والتعلم منه والاستمتاع بفكر وتجسيد وتوظيف الظل والضوء في الصورة، ومواجهة سينما “الأفيهات السخيفة” المنتشرة حاليا.
ويحتاج اختيار اللقطات المناسبة في العمل الفني إلى خبرة وتركيز في المشاهدة لاختصار العمل كله في 4 حركات للممثلين، ونقلها على الورق بالأسود، لتناسب العمل الفني في الفترة ذاتها، التي لم تكن فيها الأفلام قد دخلت عصر الألوان.
ورسم حجازي مجموعة من اللوحات التي تعبر باختصار عن أحداث فيلم مثل “صغيرة على الحب” بطولة سعاد حسني وحسين أمين، و”الزوجة الثانية” بطولة صلاح منصور وسعاد حسني، و”الأرض” بطولة عزت العلايلي ونجوى إبراهيم ومحمود المليجي، وكذلك فيلم “البيه البواب” بطولة أحمد زكي، ناهيك عن تحية كاريوكا وشكري سرحان في “شباب امرأة”.
ويبدو عمل حجازي شبيها بالتشريح، إذ تتسم اللوحات بالعديد من الخطوط الجانبية والرأسية التي يحدد أبعادها بالمليمتر لكي تكون اللقطة التي نقلها شبيهة تماما بالأصل، وحتى تعيد في ذهن المتلقي نفس المشهد السينمائي بكل تفاصيله بمجرد وقوع عينه عليه.
ويوضح الفنان حجازي، أن الفنون كلها قريبة من بعضها والمصطلحات واحدة في السينما والتصوير والتشكيل، من حيث الكادرات وتوزيع الضوء، والفنان التشكيلي يحتاج إلى الخبرة والقراءة في مجالات النقد الفني والأدبي والتصوير، علاوة على التجسيد الجيد لتفاصيل الوجوه.
ويرى أن عمله ليس رسما فقط، لكنه محاولة في المقام الأول لجذب الجمهور إلى الفن الحقيقي، بعد “هوجة” التغريب الحاصلة حاليًا، مثل تقليد أفلام الحركة الأميركية، كما يحاول إثبات أن الرسام لو عبر فعلا عن مشاعر الناس ولم يتعال عليهم سيتفاعلون معه وربما يقبلون كما في الماضي على زيارة المعارض، لأنهم سيشعرون بأن الرسومات تعبر عنهم.
هروب إلى الماضي
يشكو الفنانون التشكيليون في مصر من عدم إقبال الجماهير على معارض الفن التشكيلي، عكس الفترات الزمنية السابقة التي شهدت فيها بعض المقاهي معارض للفنانين الشباب بسبب عدم وجود قاعات شاغرة.
ويضيف حجازي أن الفنانين دائما ما يشكون من الجهل وعدم تذوق الجمهور للفن، رغم أنهم لم يفكروا بجرأة ومواجهة للنفس بأنهم لا يعبرون عن الناس ومشغولون بأن تعجب أعمالهم زملاءهم في الوسط الفني والتوجه إلى المعارض لالتقاط صور السيلفي التذكارية مع كل صاحب عرض جديد، فكل همهم يتعلق بالحرفة، لكنهم يفتقدون استخدامها للتعبير.
وأشار إلى أن مصر تعاني فقرا فنيا في بعض المجالات، والكل يفضل الهروب إلى الماضي، لأنه كان أجمل وأعظم، واشتهر بأعمال متنوعة بين التاريخ والثقافة والحياة.
وربما هذا الفقر كان دافعا لإطلاق التلفزيون المصري في يونيو 2016، قناة “ماسبيرو زمان” تحت شعار “من فات ماسبيرو تاه”، حيث تعرض مواد من التراث التلفزيوني القديم مثل الأفلام والمسلسلات والسهرات التلفزيونية والأغاني وبرامج المنوعات واللقاءات الحوارية مع شخصيات أدبية وثقافية مصرية في زمن “الأبيض والأسود”.
ويختار حجازي الأعمال الفنية وفقا لأساس عاطفي وتقني في الوقت ذاته من حيث قدرة المخرج وتوظيف أدواته والجهد المبذول في العمل، فهناك أفلام تتضمن لقطات تجسد العمل كله، لكنه شديد الإعجاب بأعمال الراحلين: صلاح أبوسيف وعاطف الطيب ومحمد خان.
وينتمي المخرجون الثلاثة إلى المدرسة الواقعية، فصلاح أبوسيف كان أشبه بالمحقق الصحافي، وقد تناولت أعماله ظواهر مجتمعية حقيقية وبحثت في جذورها، وعاطف الطيب اتسم بالقدرة على استخدام ممثليه لتوصيل الفكرة والنقد الاجتماعي والسياسي كأفلام “الهروب” و”البريء” و”سواق الأتوبيس” و”ضد الحكومة”، ومحمد خان ارتبط بالأعمال الاجتماعية التي تجسد معاناة بعض القطاعات كـ”فـتاة المصنع” أو السياسة كفيلمه “زوجة رجل مهم” الذي يتناول العلاقة بين السلطة والفرد.
ويحاول التشكيليون في مصر التغلب على ضعف الإقبال على المعارض الفنية وانعزال الفن التشكيلي عن الشارع، فمنهم من لجأ إلى الحارة للبحث عن الجمال والاقتراب أكثر من نمط حياة المواطنين، ومنهم من أخذ عشرات الخطوات إلى الخلف لإعادة تجسيد ما يشتاقون ويحنون إليه من الصورة المتحركة إلى الثابتة.