علي زيدان ليبي يدفع فاتورة تدخلات قطر في بلاده

السبت 2017/08/26
علي زيدان رئيس وزراء سابق عادى الإخوان فاختطفوه

تونس- صراع الإسلاميين في ليبيا، ممثلين في جماعة الإخوان في الأصل، على المنافذ الرئيسية للدولة ومحاولة إخضاعها لسيطرتهم يتشكّل أساسا في نهجهم الموغل في العزل والحصار الذي يفرضونه على خصومهم من السياسيين.

الليبي كما لا يعرف هو عن نفسه

لقد وجد تيار الإسلام السياسي في ليبيا خاصرة رخوة ومجالا واسعا ليمتد فيهما نفوذ الجماعات الإسلامية ويقوى عودها ومن ذلك كتيبة ثوار ليبيا، التي كان يرأسها عبدالحكيم بلحاج والتي أعلنت مسؤوليتها عن اختطاف رئيس الوزراء السابق علي زيدان في المرة الأولى. وفي أول حديث للسياسي الليبي بعد عملية اختطافه في العام 2013 قال إن “الكتل السياسية، التي من ضمنها جماعة الإخوان، تريد السيطرة على ليبيا وتعطيل إجراء انتخابات ديمقراطية فيها”.

حكاية زيدان مع الاغتراب الخارجي والعزلة تعود إلى ما قبل اندلاع ثورة 17 فبراير 2011 عندما كان معارضا لنظام القذافي ومستميتا في الدفاع عن قيام دولة ديمقراطية تحت راية الجبهة الوطنية للإنقاذ التي كان من أبرز مؤسسيها.

يروي زيدان تفاصيل مثيرة عندما يتحدث بحرقة عن الوضع السياسي في بلاده وانشغالاته فيقول “أنا منشغل بكل ما يتعلق بالسياسة الليبية. مهمتنا وهدفنا المرحلي اليوم أن نستعيد الدولة في ليبيا. الدولة اختفت. همّنا الوحيد أن تستعيد الدولة عافيتها وفاعليتها”. فيما يتقمّص صديقه ورفيق دربه الشاعر والكاتب الليبي عمر الكدي دور الراوي ليقول عنه “تعرفت على علي زيدان في المنفى عام 2008. كان يقيم في ألمانيا وينشط في الرابطة الليبية لحقوق الإنسان. لم أجد منفيا ليبيا يعرف التطورات اليومية في بلده مثل علي زيدان، فهو قادر على الحديث بلغة مشفّرة مع مصادره داخل البلاد، بحيث لا ينتبه من يراقب المكالمة لحجم المعلومات التي يحصل عليها”.

ويضيف الكدي “خلال مؤتمر عقد بمدينة الجديدة المغربية عام 2009 وجدت عددا كبيرا من أعضاء اللجان الثورية وأعضاء جهاز الأمن الخارجي والداخلي يشاركون في المؤتمر، وكنا فقط ثلاثة علي زيدان وأبوشويقير وأنا، وعندما بدأت الجلسات دُعي علي زيدان لقراءة تقرير الرابطة الليبية لحقوق الإنسان، وبمجرد جلوسه خلف المنصة، اندفع أعضاء اللجان الثورية والمخابرات ومنعوه من قراءة التقرير. كان هادئا جدا بينما انفعلت ووقفت فوق الكراسي وأخذت أخاطب الحاضرين بأعلى صوتي وأنا أصرخ ‘أنظروا ثقافة اللجان الثورية والمخابرات. يمنعونه من قراءة تقرير وهو في المغرب. فماذا سيحدث له لو عاد إلى ليبيا؟’. بعد أن عدت إلى مقعدي، اكتشفت أن عددهم أصبح كبيرا، وأنهم استدعوا الطلبة الليبيين الذين يدرسون في المغرب، عندها خشيت عليه فقفزت باتجاه المنصة ووقفت خلفه، وقلت له: اقرأ التقرير. لكنه أخذ يماطل بذكاء، فيهمُّ بقراءة التقرير وعندما يراهم يندفعون نحو المنصة يتوقف، وأخيرا قال لهم: طيّب لا تريدون قراءة التقرير لن أقرأه. وهنا انفعلت بشدة طالبا منه قراءة التقرير، فرد عليّ بهدوء قائلا: وماذا يوجد في التقرير؟ أليس ما حدث الآن أمام كل هؤلاء الشهود أفضل من كل التقارير؟ هذا هو زيدان كما عرفته. ذكيّ وعمليّ، حكيم وبعيد النظر، ولكنه في نفس الوقت ضعيف وسط هذه الميليشيات، ولا يجيد استخدام القوة حتى عندما تتوفّر له، وعندما اختير رئيسا للوزراء قلت لأصدقائي إذا لم يخرجنا زيدان من هذه الورطة، فلن يخرجنا أحد”.

