تشارك في فك الأزمة وتعميق للتكافل الاجتماعي

الثلاثاء 2017/08/01
العادات القديمة للتكافل

"النقوط" في الأفراح مظهر حسن ومحمود لأنه أحد الموروثات والتقاليد التي تمارس في طقوس الزواج، والتي يجب أن لا تندثر مع مرور الزمن وينبغي أن يتناقلها الأبناء عن الأجداد، بل وأن يطوروها ويغيّروا من شكلها لتساير العصر، إذ أنها تصب في النهاية في غاية تعميق أشكال التكافل الاجتماعي بين الناس.

ظهرت تلك العادة وانتشرت في الكثير من المجتمعات القديمة ولازمت المقبلين على الزواج لفك ضائقتهم المالية، نظرا إلى حاجة صاحب الفرح في كثير من الأحيان إلى مساعدة الآخرين له بمختلف أشكالها؛ سواء كانت خدمات أو نقودا أو سلعا لتغطية التكاليف وتلبية المتطلبات التي تستدعيها مثل هذه المناسبات مع إمكان ردها في المستقبل.

الظاهرة تشكل جزءا من النسيج الاجتماعي للمجتمعات العربية ومقياسا حقيقيا لمحبة الآخرين للعروسين وتقديرهم لهما والتعبير عن مدى فرحتهم بزواجهما، فالإنسان كائن اجتماعي بطبعه.

ولا تقتصر قيمة النقوط على أهميتها الاجتماعية الموروثة فقط بل تتمثل في أهميتها المادية أيضا، حيث قد يضطر المُقدِم على الزواج أحيانا إلى استدانة مبالغ كبيرة للوفاء بالتزاماته الزوجية تحت وطأة الظروف الخاصة التي يعيشها، وهنا تأتي النقوط لتكون “المُنقذ” له من وطأة تلك الديون.

الظاهرة تشكل جزءا من النسيج الاجتماعي ومقياسا لمحبة الآخرين للعروسين وتقديرهم لهما والتعبير عن مدى فرحتهم بزواجهما، فالإنسان كائن اجتماعي بطبعه

ثم إنها على جانب آخر وعاء يدخر فيه “الدافع” مبلغا من المال سيحصل عليه إذا مر بمناسبة مشابهة فتكون متنفسه الصغير من أزمات قد يتعرض لها في بداية مشواره الحياتي، خاصة وأنّ البعض من عائداتها توظف لسد الثغرات المالية والديون التي خلَّفتْها طقوس الزواج، وبالتالي سوف يجد صاحب العرس بعد انقضاء الفرح مبلغا ماليا يواسيه ويعينه.

في أحيان كثيرة تسمو النقوط على الجانب المادي ليتعدّاه إلى الجانب المعنوي، من حيث خلق حالة شعورية يعبّر بها الأشخاص عن مشاركة وجدانية ومواساة للآخرين، علاوة على هذا تتحول “النقوط” لتصبح حديث الجلسات والسهرات كنوع من التفاخر وكدلالة على قيمة العروس لدى أهلها وأهل زوجها، خاصة عندما يكون هناك شيء مميز قد قُدم كـ”نقوط”، مثل الذهب من أساور وخواتم وغيرها، أو مبلغ مالي كبير تم إهداؤه للتباهي أمام المدعوين ما يمنحها الهيبة أمام الجميع.

اعتاد الناسُ في وقتِنا الحاضر على أنواع أخرى من النقوط أفرزتها طبيعة الحياة العصرية، كالمبالغ التي يجمعها الزملاء في العمل لمن يقبل منهم على الزواج أو لديه مناسبة بحيث تشكل في محصلتها دعما ماديا ولو بسيطا، وكذلك “تنقيط” المولود الجديد لمساعدة والديه في نفقاته، وأيضا تنقيط المريض بالمال لسد جزء كبير من تكاليف العلاج.

كما أن هناك نقوطا تدفع في الأحزان، فإذا ما مات في عائلة أحد أفرادها قام أحد الأشخاص بتحمل تكاليف تجهيز الطعام لأفراد تلك العائلة ومساندتهم ماليا، ثم إذا ما وقع من قام بالتكلفة هو أو أحد ذَويه في حزن مُماثل تحملَتِ العائلةُ الأولى مؤونةَ إعدادِ الطعام لها كمعاملة بالمثل ورد للجميل.

انتشر في بعض البلدان العربية أسلوب جديد للاستفادة من النقوط وللهروب من حرج تقديم النقوط بشكل مباشر وفج يحرج الطرفين، وهو إرفاق رقم الحساب البنكي الخاص بالعريس مع بطاقة دعوة حفلة الزفاف للاستفادة من نقوط الزواج، حيث يقوم كل شخص بالذهاب إلى البنك ووضع المبلغ الذي يتناسب مع وضعه المادي.

تلك الطريقة أتاحت للأقارب المقيمين خارج الدولة أيضاً المشاركة في مساعدة العريس والعروس، كما أنها توفر الوقت والجهد من خلال إمكانية تحويل المال عبر الإنترنت بدلاً من التجوّل في الأسواق والمحلات بحثا عن هدية باهظة الثمن قد تكون جهازا كهربائيا أو أداة منزلية قد لا يكون العروسين بحاجة إليها نظرا لتكرارها، ويتيح هذا الأسلوب للعروسين بعد الزواج شراء ما يحتاجانه فعلا على ذوقهما الخاص وليس حسب أذواق الآخرين.

اتبعت إحدى شركات تقنيات المعلومات أسلوبا مختلفا وعصريا إلى حد كبير، يسمى بـ“قائمة الزفاف” التي تتضمن كل ما يحتاجه العروسان الجديدان من أدوات منزلية ومكملات لأثاث المنزل، ثم يتم وضعها بأحد المحلات الكبرى بالاتفاق مع صاحب المحل الذي يكون على علم بالموضوع، لتوفير مبالغ من مستلزمات المنزل الجديد تكون متوافقة مع ذوق العروسين وفي حاجة إليها.

وذكرت صحيفة ديلي ميل البريطانية، أنه في مصر باتت “أفراح النقوط” حيلة ذكية يلجأ إليها المصريون لحل أزمة أو الخروج من ضائقة مالية، وجميع المشاركين في “أفراح النقوط” يدفعون قدرا معيّنا من “النقوط” إلى أن يأتي دورهم لتحصيل ما جمعوه، مع وجود قواعد محددة يجب الالتزام بها لكل المشاركين.

12