الجري رياضة متكاملة تحمي الجسم من الأمراض وتقي الدماغ من الخرف عند الكبر

تجزم غالبية الدراسات العلمية أن لرياضة الركض العديد من الفوائد الصحية والبدنية، غير أن الكثير من المولعين برشاقتهم وصحتهم يجدونها من الرياضات المرهقة والتي تتطلب جهدا كبيرا خاصة في البداية. وهو ما دفع خبراء الصحة واللياقة إلى البحث في الطرق المثلى لممارسة الركض التي تشجع المبتدئين على أن يستبعدوا من أذهانهم التفكير في التعب والجهد ويرون فيهما أكثر سهولة وإمتاعا.
الأحد 2017/08/20
العدو تصفية للذهن وتحسين لتدفق الأكسجين إلى العضلات والمخ

لندن – كشفت دراسة كندية حديثة أن الجري في سن المراهقة يساعد على عدم تطور مرض الخرف في الثمانينات من العمر، حيث أظهرت العشرات من البحوث أن الركض يحفز خلايا الدماغ ويحافظ على الذكريات من النسيان.

كما بيّنت العديد من الدراسات الفوائد التي يجنيها ممارسو رياضة الركض ومن بينها تقوية العضلات والعظام والحماية من البدانة عبر حرق السعرات الحرارية وتحسين عملية التنفس إلى جانب المساعدة في تأخير الشيخوخة.

وأظهرت أبحاث الدراسة الكندية التي أجريت في جامعة تورنتو أن الآثار تكون أكثر قوة إذا اعتمد الأفراد الجري كعادة يومية في وقت مبكر من العمر. وفي تجربة على الفئران شهد فريق البحث تحسنًا طويل الأمد في التعلم والذاكرة لدى الفئران التي تم وضعها على عجلة الجري منذ الولادة.

ويقول الخبراء إن “نتائج الدراسة يجب أن تكون علامة حمراء لنا جميعًا، حيث أن عاداتنا في سن المراهقة والعشرينات من العمر قد تؤثر على صحة الدماغ في وقت لاحق”. وأوضح المؤلف الرئيسي للدراسة مارتن فوغتويتز أنه من المعروف أن الجري يقوم بتحفز كبير وزيادة في تكوين الخلايا العصبية لدى الكبار ويقوم بتعزيز الوظيفة المعرفية لدى الحيوانات والبشر.

وأضاف فوغتويتز “هذا هو أول دليل على مثل هذا التأثير على المدى الطويل وتأكيد نموذج حيواني على الاحتياطي المعرفي، واستند هذا النموذج إلى العديد من الدراسات البشرية”. وضم فوغتويتز، وهو أستاذ قسم علم وظائف الأعضاء، مجموعة مكونة من 40 فأرا يبلغون شهرا واحدا من العمر في أقفاص مع عجلات تشغيل و40 أخرى في أقفاص بدون عجلات.

الجري في سن المراهقة يساعد على عدم تطور مرض الخرف في الثمانينات من العمر، حيث يحفز خلايا الدماغ ويحافظ على الذكريات من النسيان

وأدخل الجري على العجلات لمجموعة منها بشكل تدريجي بينما لم تحصل الفئران الأخرى على شيء، وفي النهاية وجد فريق البحث أن ستة أسابيع من الجري وأن شهر واحدا فقط من العمر كانا كافيين للحث على حدوث تأثير طويل الأمد على التعلم.

كما أنه حسّن ذاكرة الفئران في استجابة الخوف والتي تعتمد في الأساس على الخلايا العصبية التي ولدت حديثًا في الدماغ. وتوضح أن نشاط الخلايا العصبية الوليدة البالغة أكثر تقدمًا وقوة بالمقارنة مع الفئران الموجودة في قفص بدون عجلة تشغيل.

وتتفق النتائج على فكرة الاحتياط المعرفي حيث يعتمد المخ على إثراء الخبرات في الشباب للتعويض عن الانخفاض الوظيفي نتيجة للسن أو المرض، ولذلك فإن التدخلات في الحياة باكرًا بزيادة النشاط البدني قد تساعد على بناء هذا الاحتياط مما يؤخر ظهور الاضطرابات العصبية مستقبلًا مثل مرض الزهايمر.

