فن الانتقاد
المرأة مخلوق جميل لا يخضع للنظريات العامة، فليس من السهل مطلقا توقع ردة فعل امرأة على سلوك ما، ولا توقع سير مستوى صوتها ودرجة “التون” خلال الحديث بشكل عام، فهي قد تخفض من نبرة صوتها فجأة رغم كون الموقف مشحونا بالانفعال والغليان، وهي ذاتها بداخلها بركان يغلي ويكتم الحمم خشية تدافعها في وجه محدثها إذا مالت نبرة صوتها للحدة والارتفاع.
وفي المقابل يعلو صوتها فرحا وحماسة لأبسط المواقف كرؤية طفل صغير يضحك، أو مشهد عفوي في الطريق، في حديقة أثناء إلقاء نكتة خفيفة، أو حتى دعابة ساذجة.
ولكنها مع بساطتها وغرابتها في آن، لا تقبل مطلقا أن تطالها سهام النقد، المرأة لا تقبل النقد بالمعنى الحرفي للكلمة، خاصة إذا تعلق هذا الانتقاد الموجه لها برشاقتها وأناقة ملابسها أو تسريحة شعرها أو لفة طرحة حجابها، أو نظافة منزلها وترتيبه، وتعطيره. تتحول إلى كائن شرس، مختلف تماما عن طبيعتها الرقيقة، البديعة.
لا أنكر أن من الأزواج من يتدخل بتفاصيل البيت والأطفال بما ينال من ثقة الزوجة بنفسها، وإشعارها بأنها لا تملك فن وذكاء إدارة المنزل وحدها، وأنها كائن مبتور يحتاج لمن يكمل نقصه، فيتدخل في صغائر الأمور وأبسطها، ويدس أنفه في ما هو بالأساس صميم مسؤوليات المرأة وتقوم به بكل حب وإخلاص دون الحاجة لتوجيهها لبذل المزيد من الجهد الذي لا تدخره مطلقا لراحة ورفاهية أسرتها، وحين يتعلق الأمر بالأبناء يصبح أكثر اهتماما وتفانيا، فالمرأة بلا مبالغة كالشمعة في خدمة أبنائها تحترق بحب ورضا لتمنحهم الضوء، تضحي بحياتها مقابل إشراقة نور تلمع على وجوه أبنائها.
لكن بعض الأزواج لا يرى ما تفعله زوجته مطلقا ودائما ينظر لما أخفقت فيه، إما لإرهاق، أو سوء مزاج أو مرض شهري وتغير حالتها المزاجية والنفسية أو أسباب عدة الإهمال وعدم الحب ليس إحداها على الإطلاق.
ينظر لما أفسده الصغار أثناء لعبهم على أنه كارثة، ويبدأ سيل الانتقادات والتوجيه غير الرحيم، خلافات تجرجر أخرى، ولا يجني الطرفان منها إلا المشاكل التي تستعصي على الحل أحيانا، وتحول الحياة المشتركة إلى هم مشترك وكآبة تورث الحزن. الحياة تحتاج لبعض الذكاء والكثير من التفهم والرحمة للطرف الآخر، والتقبل والاحتواء، فليس بيننا بالطبع إنسان لا يخطئ، وليس بيننا إنسان كامل الصفات، وافر الحسنات، شحيح السيئات، منعدم الأخطاء. جميعنا يخطأ، وجميعنا يستحق توجيه سهام النقد، ولكن النقد بالتلميح دون التجريح، النقد الذي يهدف إلى الإصلاح وليس لإهانة الطرف الآخر وإفقاده الثقة بنفسه، وإصابته بالإحباط، أو تحويل حياته إلى جحيم لا يطاق.
الأمر يتطلب بعض التدريب على الذكاء في المعاملة وتوجيه النقد، فمثلا إذا رأيت زوجتك مقصرة في شيء ما فما عليك إلا أن تذكر لها ما فعلته بحسن تصرف وتثني على حسن تصرفها وتمتدحه، ثم تستطرد “يا حبذا لو فعلت كذا وكذا لاكتملت اللوحة الجميلة التي تعبت من أجلها”، (وقل ما شئت، كمن يدس دواء مرا في كوب من العصير المحلى بالعسل)، فلا تعكر صفو العلاقة ولا تستدعي المشكلات، ولكن تقدم نقدك في بونبناية حلوة المذاق تشبه تغليف حبة الدواء مر المذاق بغلالة رقيقة من السكر لسهولة تقبلها.
أحد أسلحة المرأة الدفاعية إذا وجهت لها سهام النقد أن تدير فوهة البندقية لك أنت عزيزي الرجل، لتتجنب إطلاق الرصاص على كبريائها، فالحذر كل الحذر من مكان وزمان توجيه النقد اللذين يجب مراعاتهما جيدا حتى لا نثير المشاكل. فلا تنتقدها أمام أهلك فتشعرها بالدونية وهي مرآتك، وانعكاس كرامتك أمامهم، ولا أمام أهلها فتقلل من نظرتهم لها كابنة بارة وزوجة حكيمة تدير شؤون حياتها الزوجية، وتقدم لهم صورة مغلوطة كنتيجة لموقف عابر بأن زوجها لا يتقبلها، وينتقدها.
وسرعان ما يستخدم هذا الموقف ضدها ولو بتوجيه اللوم أو النظر غير المرحب به، ولا تنتقدها أمام أبنائها فتفقدها مكانتها كأم وملكة للبيت مما ينعكس على صورتها “ككائن ملائكي” أمام صغارها، فإما أن تفقد مكانتها لديهم، ويضعف دورها التربوي، وإما أن ينال ذلك من كرامتها كمربية لصغارها وربة أسرة حال غيابك، وما أكثره، عزيزي الرجل.
أضحكتني بشدة دعابة لطيفة أرسلتها لي صديقة، تقول النكتة: إذا أردت معرفة عيوبك، قل لزوجتك عن عيب واحد فيها، وهي ستقول لك عن عيوبك، وعيوب أهلك وأسلاف أجدادك، وربما الحي والمنطقة والبلد بأكمله!
كاتبة مصرية