يونكر يستعرض حصاد عام من الأزمات في الاتحاد الأوروبي

ستراسبورغ (فرنسا) – قدّم رئيس المفوضية الأوروبية جون كلود يونكر في خطابه الدوري أمام النواب البرلمان الأوروبي كشف حساب لأوضاع الاتحاد بعد سنة كانت حافلة بالتحديات السياسية والاقتصادية والأمنية تجسدت أبرز معالمها في انسحاب بريطانيا وأزمة المهاجرين والصعوبات الاقتصادية.
وتطرّق رئيس البرلمان الأوروبي في تقييمه إلى تعاطي مؤسسات المنظومة الأوروبية مع محنة البريكست البريطاني والتي أسهمت في خلق “أزمة وجودية” كما وصفها في خطابه العام الماضي نتيجة تصاعد حالة من التشكيك في مشروع الاتحاد وقدرته على الاستمرار.
واعتبر يونكر أن الاتحاد تمكّن من تجاوز محنة الهوية التي استهدفت جدوى المشروع الوحدوي الأوروبي في ظل تأزم الأوضاع الاقتصادية واحتدام مشكلة المهاجرين مع تداعيات انسلاخ بريطانيا عن الاتحاد.
وقال يونكر أمام النواب الأوروبيين إن “أوروبا انتعشت مجددا. أصبح لدينا نافذة على فرصة لكنها لن تبقى مفتوحة إلى الأبد”، داعيا إلى “بذل أقصى الجهود للاستفادة من هذه الديناميكية”.
وسجلت مؤشرات النموّ الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي تقدّما ملموسا خلال الأشهر الأخيرة مع تراجع ملحوظ لمعدلات البطالة، بينما تمّت السيطرة على تدفق اللاجئين. ويأمل الاتحاد الأوروبي في أن يكون ذلك بداية التعافي.
وعكس خطاب يونكر رغبة في طيّ صفحة بريكست وتجاوز مخلفاتها السلبية وذلك في معرض حديثه عن مستقبل الفضاء الأوروبي “سنتقدم لأن بريكست ليس مستقبل أوروبا” مشددا على أنه وعلى الرغم من خروج أحد الأعضاء، فإن مستقبل الاتحاد يكمن في التوسع إلى غرب البلقان.
ودعا يونكر إلى عقد قمة طارئة للاتحاد مباشرة بعد خروج بريطانيا من الاتحاد المقرر نهاية مارس 2019 قائلا “أدعو رئيس مجلس الاتحاد دونالد توسك ورومانيا، التي ستتولى رئاسة الاتحاد في ذلك التوقيت، إلى تنظيم قمة طارئة للاتحاد في 30 مارس 2019 في مدينة سيبيو الرومانية”.
بعد إعلان خروج بريطانيا سيعتمد مستقبل الاتحاد على التوسع نحو البلقان لإضفاء توازن بين شرق أوروبا وغربها
وحول أزمة الهجرة، شدد يونكر على ضرورة تحسين وتيرة إعادة المهاجرين الذين لا يمكنهم الحصول على لجوء، وتعزيز الطرق القانونية للهجرة.
ويرى يونكر أن بناء أوروبا “أقوى وأكثر اتحادا” يمرّ بتعزيز قوتها التجارية الضاربة وإبرام اتفاقات مقبلة مع أستراليا ونيوزيلندا مع وضع “إطار” أوروبي لضبط الاستثمارات الأجنبية من أجل حماية القطاعات الاستراتيجية.
وبعد أن طرح في مارس الماضي “كتابا أبيض” يتضمن خمسة سيناريوهات حول مستقبل الاتحاد ومختلف آفاق التكامل تشكل بوادر الانتعاشة وتجاوز الأزمات الراهنة فرصة ليونكر لطرح مسار الإصلاح والتجديد مستفيدا من “الرياح الملائمة” لمسار الاتحاد.
ولخص يونكر ملامح مشروعه في ثلاثة مبادئ أساسية هي الحرية والمساواة في الحقوق ودولة القانون.
ودعا رئيس المفوضية إلى تجاوز الهوة بين شرق أوروبا وغربها، معتبرا أن “أوروبا لديها رئتان ويجب أن تتنفس بهما في الشرق وفي الغرب وإلا ستضعف”.
وطالب يونكر، في سياق تفعيل احترام النظم والقوانين، بولندا والمجر إلى الانضباط بشأن احترام القواعد الأوروبية في مجالات استقلال القضاء والهجرة والبيئة.
وشدد يونكر أن “الحق والقانون يجب أن يضمنهما قضاء مستقل”، مؤكدا على سلطة محكمة العدل الأوروبية لضمان تطبيق التشريعات الأوروبية.
وتناول يونكر مسالة عدم إهمال المواطنين الأوروبيين وخصوصا العاملين منهم، داعيا إلى “سلطة مشتركة” للاتحاد الأوروبي لضبط سوق الوظيفة.
اليورو يتجه نحو اعتماده من كل الدول الأعضاء في الاتحاد في المستقبل
وقال “في اتحاد تسوده المساواة لا يمكن أن يكون هناك عمال من الدرجة الثانية”. مطالبا بإنهاء الفوارق القائمة في معايير التوظيف بين دول الاتحاد باعتبار أن “الذين يقومون بالعمل نفسه في المكان نفسه يجب أن يتلقوا الأجر نفسه”.
ومع بدء سنته الكاملة الأخيرة على رأس المفوضية، تحدث يونكر عن إعادة بناء في العمق لمؤسسات الاتحاد الأوروبي.
وعبّر يونكر عن دعمه لفكرة تعيين وزير أوروبي للمالية والاقتصاد ورئيس لمجموعة اليورو (يورو غروب) التي تضم وزراء مالية البلدان التي تعتمد العملة الموحدة.
وبيّن رئيس السلطة التنفيذية الأوروبية أن اليورو يتجه نحو اعتماده من كل الدول الأعضاء في الاتحاد في المستقبل.
كما اقترح دمج منصبه بمنصب رئيس المجلس الأوروبي لتسهيل “قراءة” المشهد الأوروبي وجعله أكثر فاعلية.
وقال يونكر إن “الفاعلية الأوروبية ستتعزز إذا تمكنّا من دمج رئاستي المفوضية والمجلس الأوروبيين”. وأضاف أن “قراءة وفهم المشهد الأوروبي سيصبحان أسهل إذا قاد قبطان واحد السفينة الأوروبية”. وأضاف أن “وجود رئيس واحد سيعكس بشكل أفضل الطبيعة الحقيقية لاتحادنا الأوروبي، كاتحاد دول واتحاد مواطنين على حد سواء”.
وتوقف يونكر عند العلاقات بين تركيا وبين الاتحاد والتي تشهد تصعيدا وصداما سياسيا طوال الأشهر الماضية مرجّحا انتهاء مشروع انضمام تركيا إلى الفضاء الأوروبي.
دعا يونكر تركيا إلى الإفراج عن الصحافيين المسجونين لديها و”الكف عن إهانة القادة الأوروبيين”.
وقال إن أي بلد مرشح للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي يجب أن “يحترم دولة القانون والعدالة والقيم الأساسية”. وأضاف أن “هذا يجعل انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي في مستقبل قريب مستبعدا”، معتبرا أن هذا البلد “ومنذ بعض الوقت يبتعد بسرعة كبيرة وبخطى عملاقة عن الاتحاد الأوروبي”.
للمزيد:
الاتحاد الأوروبي ينتقل من الدفاع إلى الهجوم