تيار الإسلام السياسي يجد في ليبيا خاصرة رخوة ومجالا واسعا ليمتد فيهما نفوذ الجماعات الإسلامية ويقوى عودها، ومن ذلك كتيبة ثوار ليبيا التي كان يرأسها عبدالحكيم بلحاج والتي أعلنت مسؤوليتها عن اختطاف رئيس الوزراء السابق علي زيدان في المرة الأولى

بدا كلام الكدي فعلا على قدر عال من الصحة والمصداقية، فهو العليم بأسرار الرجل وبتدبّره للمسائل ومنها خصوصا مسألة قيام حكومة ليبية ديمقراطية مثلما كان ينادي دائما.

علي زيدان المولود في مدينة ودان عام 1950، انضم في عمر الثلاثين إلى الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا “معارضة لنظام القذافي”. هو محام في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان وعضو مؤسس للرابطة الليبية لحقوق الإنسان. كان ممثلا لرئيس المجلس الوطني الانتقالي في فرنسا وأوروبا.

وهو أيضا صاحب مجهود في نيل اعترافات الدول الأوروبية بالمجلس الانتقالي بعد ثورة 17 فبراير 2011. أول شخصية ليبية تشكل حكومة وفاق وطني بسبع وعشرين وزارة. أسس حزب الوطن للتنمية والرفاه الذي ينادي بدولة ديمقراطية ليبية موحدة بنظام لامركزي. ترشح كمستقل في انتخابات المؤتمر الوطني العام عن منطقة الجفرة.

أصبح رئيسا للوزراء من الـ14 من نوفمبر 2012 إلى غاية الـ11 من مارس 2014 بعد أن صوّت المؤتمر الوطني العام بحجب الثقة عن حكومته وتكليف وزير الدفاع عبدالله الثني بمهام رئاسة الحكومة إلى حين انتخاب رئيس وزراء جديد.

انتخب كأول شخصية تحصل على التأييد من الشعب في انتخابات حرة وديمقراطية في تاريخ ليبيا في السابع من يوليو 2012 بعد الإطاحة بنظام معمر القذافي، وهو عضو في المؤتمر الوطني العام أعلى هيئة سياسية في ليبيا. وعن ذلك يقول بنفسه “أنا أول رئيس وزراء ليبي يُنتخب ويُختار بطريقة ديمقراطية من خلال البرلمان أو مجلس منتخب. جئت بالانتخاب وعندما رأى البرلمان أو المؤتمر الوطني العام إقالتي، رغم بطلانها التام والواضح والأكيد، التزمت بما قرره البرلمان ورفعت دعوى لدى المحكمة الليبية”.

ولد زيدان ونشأ في عائلة تجارية، وبعد إنهاء دراسة بقسم الآداب في عام 1975 انضم إلى السلك الدبلوماسي الليبي. وفي نهاية السبعينات من القرن الماضي عيّن سفيرا لليبيا في الهند، لكنه استقال بداية من الثمانينات وانضم إلى المعارضة في المنفى ضد نظام القذافي تحت راية الجبهة الوطنية للإنقاذ الليبية التي كانت تجمع المعارضين الليبيين في الخارج.

