فراس الخالدي: لا حل للأزمة السورية دون تدخل عربي فعال يوقف التمدد الإيراني

بدأت البعض من الدول العربية خلال الأسابيع الماضية سعيها بجدية إلى تدخل مباشر في الأزمة السورية، ولم يعد خافيًا دور مصر في هذا الخصوص من خلال رعايتها لاتفاقيتي هدنة في الغوطة الشرقية وشمالي حمص، كما أن السعودية أعلنت استعدادها لاستضافة مؤتمر للمصالحة السورية بالرياض يضم أطيافا كثيرة.
الجمعة 2017/08/18
لا حلول سياسية دون وقف القتال

القاهرة – يؤكد العديد من المراقبين والمحللين السياسيين العرب على أن الأزمة السورية لا يمكن أن تتحلحل دون تدخل من الدول العربية ودون مشاركتها في رسم الحلول وتوفير أرضية ملائمة لضمان فرص نجاحها. المُعارض السوري فراس الخالدي تحدث إلى “العرب” في القاهرة عن أهمية تلك الأدوار العربية، وإمكانية نجاحها، وأيضًا عن مدى تقبّل أطياف المعارضة المختلفة لها.

توقّع الخالدي أن تكون التحركات المصرية حال نجاحها وتوسعها جغرافيا بمثابة مدخل للتفاوض المباشر مع النظام السوري، وكشف عن وجود هدنات جديدة في عدد من المدن السورية سيتم الإعلان عنها خلال الأيام المقبلة. وأكد أن تلك الهدنات من المتوقع أن تكون بالمدن القريبة من دمشق بالإضافة، إلى البعض من المدن الأخرى في أماكن متفرقة من الدولة السورية، على غرار ما تم مؤخرا في الغوطة وحمص.

كما كشف فراس الخالدي، رئيس منصة القاهرة بالمعارضة السورية في مفاوضات جنيف، في حديثه لـ”العرب” عن وجود توافق سعودي مصري بشأن وقف التمدد الإيراني في سوريا، ما نتج عنه ما يشبه “التفويض” العربي لمصر لتكون ضامنا للهدنات العسكرية التي تجري حاليا كمقدمة لحل سياسي أكبر تشارك فيه الأطراف العربية كضامن لتطبيق ما ينتج عنه من قرارات.

وبحسب الخالدي فإن منصة القاهرة التي يتولى رئاستها تضم أطيافًا معارضة من الائتلاف السوري وشباب الحراك الثوري والمجلس الوطني الكردي وقيادات معارضة بالداخل، وعددًا من قيادات الجيش السوري الحر والبعض من المستقلين، ووصل عدد المشاركين في المؤتمر الأول لها إلى حوالي 180 شخصية.

أوضح الخالدي أن البلدان العربية أدركت أن إيران لن تتوقف عن التمادي في مشروعها القومي التمددي داخل البلدان العربية، طالما ظل هناك غياب عربي كامل لصد ذلك التمدد، ولفت إلى أن جانبا من الهدنات التي تم الاتفاق عليها بعيدا عن الجانب العربي، سواء في مؤتمر أستانة أو ما تم الاتفاق عليه بشكل فردي، كانت ستؤسس لتقسيم سوريا إلى مناطق إدارية تخدم المخطط الإيراني.

إيران لن تتوقف عن التمادي في مشروعها القومي التمددي داخل البلدان العربية، طالما ظل هناك غياب عربي كامل لصده

وبرهن على ذلك بما نتج عن هذه الاتفاقيات من تغيير ديموغرافي في سوريا، مثلما حدث في مدن (داريا، القصير، الزبداني، مضايا)، وأكد أن المعارضة السورية قدّمت العديد من الاعتراضات على تلك الاتفاقيات، إلا أنها وجدت ردّا روسيّا مفاده أن “غياب الدور العربي يضعهم تحت الضغط الإيراني من دون أن يكون هناك طرف يقوم بالضغط المقابل”.

وأشار الخالدي إلى أن الوجود العربي الحالي في سوريا صبّ في صالح توقيع اتفاقيات هدنات ليس بها تسليم أو استسلام، وهذا الوجود (بالإضافة إلى الثقل الروسي) نجح في التأثير إنسانيا وبشكل إيجابي في القطاعات التي شملتها تلك الهدنات، وهو ما ستنتقل آثاره إلى جموع المعارضة التي ترى صعوبة في الجلوس إلى طاولة مفاوضات واحدة مع النظام طالما أن هناك حربا عسكرية ما زلت مستمرة.

واعتبر رئيس منصة القاهرة بالمعارضة السورية أن الغياب السياسي المباشر لكل من مصر والسعودية على مدار السنوات الماضية كان بمثابة ضربة قاصمة للشعب السوري، وكان سببا في فشل العديد من الحوارات السياسية مع النظام السوري، بل إنه كان من الأسباب الأساسية وراء فشل مفاوضات أستانة التي عقدت دون أيّ أطراف عربية، وشدد على أهمية وجودهما كضمانة لنجاح أيّ حل مستقبلي، على أن يكون ذلك مصحوبًا بوجود عسكري عربي تحت منصة جامعة الدول العربية والأمم المتحدة.