وفي العام الماضي أظهر الباحثون في جامعة أريزونا الأميركية أن الهرولة في الصباح الباكر يمكنها أن تعيد تنشيط الخلايا العصبية في الدماغ أكثر بكثير من الركض في أيّ وقت آخر من اليوم. ومع ذلك فإن هذا البحث هو أول بحث وضع خطوطًا عريضة وجدولا زمنيا وأوضح تأثير الجري مع مرور الوقت وبيّن أهمية وفائدة العدو في وقت مبكر من العمر.

ويرى خبراء اللياقة والصحة أن الركض يمكن أن يغير حياة ممارسه إلى الأفضل، ويكون سببا في التعرف على أصدقاء جدد والذهاب إلى أماكن جديدة، ويمكن أيضا أن يمنح نظرة جديدة للأماكن والطرقات التي يمرّ منها كل يوم. وبحسب كايت كارتر المحررة المختصة في الرياضة والركض في صحيفة الغارديان البريطانية فإن “العدو يمكن أن يكون متعة خالصة تطرب لها أو جهدا متعبا للقلب، وفي بعض الأحيان في تمرين واحد”.

وتضيف أن “الدفع بالنفس إلى أقصى حدودها في سباق يمكن أن يكون تصرفا مازوشيا متوحشا، كما يمكن أن يكون مجرد الجري ومشاهدة الأرض وهي تتراجع تحت الأقدام مدهشا لمعرفة قدرة الجسد الآدمي على التأقلم والتحسن”.

فرياضة الجري أو العدو تصفي الذهن إذ تقوم بتحسين تدفق الأوكسجين إلى العضلات والمخ، ويمكن أن تكون في آن الوحدة التي تسبب السعادة الأكبر أو الرياضة الأكثر اجتماعية.

التخطيط مفيد

يمكن للجميع ممارسة الركض مهما كان العمر أو الحجم، فهو يمكّن الشخص من أن يصبح أكثر نشاطا وأكثر سرعة في حركته اليومية وأن يكتسب صحة أفضل، إذ تبرهن الدراسات المتوالية بأن العدو يجلب فوائد هائلة بدءا من تخفيض إمكانية الإصابة ببعض أنواع السرطان والسكري صنف 2 وأمراض القلب، وصولا إلى خفض إمكانية الإصابة بارتفاع ضغط الدم والسكتة الدماغية، إلى جانب فوائد الصحة العقلية.

الركض يمكن أن يكون رياضة رخيصة جدا، فهو لا يتطلب ملابس ولا معدات باهظة الثمن إلا من يريد ذلك وما يستحق أن يستثمر فيه ممارسو العدو هو الحذاء

وينصح المختصون في العدو بوضع خطة للبدء في ممارسة هذه الرياضة لبلوغ نتائجه بشكل أسرع من مجرد الارتجال. ويؤكدون على أن الخطة يجب أن تكون ملائمة للحالة البدنية للشخص المبتدئ ما يعني عدم إجهاد نفسه بسرعة مفرطة، وفي وقت وجيز وعدم المجازفة بالإرهاق وخوض سباق دون الاستعداد الجيد لذلك.

وهناك برامج وخطط يمكن أن يقدّمها الخبراء في اللياقة البدنية إلى المبتدئين بالكامل تكون مختلفة تماما من حيث نوعية ووقت التمرين عن تلك التي تصمّم للذين يتمتعون بلياقة جيدة، فقط يجب أن يحسن الشخص اختيار الخطة التي تتلاءم مع أهدافه وحالته الصحية.