تقول تقارير لوكالة الصحافة الفرنسية فرانس برس إنه خلال سنوات المنفى عاش خصوصا في ألمانيا قبل أن ينفصل عن الجبهة ويركز من جنيف على دعم مسألة حقوق الإنسان في ليبيا التي كانت ديدنه في الحياة.

الاختطاف عنوانه الأكبر

عزله من منصبه وتعيين وزير دفاعه عبدالله الثني مكانه لم يثن زيدان عن تأييد خليفة حفتر

الأنباء عن اختطاف علي زيدان متواترة ومستفيضة بشكل يوحي بأن الرجل بات عرضة في كل لحظة لعمليات من هذا النوع وطرق ابتزاز ومساومة من جماعات الإسلام السياسي في ليبيا.

حدث ذلك للمرة الثانية تواليا بعد أن تم اختطاف الرجل في العام 2013 من قبل مجموعة أعلنت في ما بعد انتماءها إلى غرفة ثوار ليبيا. في الأثناء وحتى بعد إطلاق سراحه الثلاثاء الماضي ورغم غياب أيّ أدلة أو براهين عن الجهة الخاطفة هذه المرة، فإن أصابع الاتهام تتجه نحو جهات بعينها من الجماعات الإسلامية المحسوبة على تيار الإخوان المسلمين الذي تكافح الدوحة لزرعه في ليبيا وتستميت في الدفاع عنه وتنفق عليه بسخاء.

ويروى في ملابسات الاختطاف الثاني أن مجموعة مسلحة مجهولة أقدمت على اختطاف علي زيدان أثناء تواجده بأحد الفنادق بالعاصمة الليبية طرابلس لتقوده إلى جهة غير معروفة.

ولا يزال مغزى الاختطاف الجديد لرئيس الوزراء السابق علي زيدان غير واضح حتى الآن، في ظل ردود فعل محلية اتجه أغلبها إلى تحميل المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني مسؤولية الاختطاف، حيث كان مجلس النواب الليبي برئاسة عقلية صالح طالب بإطلاق سراح زيدان دون قيد أو شرط، قبل أن يتم ذلك فعلا، محمّلا المجلس الرئاسي مسؤولية اعتقاله. وأعرب المجلس في بيان له عن استنكاره وإدانته لاحتجاز زيدان، متهما دورية مسلحة تابعة لقوات المجلس الرئاسي باقتياده إلى جهة مجهولة.

وفي ذات السياق يؤكد عضو مجلس النواب علي السعيدي أن زيدان قدم إلى العاصمة طرابلس بناء على ترتيبات مع رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق فايز السراج، كما أن ذلك تم بالاتفاق مع قادة بعض الكتائب المسلحة في طرابلس من أمثال هيثم التاجوري وهاشم بشر وعبدالرؤوف كارة، وهم عناصر “دولارية” مهمتهم تنفيذ أجندات انتقامية في ليبيا ولا يأتمرون أو يطيعون سوى من يدفع أكثر. وأوضح السعيدي أن زيدان يتعرض لانتقام سياسي من قبل ما أسماه بـ”تيار الإسلام السياسي” الذي يسيطر على العاصمة.

إلى ذلك رفض مصدر في المجلس الرئاسي الليبي تحمّل مسؤولية تأمين زيدان، وقال “لم نعلم سبب زيارته لطرابلس، ولم تكن للرئاسي علاقة باجتماعاته”. وسبق لزيدان أن غادر ليبيا بعد عزله من رئاسة الوزراء في الـ11 من مارس 2014 بعد أن صوّت المؤتمر الوطني العام على عزله من منصبه وتعيين وزير دفاعه عبدالله الثني مكانه قبل أن يعود إلى ليبيا في يونيو من نفس العام ويعلن تأييده للقائد العام للجيش الليبي خليفة حفتر وللحملة المسلحة التي يشنها على المجموعات المتطرفة الخارجة عن السيطرة.

زيدان قال إن “عملية الكرامة يجب أن تحظى بدعم الشعب الليبي (..) لأن هدفها اقتلاع الإرهاب والعنف وبناء جيش وطني”. وذكر أنه لا يزال ينتظر قرار القضاء بشأن إقالته والتي يعتبرها “غير قانونية”.