رهان على مصر

ترحيب المعارض السوري بوجود تلك القوات العربية مستقبلا، بناه على التقارب الثقافي والاجتماعي بين شعوب البلدان العربية، وهو ما يعتبر عاملا إيجابيا لمنع الشق السوري، وقال “إن ذلك سيمنع أيّ حجة لاستخدام البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة على الأراضي السورية، لكنه اشترط أن تقتصر أدوار تلك القوات على التهدئة ورأب الصدع ومراقبة تنفيذ الحلول السياسية”.

ويؤمن الخالدي بأن الحرب في سوريا لم تتحوّل إلى حرب طائفية مثلما كانت تريد إيران، صحيح أن هناك العديد من المجازر ارتكبتها الميليشيات الشيعية هناك ولم تجد ردا من السنة، لكن ذلك تم في إطار المشروع الفارسي القومي الإيراني، والذي لا يستهدف سوريا وحدها وإنما يشمل البلدان العربية جميعها، مؤكدا أن هذا المشروع نجح من قبل في العراق واليمن ولبنان نظرا لغياب التداخل العربي مع تلك القضايا وترك الساحة خالية أمام التحركات الإيرانية.

الخالدي يؤمن بأن الحرب في سوريا لم تتحول إلى طائفية مثلما أرادت إيران

الخالدي، وهو مؤسس مؤتمر القاهرة للمعارضة السورية الذي عقد في يناير 2015، يُعوّل كثيرًا على الدور المصري في سوريا في المستقبل القريب، ويرى أنها تستطيع أن تقوم بالوساطة بين الأطراف الداخلية والإقليمية المختلفة التي تتداخل بشكل مباشر مع الملف السوري، لافتا إلى أن رهانه على هذا الدور ليس نابعا من كونه معبّرا عن المعارضة السورية التي تنطلق من القاهرة، بل يعود إلى إيمانه بأن المعادلة السياسية الثابتة هي أن أيّ تقسيم للأراضي السورية سيرتد تأثيره على الأمن القومي المصري مباشرة، ومصر تدرك ذلك جيدًا.

ومن وجهة نظره، فإن ذلك العامل تحديدا هو ما يجعل القاهرة تتحرك وفق رسائل سياسية عقلانية مع الأطراف المختلفة لوقف مخططات التقسيم التي تجري على الأراضي السورية، بجانب نجاحها في كسب ثقة المعارضة المعتدلة الموجودة بها.

وأكد الخالدي أن القاهرة لم تتعاط مع أيّ من القضايا التي طرحتها المعارضة إلا بتعاطي “الراعي والمُيسّر” لها، كما أنها فصلت بشكل تام بين الضغوط التي تعرضت لها خلال فترات سابقة، بسبب موقفها من الأزمة السورية، وبين تعاملها مع جميع أطياف المعارضه.

في رأي الخالدي فإن “الأهمية الاستراتيجية لسوريا بالنسبة إلى مصر هي التي تطمئن العديد من الأطراف داخل المعارضة السورية إليها، ولذلك نرى تلك الأطراف بدأت في الآونة الأخيرة في إزاحة الحاجز الذي كان بينها وبين القوى الإقليمية العربية، وعلى رأسها مصر، بعد أن تبيّن لها حجم التوافق بينها وبين المصالح المصرية التي ترغب في إنهاء الصراع العسكري بما يصبّ في صالح الحفاظ على أركان الدولة السورية، لأن القاهرة لا تريد تكرار التجربتين الليبية والعراقية”.

وقلل المعارض السوري من إمكانية تأثير تباين مواقف المعارضة من الدور المصري على إفشال الهدنات التي تتم برعايتها، حيث لفت، إلى أن هناك قبولا متزايدا بشأن التقدم في إبرام العديد من الاتفاقيات المماثلة، وأن الأطراف التي لديها حساسية من الدور المصري الحالي تتلاقى مصالحها بشكل مباشر مع المصالح التركية والقطرية والإيرانية في المنطقة، التي تأثرت كثيرا بالمقاطعة العربية لدولة قطر، مشيرا إلى أن العديد من قوى المعارضة تحاول جاهدة حاليًا إيجاد مخرج من تلك التعارضات السياسية.

مع ذلك يعترف الخالدي بوجود أطراف سياسية عديدة داخل سوريا وخارجها تحاول تشويه الدور المصري، استنادا إلى ما روّجته جماعة الإخوان ومجموعة من المعارضين الليبراليين بأن القاهرة تقف في سلة واحدة مع النظام السوري. هي محاولات جرت لعرقلة الدور المصري منذ أن كانت القاهرة راعية لمؤتمر المعارضة الأول في عام 2015، والذي انبثقت منه منصة القاهرة باعتبارها ممثلا للمعارضة السورية.

