تغيير ديموغرافي في جنوب بغداد تحت ستار حماية الأمن

بغداد - أحدث قرار صدر هذا الأسبوع عن مجلس محافظة بابل جنوبي العاصمة العراقية بغداد وينصّ على مقاضاة أي جهة تدعو لعودة نازحي ناحية جرف الصخر إلى ديارهم، صدمة لدى العديد من الأوساط العراقية التي رأت في القرار -الذي بدا غريبا وفريدا من نوعه- إعلانا رسميا عن بدء تنفيذ مخطّط للتغيير الديموغرافي يقوم على إفراغ مناطق عراقية محدّدة من مكوّنات طائفية معيّنة تحت ذريعة حفظ الأمن ومحاربة الإرهاب.
وتقع ناحية جرف الصخر التابعة لمحافظة بابل على بعد ستين كيلومترا جنوب غرب العاصمة بغداد بمساحة تبلغ خمسين كيلومترا. وقد جعلها موقعها الاستراتيجي وثراؤها بالبساتين والحقول موضع تركيز من قبل تنظيم داعش الذي انتشر فيها سنة 2014، قبل أن يتمّ طرده منذ حوالي سنتين ونصف بجهد حربي أساسي من الميليشيات الشيعية المنضوية ضمن الحشد الشعبي.
وترافقت العملية العسكرية مع حركة نزوح واسعة النطاق للسكان البالغ عددهم نحو 50 ألف مواطن أغلبهم من قبيلة الجنابيين السنيّة من الفلاحين والعاملين في الزراعة، والذين لا يزالون منذ ذلك الحين مشرّدين في عدد من المناطق، وممنوعين من العودة إلى ديارهم في ظل حديث متواتر عن عمل جهات طائفية عراقية على إحداث تغيير ديموغرافي يقوم على إحلال سكان من أبناء الطائفة الشيعية محلّ السكان الأصليين رغبة في إزالة ما يعتبر “بؤرة للسنّة” بجوار بغداد في الطريق إلى جنوب البلاد حيث يتمركز شيعة العراق، وحيث توجد أهم مواقعهم ورموزهم الدينية.
وجاء قرار مجلس محافظة بابل ليعطي هذا المخطّط بعدا رسميا، حيث أعلنت رئيسة اللجنة القانونية في المجلس أحلام راشد، الأربعاء، عن تصويت بالأغلبية على قرار ينصّ على إقامة دعاوى قضائية ضد أي جهة حزبية أو سياسية تطالب بعودة نازحي ناحية جرف النصر، مرجعة سبب القرار إلى ارتفاع نسبة الهجمات التي طالت القوات الأمنية وعناصر الحشد الشعبي في الناحية خلال الفترة الماضية.
ونحا القرار منحى العقاب الجماعي حين شرحت مصادر في المجلس أن قرار المنع يشمل جميع النازحين عن جرف الصخر وخصوصا العوائل التي يتهم أي فرد من أفرادها بالانتماء لتنظيم داعش.
وأضفت بعض التصريحات بعدا طائفيا واضحا على القضية عبر اتهام جميع سكان جرف الصخر بالإرهاب، على غرار وصف النائبة بالبرلمان عن كتلة دولة القانون بقيادة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، عواطف نعمة في بيان صحافي منطقة جرف الصخر بأنها “أسوأ منطقة في تاريخ العراق”.
وردّ النائب عن تحالف القوى العراقية عادل خميس المحلاوي، الجمعة بغضب، على تصريحات نعمة واصفا إياها بـ”الرخيصة”، ومعتبرا أنها “تدخل في خانه التحريض العنصري والطائفي”، مطالبا الادعاء العام بممارسة دوره تجاه هذه التصريحات.
|
وقال المحلاوي في تصريح صحافي إنّ “هكذا تصريحات عنصرية وطائفية تساهم في ضرب اللحمة الوطنية وإثارة النعرات الطائفية بين العراقيين”.
