"ذا ستيت".. رحلة واقعية إلى الدولة الإسلامية

الجمعة 2017/08/25
دراما بريطانية تقترب أكثر من واقع داعش

لندن - عندما تنهال دموع الطبيبة شاكيرا أمام ضابط الاستخبارات الداخلية البريطانية “إم آي 5″، الذي يعكف على استجوابها في مطار هيثرو، يمكن لمشاهد مسلسل “ذا ستيت” (الدولة) أن يشعر للحظة خاطفة بتعاطف مع شخصية مليئة بالعواطف والطموح والصدق، التي لم تمنعها من تحدي أفكار كثيرة لا تستطيع هضمها.

لكن مخرج المسلسل البريطاني بيتر كوزمنسكي لم يطرح رؤيته كي يبدو معتذرا عنها، في نهاية مسلسل انتهى عرض حلقته الرابعة والأخيرة على القناة الرابعة البريطانية مساء الأربعاء، ويبدو أنه سيلعب دورا محوريا في جعل كل من يرغب بالسفر إلى سوريا والعراق يعيد التفكير مرة أخرى.

وهذا أول عمل درامي يقترب كثيرا من الحقيقة، إذ أظهر تفاصيل حياة يومية بين صفوف تنظيم داعش تقوم فلسفتها على فصل الرجال عن النساء، بينما ينظر واجب كل رجل في التنظيم كمحارب، وكل امرأة كظهير يسهر على تلبية رغباته.

ولا تخفي شخصية جلال، التي يقوم بها الممثل البريطاني من أصول آسيوية سام أوتو، قلقها الدائم خلال رحلة تتبعه لخطى شقيقه، الذي انضم إلى صفوف التنظيم في الرقة، قبل أن يخبروا عائلته أنه مات “شهيدا”. ولاحقا سيتسبب تنفيذ زياد، صديق جلال المقرب، لعملية انتحارية في اهتزازه نفسيا طوال الأحداث اللاحقة.

والصراع الداخلي الذي سيطر على جلال طوال الوقت، كان سببا في وقوعه لاحقا في قبضة جهاز داعش الأمني، خصوصا بعد تعاطفه مع صيدلي متهم بالعمل لصالح جهاز الاستخبارات المركزية الأميركية “سي آي إيه”، الذي سيقطع رأسه لاحقا أمام عيني جلال.

وتقوم رؤية كوزمنسكي، الذي كتب أحداث المسلسل وأخرجه، على تتبع خطى أبطاله الأربعة عبر مسارات مختلفة. ففي الوقت الذي كانت تسعى فيه أوشنا، التي تجسدها الممثلة البريطانية شافاني كاميرون، إلى استعادة اتزانها بعد موت زوجها في أرض المعركة، كانت شاكيرا تحاول الهروب من الزواج من مسؤول داعش عن المستشفى الذي كانت تعمل به.

ولجأت شاكيرا، التي تجسدها الممثلة البريطانية أوني أوهيارا، مجبرة إلى الزواج من زميلها الشاذ جنسيا، إذ قيل لها إنها لا يمكن أن تتحرك بحرية وتذهب إلى العمل من دون “محرم”. وهكذا فعلت أوشنا، المراهقة التي قطعت الآلاف من الأميال من بريطانيا إلى سوريا بحثا عن صورة “البطل” التي طبعت في ذهنها عبر دعاية التنظيم على مواقع التواصل الاجتماعي. وتسبب موت الزوج، الذي كانت تتواصل معه عبر تطبيق ترجمة على هاتفها، بانهيار أوشنا وضياع بوصلتها.

وبعدها بقليل أبلغت المسؤولة عن سكن الحريم، شاكيرا أيضا بـ”استشهاد” زوجها، الذي لم يكن يؤمن حقا بالخلافة، لكنه كان مجبرا على القتال. وفي هذه اللحظة قررت شاكيرا الهرب، والعودة إلى بريطانيا. لكن ابنها إسحاق، الذي لم يتجاوز سن البلوغ بعد، ظل عائقا أمامها.

وكان إسحاق هو الوحيد من أبطال المسلسل الذي استغرق كثيرا في أيديولوجيا الدولة الإسلامية. وفي أحد المشاهد الصادمة، وقفت والدته تبكي بعدما رأته يلعب كرة القدم مع أصدقائه برأس أحد ضحايا التنظيم المتشدد، دون أن يرف له جفن.

لكن بعد إصرار مسؤول المستشفى على الزواج منها، بعد مقتل زوجها الأول، لم يستغرق إقناع إسحاق بالفرار وقتا طويلا، إذ اضطرت شاكيرا لوضعه أمام الخيار الصعب، فيما بدت عاقدة العزم على العودة إلى بريطانيا.

وفي نفس الليلة التي تمكنت فيها شاكيرا من سرقة جواز سفرها وبدأت في التحرك بصحبة إسحاق، كان جلال يقود سيارة من نوع “جيب” باتجاه الحدود السورية مع تركيا لتهريب جارية وابنتها، كان اشتراهما من سوق بيع الجواري حتى لا تسقطان في يدي أحد هؤلاء المقاتلين الذين يهوون استعباد النساء وتعذيبهن.

واعتقل عناصر التنظيم جلال على الحدود، وقتلت الجارية وابنتها الصغيرة أمام عينيه، بعد يوم واحد من فشل والده، الذي جاء من بريطانيا بالاتفاق مع الاستخبارات، من أجل إقناعه بالعودة بصحبته.

وبعد رفضه قطع رأس “عميل سي آي إيه” المفترض، اعتقل جلال وقاده صديقه البريطاني، الذي استقبله عندما جاء في بداية الحلقة الأولى من أجل الالتحاق بصفوف التنظيم، إلى أحد مراكز التعذيب.

وفي هذا اليوم كانت شاكيرا لا تزال أمام ضابط “إم آي 5″ الذي وضعها أمام خيارين: إما التحول إلى عميلة تتجسس على المسلمين في بريطانيا لصالح الاستخبارات، وإما أن تقضي الثماني سنوات المقبلة في زنزانة بأحد السجون. وفشلت كل محاولات شاكيرا لإقناعه باستخدامها من أجل إقناع المسلمين بعدم جدوى دعاية داعش، وشرح الفظائع التي فرت منها، لعلها تساعد في تقليل معدلات سفر المسلمين من أجل الانضمام إلى التنظيم.

ورغم تعمد كوزمنسكي إثارة التعاطف مع شاكيرا، لكن حسم الضابط في جوابه على شرطها باستعادة إسحاق من الإصلاحية إذا ما وافقت على التعاون مع الاستخبارات، كان كافيا لإفاقة المشاهد على ضرورة أن تدفع شاكيرا ثمن خطئها في حق ابنها أولا. وقال الضابط بلهجة قاطعة “ربما نعيد إسحاق إليك في وقت ما لاحقا، نكون فيه قد تأكدنا من أنك أم صالحة فعلا”.

1