تسييس الرياضة آفة اجتماعية

الثلاثاء 2017/09/12
ينبغي للسياسيين أن يكتفوا بالمراسم البروتوكولية

ينبغي تحييد الرياضة عن السياسة حتى وإن كان الواقع عكس هذا في بلدان وهيئات رياضية محلية وإقليمية ودولية، والمتتبع للفضائح وحالات الفساد التي تفوح منها رائحة السياسة في الملفات الرياضية، يقتنع بأن لا مناص من الفصل بين لغتين مختلفتين سلوكا وهدفا وذهنية، وإن كانت السياسة التي تدعم الرياضة والرياضيين أنفع من الرياضة التي تدعم السياسة والسياسيين ففي كل الحالات، لا مهرب من دفع فاتورة التداخل الحاصل، ومن الطرفين.

هناك سياسي يتمتع بروح رياضية في كيفية تقبل النتائج الانتخابية ومراسم تهنئة خصمه في حالة الهزيمة، وهذا ما يحدث في البلدان الديمقراطية، بينما لا يمكن الحديث عن رياضي يتمتع بـ”روح سياسية” بأي شكل من الأشكال، اللهم إلاّ في المجتمعات التي تقودها الدكتاتوريات وتسوسها النزعات الفاشستية، حيث تطغى الشعارات السياسية وترفع صور الزعماء بدل حماسة التشجيع البريء، فتستحيل عندئذ الملاعب الخضراء إلى حلبات هائجة.

لا بد من التفريق بين نزعات التعصب السياسي والتعبئة الحزبية التي ليست من الرياضة في شيء، وبين حالات التلاحم الجماعي والحماسة الوطنية التي من شأنها أن تجعل من المشهد الرياضي فرجة ترتقي إلى الفن، وتزيد من مد جسور التقارب بين الثقافات كما أن هناك خيطا فاصلا، يبدو رقيقا ويكتنفه الالتباس، بين أن يخدم الرياضيون وكذلك الرياضة عموما قضايا إنسانية عامة مثل محاربة العنصرية، ومؤازرة المتضررين من الكوارث الطبيعية وغيرها، وبين الترويج لجهة سياسية دون أخرى.

وقطعا لدابر الشبهة والتشكيك، ينبغي للجهات الرياضية أن تلتزم باللوائح والمواثيق والتعهدات الأولمبية والدولية التي تنزه الرياضة عن السياسة، وتقدم الروح الرياضية عمّا عداها من مآرب أخرى حتى وإن كان الأمر يتعلق بقضية نراها عادلة ومحقة، فالأولى بمناضلي هذه القضية أن يدافعوا عنها على المنابر الأممية المتخصصة وفي الجبهات الإعلامية بدلا من فخ الوقوع في ردة الفعل والدعاية المضادة، ويصبح الأمر عندئذ إضرارا بالقضية بدل خدمتها.

ينبغي للجهات الرياضية أن تلتزم باللوائح والمواثيق والتعهدات الأولمبية والدولية التي تنزه الرياضة عن السياسة

الرياضة وجدت في الأصل لنبذ كل أشكال التعصب الفئوي، والاحتفاء بالجسد البشري في كل مظاهر لياقته وجماليته ونزوعه نحو التألق عبر منافسة باقي فصيلته من الأجساد على مختلف ألوانها وأعراقها وأفكار الرؤوس التي تحملها، فلا يميزها عن بعض -بعد ألوان الأزياء الرياضية ذات الوظيفة التعريفية المحضة- إلا مقدار تفوقها وفوز بعضها على الآخر وفق مقاييس موحدة ومجردة من كل أشكال المحاباة والأمزجة والمفاضلات التي توجد في عالم السياسة.

أمر آخر يؤكد هذه القطيعة (المعرفية من أساسها) بين الرياضة والسياسة، هي أن الأولى تتحمل الهواة وأنصاف الهواة وكذلك ذوي الاحتياجات الخاصة الذين جعلت لهم اللجان الأولمبية منافسات تخصهم، بينما لا يتحمل العمل السياسي الهواة إلاّ على سبيل المقاربة والتهكم، كما أن ذوي الاحتياجات الخاصة في عالم السياسة الاحترافي، قليلون ويقتصرون على أسماء استثنائية لامعة. وهذا يعطي دليلا آخر على أن الرياضة أوسع وأنقى من دهاليز السياسة، فالسياسي يصفق للرياضي الذي يشجعه، وليس الرياضي هو الذي يصفق ويتحمس أمام منبر سياسي.

رياضيون دخلوا مضمار العمل السياسي وفشلوا فشلا ذريعا أو فقدوا وهجهم بسبب سجن أنفسهم بأنفسهم في المكاتب مثل اللاعب التونسي السابق طارق ذياب الذي اختار الانتساب إلى حزب حركة النهضة الإسلامي فعينته حكومة الغنوشي السابقة وزيرا للرياضة، لكن أداءه في أروقة الحكومة لم يكن مثل أدائه على الملاعب.

ما يؤكد على ضرورة الانتصار لطلاق بائن بين الرياضة والسياسة هو ما شهدناه وما زلنا نشهده من أحداث تسببت فيها السياسة حين حشرت نفسها في الرياضة، وافتكت المدرجات من عشاق الرياضة الحقيقيين لتعوضهم بجماعات رعناء ترفع شعارات الكراهية، هذا دون أن ننسى السياسيين الذين غرروا برياضيين وجعلوا منهم أبواق دعاية لمشاريعهم بل ضحايا لمخططاتهم، لعل أشهرهم النجم السابق للمنتخب التونسي نزار الطرابلسي.

كثيرا ما تعامل الرياضة كبديل لانتصارات سياسية مشتهاة، إذ يتوهم بعضهم أن استخدام رموز وطنية وسيادية كالأعلام والأناشيد يجعلها امتدادا للأوطان، لكن الرياضة تبقى نشاطا ضمن نطاق بشري يحدد منسوب الكفاءة، ولا يمكن لأي انتصار في ملعب أن يعوض هزيمة في حرب أو خسارة في معركة انتخابية.

12