الجميع يكافح من أجل إيجاد الحوافز في بعض الأحيان حتى المحترفون منهم. والجميع يجد العدو صعبا في نقطة معينة، لكن من الطبيعي جدا أن تجد الأمر شاقا في البداية أو بعد فترة استراحة. وللعدو منحنى تعليمي حاد لا يتعلق فيه الأمر بالعقل بقدر ما يتعلق بالعضلات غير المتعوّدة على الصدمات. لذا لا يجب التوقف عن ممارسة هذه الرياضة بعد الركض للمرة الأولى أو الثانية أو حتى الثالثة، وهذا فعلا هو الجزء الأصعب بحسب المختصين.

وعند تجاوز المرات الأولى الصعبة واختفاء آلام العضلات يمكن جعل العدو ممارسة اجتماعية يمارسها الفرد رفقة شخص مقرّب مثل أحد الأصدقاء ما قد يجعل من الركض المجهد يشبه نزهة للدردشة. ويمكن الانضمام إلى ناد للعدو حيث يوجد عداؤون من كل المستويات والأعمار. ما يمكّن المبتدئ من أن يستفيد من إحاطة نفسه بأشخاص يحبون الركض ولديهم شعور إيجابي نحوه ما من شأنه أن يؤثر عليه.

المعدات والنسق المناسب

الركض يمكن أن يكون رياضة رخيصة جدا، فهو لا يتطلب ملابس ولا معدات باهظة الثمن إلا من يريد ذلك. وما يستحق أن يستثمر فيه ممارسو العدو هو الحذاء الذي ليس من الضروري أن يكون باهظ الثمن أو من الطراز الأكثر روعة، لكن يجب أن يكون من النوع المناسب لأسلوب الركض الخاص بكل شخص. ويجب أن يركز الشخص الذي ينوي ممارسة العدو في اختيار نسق التمارين الذي يناسبه وليس من العيب في شيء الركض بالنسق ذاته عدة مرات في الأسبوع، فالركض ليس من الضروري أن يكون تنافسيا سواء مع الناس الآخرين أو مع الجهود السابقة. لكن إن كنت تريد أن تسرع فمن الضروري أن تراوح بين الجهد السريع والبطيء وإحدى الطرق لفعل ذلك تخصيص يوم في آخر الأسبوع للركض لمسافة طويلة بنسق منخفض وربما يمكن زيادة المسافة (ليس أكثر من) ميل في الأسبوع.

الكثير من العدائين يعتبرون أي تدريب غير الركض الفعلي مضيعة للوقت. وهذا خطأ إذ أن العمل الأساس وعمل القوة والتأقلم مهم جدا سواء للتوقي من الإصابات أو تحسين شكل الركض واقتصاد الطاقة المطلوبة للركض، مثلا عندما نتعب في الركض لمسافة طويلة نميل إلى الانحناء إلى الأمام، لكن إذا كانت البنية الجسدية قوية ستحول دون ذلك.

وترجع الكثير من المشاكل المتعلقة بالعدو مباشرة إلى كون عضلات الورك الأساسية التي هي أكبر مجموعة عضلية في البدن لا تقوم بنصيبها العادل من الجهد ببساطة. فخمس دقائق في اليوم للقيام بتمارين موجّهة يمكن أن تجني ثمارا جيدة، وتوجد الكثير من التطبيقات والفيديوهات على الإنترنت للمساعدة في ذلك.

وعموما يهضم الجسم الكربوهيدرات البسيطة (الخبز المحمص والعصيدة والحبوب) بشكل أسرع من هضمه للبروتينات، لذا فإن شطيرة خبز مع زبدة الفول السوداني مثلا قبل حوالي ساعتين من التمرين الرياضي تفي بالغرض. وما لم يكن ذلك التمرين مجهدا فلا حاجة إلى مشروب بروتين سحري بعد ذلك.

أما بالنسبة إلى العدو لمسافات طويلة فالجسم لديه عادة ما يكفي من الكربوهيدرات المخزنة لتوفير الطاقة لقرابة 90 دقيقة، وبعدها من الضروري تناول بعض المواد الهلامية. كما أن الركض “صائما” (أي قبل فطور الصباح) طريقة جيدة لتعليم الجسم استخدام مخزوناته غير المحدودة تقريبا من الدهون بشكل فعال.

19