وجاءت عملية الاختطاف بعد خمسة أيام من إلقاء القبض على أبوأنس الليبي القيادي في تنظيم القاعدة على أيدي مجموعة كومندوس أميركية بالعاصمة طرابلس. وأعلنت غرفة ثوار ليبيا حينها مسؤوليتها عن العملية قائلة إنها تأتي كردة فعل على السماح للحكومة الأميركية باعتقال أبوأنس الليبي.

هنا يلوح الدور الفاعل الذي كان يلعبه الرجل في خدمة ليبيا وأهميته ووزنه في ضبط الإيقاع حتى وهو معزول داخليا رغم الحصار المطبق عليه. زيدان يُتّهم من خصومه الإسلاميين بالوساطة والتدخل الأمني والاستخباراتي تحديدا للكشف عن مواقع الإرهابيين والمساعدة في تصفيتهم. وأبوأنس الذي كان مطلوبا لدى الإدارة الأميركية ليس استثناء في هذا الخصوص.

قطر من خلف الأبواب

زيدان يعد أول شخصية ليبية تشكل حكومة وفاق وطني بسبع وعشرين وزارة

يقول زيدان في معرض حديثه عن المعاناة التي عاشها من الإخوان المسلمين في ليبيا إنهم “كانوا ضدّي عندما رشّحت للمؤتمر الوطني العام وكان أكثر الناس محاربة لي جماعة الإخوان المسلمين وحزب العدالة والبناء.. هذا ليس سرّا. عندما تقدمت لرئاسة الوزارة استمعت لأخبار من قبيل ألاّ أصل إلى هذا الموقع. وعندما تسلّمت الحكومة دعوتهم وطلبت منهم المشاركة في الحكومة وقبلوا المشاركة عن مضض، فكانت لهم العديد من الوزارات الحيوية على رأسها النفط والاقتصاد والكهرباء”.

إن المدقق في حديث زيدان سيكتشف “جرأة” يمتلكها الرجل الذي تعايش مع هذه الكتل الإسلامية، سواء داخل المؤتمر الوطني العام أو داخل الحكومة، وخبر دهاءها لسنوات في المنفى ليعلن صراحة عن الهدف الذي تنشده “بالرغبة في السيطرة على ليبيا وجعلها ‘إمارة’ للتنظيم الدولي في إشارة إلى تنظيم الإخوان المسلمين” الذي تتزعمه قطر في المنطقة ولأجله مستميتة ومستعدة لفعل كل شيء عدا المصالحة والعودة إلى رشدها مع جيرانها الخليجيين.

زيدان لا يخشى الإفصاح عمّا يقف وراء هذه المجموعات حتى وإن غابت لغة التصريح وحضر أسلوب الغمز الذي يؤكد ارتباطات هؤلاء الخارجين عن الدولة بالتنظيم الدولي للجماعة التي باتت جماعة إرهابية بقرارات رسمية صادرة عن العديد من الدول العربية وتحديدا الدول المقاطعة ومنها القاهرة والرياض وأبوظبي، ويذهب إلى حد اعتبار التنظيم الذي فشل في إقامة “إمارته” الإسلامية في كل من أفغانستان والصومال “يريد اليوم السيطرة على ليبيا”.

كلام زيدان يجد صداه في أن الجماعات التي تموّلها قطر لدعم مشروعها في المنطقة “لا تريد استتباب الأمن في بلاده ولا إقامة دولة”، ويعترف بذلك عندما يؤكد أنه لحين تتاح “للتنظيم الفرصة ويصبح المجال ملائما أمامه لتصفية خصومه السياسيين”. وإذا كان زيدان منذ خروجه مضطرا بعد سحب الثقة منه من طرف المؤتمر الوطني العام، فإن تكتل الإسلاميين وسعيهم الدائم إلى العبث بثروات ليبيا وإنهاكها اقتصاديا خدمة لمشروع الدوحة الكبير جعلا منه سياسيا مؤثرا وخصما عنيدا.

12