الحل السياسي

يؤكد فراس الخالدي أن هناك استراتيجية جديدة من قبل المعارضة السورية للتعامل مع الأزمة، قائلا “إن أطرافًا عديدة داخل المعارضة وجدت أن الحل السياسي لا بد أن يكون بمشاركة روسيا، بالتالي فهي عملت على جلب موسكو إلى معسكرها وتحاول الآن أن تستغل العلاقات المصرية القوية مع موسكو لإقناع الطرف الروسي بهذا الحل”.

وأضاف “خلال مشاركتي في سبع جولات من مفاوضات جنيف وجدت أن المجتمع الدولي لن يعطي لأحد كفة راجحة، وأن الخروج من ذلك المأزق يتطلب أن نذهب إلى رؤية جديدة من خلال الالتفاف حول مصر باعتبارها راعية لمواقف المعارضة المعتدلة وبإمكانها التواصل مع الجانب الروسي، بحيث يتم التمهيد لتقديم مشروع حقيقي للحل السياسي إلى المجتمع الدولي بعيدا عن الروح “الانتقامية” الحالية والتي تقوّض أيّ جهود أممية”.

ورغم صعوبة الاستناد إلى الطرف الروسي باعتباره متقاربا مع الجانب الإيراني، إلا أن الخالدي لديه وجهة نظر مفادها أن المصالح الروسية الإيرانية أكبر من سوريا، وأن روسيا من الصعب أن تقف أمام العالم من أجل هذا الجزء من المصالح، خاصة وأن هناك تعارضا بينها وبين الطرف الإيراني في مجموعة من الملفات المتعلقة بالقضية السورية، وعلى رأسها الرغبة الإيرانية في تصدير الغاز إلى أوروبا عبر الآراضي السورية، وهو ما يغضب موسكو.

وأشار الخالدي في حديثه لـ”العرب” إلى أن المجتمع الدولي أضحى أكثر استعدادا للذهاب إلى حل سياسي ينهي الأزمة السورية، لكن هذا الحل يرفضه طرفان أساسيان؛ أولهما النظام السوري الذي يبحث عن الحل العسكري فقط وتأتي من خلفه التنظيمات الإرهابية وعلى رأسها تنظيم داعش، وثانيهما يتمثل في إيران التي تتسمك أيضا بالحل العسكري لإدراكها أن نجاح أيّ تهدئة في سوريا سينقل المعركة إلى داخلها وستخسر مشروعها الذي تسعى إليه.

الغياب العربي سبب فشل الحوارات السورية

وحول الاتهامات التي يوجهها البعض إلى المعارضة السورية بعرقلة الحلول السياسية، إما بسبب عدم اتفاقها على الحل وتباين وجهات نظرها أو لرفض البعض من أطرافها إنهاء الصراع القائم سياسيا، رفض الخالدي تلك الاتهامات، وقال إن “الحراك الثوري وشباب الجيش الحر والمعارضة بجميع أطيافها تبحث منذ اليوم الأول للثورة عن الحل السياسي، وتتوافق على أنه لا مكان للنظام السوري في المستقبل، غير أن تمسك النظام بالسلطة هو ما يفشل تلك الحلول”.

وذهب الخالدي إلى التأكيد على أن النظام السوري لم يوافق على الهدنات التي تمت برعاية مصرية روسية، ويعتبرها طعنة في الظهر له من قبل روسيا ومصر، والدليل على ذلك أن قوات النظام تحاول إفشالها حاليا من خلال اختراقها بقصف عدد من المواقع بريف حمص والغوطة الشرقية، بالإضافة إلى محاولتها السيطرة على تلك المدن بشكل سريع قبل إقرار الهدن.

وقال الخالدي “قبل أسبوع أعلن المرصد السوري لحقوق الإنسان أن أطراف العاصمة السورية دمشق والغوطة تشهد أعنف المعارك منذ بدء الهدنة بين قوات النظام السوري ومقاتلي المعارضة، وأن قوات النظام السوري استهدفت حي جوبر الدمشقي بأكثر من 40 صاروخا، ما تسبب في المزيد من الدمار بالحي الواقع عند الأطراف الشرقية للعاصمة، وأن تلك المعارك ترافقت مع قصف بأكثر من 30 قذيفة مدفعية استهدفت مواقع القتال ومناطق في جوبر وعين ترما”.

وقبلها بيوم واحد اتهم المرصد السوري القوات الحكومية السورية بخرق وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه برعاية روسيا داخل محافظة حمص في وسط سوريا، وقامت قوات النظام المتمركزة في قرية جبورين الموالية للنظام بقصف قرية أم شرشوح الواقعة تحت سيطرة الثوار.

كاتب مصري

12