القط أليفا وحقودا

الأحد 2017/09/10

تعجبتُ لحزنها على قطها الذي خرج ولم يعُد، بعد صُحبة طويلة سمته أثناءها زعروراً. فكيف وماذا أبدع قطها، لكي تذرف عليه دمعةً حَرّى؟ أخذتني الدهشة لأن أعرف، ماذا تفعل أبرع وأذكي القطط المنزلية التي أشاد بها المصطفى عليه السلام، عندما سُئل لماذا توضأ من سُؤر قط (والسؤر هو بقايا ما أكل أو شرب منه مخلوق). كان الهرُّ قد سبقه إلى إناء الماء، فتركه رسول الله يطفئ ظمأه، ثم توضأ بعده، ولما سأله أنس بن مالك عن هذا الأمر أجاب "يا أنس، إن الهِرَّ من متاع البيت، لن يُقذّر شيئاً ولن يُنجّسه، وهو من الطوافين عليكم والطوافات!".

الفحوصات المخبرية أثبتت وجاهة النُصح النبوي العاطر وعلميته، وبالتالي حقّ لمن فقدت قطها الأليف أن تحزن!

أما القط الحقود، فقد كانت له حكاية مع صاحبه، أحد أحفاد علي بن أبي طالب. انقض الشرير على صيصان الجيران، مثلما ينقض الفاسد الحقود على أرزاق الناس. أعدم الأول وفي رثائه، قال صاحبه: يا هِرَّ فارقتنا ولم تعد، وكنا نحسبك بالأذى غير معتقد. ألم تَخَفْ وثبة الزمان؟ إن عاقبة الظلم، يا حقود، لا تنام، وإن تأخرت مدةً من المُدد!

القط يشرب ببطن لسانه المنشوري، الذي يعمل كمكنسة معدنية. ينشغل معظم الأوقات في تنظيف بدنه وضميره وهذه كياسة صحيّة ونظافة ضمير، لا تدانيها كياسة حقود وضميره. قدرته على الرؤية الليلية ستة أضعاف قدرة البشر الأصحاء، إذ تمتاز شبكيّة عينيه ببساط شفاف يعكس الحد الأدنى من البصيص. أما حاسة السمع فهي أمّ المزايا، إذ تلتقط الترددات فوق السمعيّة التي يتعذر على الإنسان التقاطها، فما أن تحرك فراشة جناحها حتى يسمعها القط!

حواس القط لا تدلّه على حلاوة العسل وغوايته. لكنه يمتلك منظومات دفاع لا تمتلكها أنظمة الدفاع الجوي البشرية: عشرات الرادارات من شعيرات طرية في الوجه، تُنبئه بعمق الفجوات وعمق المياه ومواضع الأشياء في الظلام. وللهر لغته الجسمانية التي تعكس مزاجه. يفرك القدمين الأماميتين بعضهما ببعض، تعبيراً عن حال الروقان والحبور. وبالذيل والأذنين يُرسل إشاراته الرئيسة: يرفع ذيله للتحية. يُسطِّح الأذنين للغضب والكراهية. أما مُستهل الغرام عنده فيكون بلثم الأنف للأنف معادلاً للقُبلة. وثمة إعلان عاجل عن عقد القران يدل عليه تحريك أحد الطرفين رأسه إلى أعلى بدلال والتواء!

ارتحل قط الحزينة حاملاً عالمه وحواسه، تاركاً حبيبته تكابد عالماً بشرياً يفقد فيه الحقود الفاسد الذي بلا شعيرات طرية بصيرته!

24