فضيحة "البلبُول" في شهر أيلول
إذا كان عمّنا «المتنبي» بعدما استعرض فحولته اللغوية، دفع حياته ثمنا لبيت من الشِّعر البطولي «الكاذب» عايره به مصارعه حتى لقي مصرعه دون باكٍ في قيظ الصحراء، فإن كارثة شهر أيلول الشهيرة التي حلَّت ذكراها الـ16 الإثنين الماضي، قد مثلت تحولا جذريا في صورة «فتوَّة» العالم الأميركي الذي ملأ الدنيا وشغلها بانتصارات «سينمائية» تعوض إخفاقات حرب فيتنام، ليفيق صبيحة 11 سبتمبر على ذات مشهد «المتنبي» الذي وجد أن سيفه الفولاذي لن يكون جديرا بحماية روح من خشب.
وعلى وزن صرخة «مرسي بن المعلم زناتي اتهزم يا رجاااالة» الشهيرة التي أطلقها الممثل الكوميدي الراحل سعيد صالح في مسرحية «مدرسة المشاغبين» اكتشفنا أن فضيحة نموذج «رامبو» الأميركي الذي ملأ الدنيا ضجيجا وغطرسة فاقت فضيحة «البلبول في شهر أيلول» -والبلبول هنا هو اسم الدلع الساخر للبلبل في العامية المصرية- بعد أن تمرّغ رمزا عظمته (برجا التجارة) في تراب الوحل والرماد في غمضة عين.
المثير أن الفضيحة لم تكن قاصرة على «البلبول» الأميركي فقط، لكنها وَصَمت أيضا كل «بلابيل» الإسلام السياسي وأجنحته التي ترعرعت في الحضن الأميركي الدافيء، خلال الحرب الباردة، ومرحلة ما بعد سقوط الاتحاد السوفييتي السابق.
صحيح أن «بلبول» جماعات التيار المتأسلم، وقع في شرِّ أعماله، وظهر على حقيقته الوحشية، وخاصة في مرحلة ما عُرف زورا بـ”الربيع العربي”.. لكن لأن لا أحد يرى أو يسمع، فقد ظل التعامل الغربي معه هشا للغاية، رغم إسقاط رمزه المتشدد في أفغانستان، إلا أنه ظلَّ هاجس الكثيرين في مشرقنا العربي كسبيل وحيد لإقامة ما يُعرف بـ”الخلافة الإسلامية”، إذ لم يكفِ إسقاط نموذج «طالبان» ليترعرع في مختلف عواصمنا أكثر من «طالبان»، وصحيح أنه جرت محاولات لإخمادها، ولكن كانت الخطورة في ترك رأس الأفعى.. جماعة الإخوان وتنظيمها الدولي، حتى تعرَّت تماما ونهائيا في مصر، وعلى استحياء في تونس وليبيا واليمن وسوريا.
المشكلة ليست هنا، ولكن في أنه وبعد 16 عاما من كارثة 11 سبتمبر، لا يزال الغرب بعيدا عن استيعاب حقيقة هذه التيارات، ظاهريا يعلن محاربتها، لكن فعليا هو الحاضن لكل بضاعتنا التي ترتد بصناعته إلينا وعليه أيضا.. ولم يتعظ من كل فضائح هذه «البلابيل» التي ارتكبها ويرتكبها على أرضه، كما أننا -كعرب- أيضا لم نتعظ أو نتعلم، فالبعض من عواصمنا كان الممول والداعم والمانح والذراع الإعلامية أيضا.
ولأن الخديعة مستمرة، تحلب “الجيوب” بعد أن ضللت العقول؛ ها نحن نجد داعية إسلاميا في دولة عربية تجاوز رصيده 1.7 مليار ريال، تمثل مع غيره فضيحة أخرى للنصب على البسطاء وجمع أموالهم وتبرعاتهم باسم عناوين فكرية وشعارات دينية براقة.
لم تعد العملية مجرد فضيحة “بلبول” بل أصبحت فعلا.. «رِزْق الهُبْل ع المجانين»!