ومن جهته دعا القيادي في تحالف القوى رعد الدهلكي، الجمعة، الحكومة العراقية إلى إيقاف التغيير الديموغرافي الذي يحصل في ديالى أكثر من منطقة بالبلاد، مهدّدا بتدويل القضية.
وقال الدهلكي في حديث لموقع السومرية الإخباري إن “التغيير الديموغرافي حصل ومازال يحصل وحتى الأعمى يستطيع رؤيته، كما حصل في ديالى وجرف الصخر وحزام بغداد وفي صلاح الدين، كما أصبحت لمساته واضحة في نينوى”، مبيّنا أن “الحكومة عليها أن تقف بشكل جاد لإنهاء هذا الأمر”.
وأضاف الدهلكي، “في حال عدم وجود رغبة جادة بإعادة النازحين وفرضت تلك الأجندات قراراها على الحكومة، فسنعمل جاهدين للذهاب إلى المجتمع الدولي”، واصفا التسوية والمصالحة بأنها “لا تتعدى كونها عناوين وشعارات وولائم ومؤتمرات ولا جدوى منها طالما كانت إرادات خارجية تعمل على إبقاء النزعة الطائفية ومنع العوائل من العودة إلى مناطقها بقوة السلاح”.
وذهب النائب كامل نواف الغريري إلى مناقشة الذرائع الأمنية التي بني عليها قرار مجلس بابل بتجريم المطالبة بعودة نازحي جرف الصخر قائلا إن تصريحات رئيس المجلس رعد الجبوري والتي أفادت بحدوث عشر عمليات إرهابية في ناحية جرف الصخر خلال شهر تصريحات مضلّلة.
وقال الغريري في بيان أصدره الجمعة “استغرب مثل تلك التصريحات البعيدة عن الواقع”، متسائلا “كيف تحدث عمليات إرهابية في منطقة خالية من السكان تماما ومقطوعة عن العالم الخارجي وممسوكة أمنيا؟”.
وشرح الغريري في بيانه أنّ “الهدف من تلك التصريحات هو إيجاد تبريرات لعدم إعادة نازحي جرف الصخر تحقيقا لأهداف سياسية تتعلق بأجراء تغيير ديموغرافي يتم العمل عليه من خلال تغيير العقود الزراعية وإسنادها لأشخاص من خارج الناحية حسب المعلومات التي تردنا”.
وتثير مثل هذه القضية المخاوف بشأن مستقبل التعايش بين الطوائف والأعراق في العراق وجهود ترميم الوحدة الاجتماعية المتضرّرة بشدّة وتحقيق التسوية التي تنظّر لها قوى سياسية، وبسط الاستقرار خلال مرحلة ما بعد تنظيم داعش الذي تشارف الحرب ضدّه على نهايتها.
وأسفرت الحرب على التنظيم المتشدّد والتي دارت بشكل رئيسي في مناطق تسكنها غالبية سُنيّة وشارك فيها عشرات الآلاف من عناصر الميليشيات الشيعية المنضوية ضمن ما يعرف بالحشد الشعبي، عن تهجير الآلاف من سكان تلك المناطق، وأسر آلاف آخرين على يد الميليشيات ذاتها بشبهة الانتماء للتنظيم المتشدّد أو احتضانه أو التستّر عليه والتعاون معه.
وبعد أكثر من ثلاث سنوات من الحرب على داعش في العراق، بات الكثير من مناطق البلاد يخضع لـ”قانون” وضع اليد وفرض السيطرة بقوّة السلاح من قبل ميليشيات مسلحة بعضها خارج عن سيطرة الحكومة بشكل معلن والبعض الآخر يتبع لها شكليا.
وتعتبر منطقة جرف الصخر بمحافظة بابل في وسط البلاد إحدى تلك المناطق التي باتت خارج سيطرة داعش والحكومة معا.
وتشير تقارير إلى أن الفصيل المسيطر بشكل رئيسي على جرف الصخر ليس سوى كتائب حزب الله العراق المعروفة بشراستها وتشدّدها، وولائها التام لإيران ولتعاليم مرشدها الأعلى علي خامنئي.