هل تحصد قطر العاصفة بعد أن زرعت الرياح
مع تواتر التقارير الإعلامية التي تتحدث عن حالة التذمر في الشارع القطري وتنذر بغضب شعبي عارم ضد نظام الحمدين، يتساءل المراقبون عما إذا كان الوقت قد حان ليحصد حكام الدوحة بعض ما زرعوه من فتنة وفوضى وخراب في المنطقة العربية قبل وبعد وأثناء ما سمي بثورات الربيع العربي التي استهدفت الدول والشعوب والمجتمعات والجيوش الوطنية والمؤسسات السيادية.
المحللون يشيرون إلى أن النظام القطري سيدفع ثمن جرائمه في المنطقة والعالم، بعد أن تأكد فشل مشروعه المبني على مبدأ تأجيج الصراعات في الوطن العربي، وفي هذا السياق يرى الخبير البريطاني في شؤون الشرق الأوسط، كريستيان كوتس أورليخسن في كتابه “قطر والربيع العربي” الصادر عن دار النشر التابعة لجامعة أكسفورد، أن البحث عن دور في منطقة معقدة ومشتعلة بالاضطرابات مثل الشرق الأوسط، لا يمكن أن يكون مهمة سهلة، ولا يمكن أن يمر، في حالة فشله مرور الكرام، إذ أن أي دولة تضع رأسها بين فكي الأسد المسمى بالشرق الأوسط لا بد أن تضع في حسبانها احتمال انغلاق فكيه عليها في أي لحظة، مع أي تحرك غير محسوب، أو أي خطوة لا تصل بها إلى الإجابة الصحيحة.
في محاولة لتفسير وضع الإمارة الخليجية الصغيرة بعد انهيار مشروعها “الثوري” طرح صاحب الكتاب جملة من الأسئلة الجوهرية ليحاول الإجابة عنها في ما بعد ومن بينها:
ما مدى تماسك قطر من الداخل؟ هل هذه الدولة التي أصرت على إقحام نفسها في شؤون الدول من حولها، تملك ما يكفي من الاستقرار الداخلي قبل أن تفكر في هز استقرار الدول الأخرى؟ هل تثق قياداتها في شعبها؟ وهل يدعم شعبها قياداتها؟ هل تملك قيادات قطر ما يكفي من التأييد الداخلي لسياساتها الخارجية أم أن تدخل قطر الزائد في شؤون دول ما يسمى بثورات الربيع العربي وما أدى إليه هذا التدخل من كراهية شعوب تلك الدول لها، يمكن أن يتحول في لحظة ما، إلى موجة من الغضب الشعبي الداخلي؟
يقول أورليخسن “في العادة لا تبدأ الفوضى صريحة، ولكنها تبدأ بالتراكم. شرارة صغيرة تشعل حريقا صغيرا، يتم إخماده سريعا، لكنه يترك أثرا، يتضاعف مع كل شـرارة مماثلة، حتى تجد أي سلطة نفسها فجأة في مواجهة حرائق تلتهم كل شيء”.
والسؤال هنا: هل بدأت هذه الشرارات بالفعل، تظهر في قلب قطر منذ أواخر عهد الأمير السابق حمد بن خليفة، لتلتهم كل شيء في عهد نجله تميم؟ ويضيف “إنه مع كل ذلك الجهد الذي قام به قادة قطر للتدخل في شؤون الدول الأخرى، وعلى رأسها دول الربيع العربي، ومع كل حديث قيادات قطر عن ضرورة تغيير الأنظمة العربية كان من الطبيعي أن تتجه أنظار العالم إلى قلب قطر، ليصبح الاهتمام العالمي بشؤون قطر الداخلية، أكبر حتى من تدخلها في شؤون الدول الأخرى”.
يبرز الكتاب أن “الأمر يحمل تحديا مزدوجا ومضاعفا بالنسبة لنظام الدوحة، فمن ناحية، كان الضغط القطري على الأنظمة التي قامت ضدها اضطرابات الربيع العربي انطلاقا من تونس ثم مصر فليبيا واليمن وسوريا، ودعم الدوحة المطلق للانتفاضات التي أطاحت بتلك الأنظمة، يقفان في حالة تناقض صارخ مع ضعف التعددية السياسية والحريات في قطر نفسها بشكل أكبر من أن يتم تجاهله”.
ومن ناحية أخرى، بدا أن ما قامت به قطر من اتباع سياسة جمع الأعداء، ومراكمتهم ضدها بسبب سياسات قادتها القائمة على التدخل في شؤون الدول الأخرى من حولها، قد تحول إلى ما يشبه القنبلة الموقوتة التي يمكن أن تنفجر بعنف ضد الدوحة، لتنقلب تحركات قطر عليها، لو ظهرت أي بوادر لعدم الاستقرار الداخلي فيها، حيث لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تنكر الدوحة أن دعمها للاضطرابات في المنطقة أصبح مكشوفا.
كما قضت تغطية قناة الجزيرة لأحداث ما سمي بالربيع العربي وما بعدها، على أي رصيد للثقة في النوايا الحسنة لقطر، وليس من الصعب الآن أن نتخيل ردة فعل الدول التي كانت تتلقى انتقادات وهجـوم الجزيرة القطرية، لو ظهرت مشاكل في الداخل القطري، أو عندما يظهر أحد المدافعين عن الحقوق والحريات في قطر، رافعا صوته معبرا عن رأيه ثم يتعرض للقمع، كما حدث مثلا في صيف 2012، عندما قام علي خليفة الكواري، أحد الأكاديميين والمفكرين البارزين في قطر، بنشر عريضة أطلق عليها “الشعب يريد الإصلاح في قطر أيضا”، وتم طبع الكتاب في بيروت، حاملا إسهامات 11 أكاديميا وكاتبا قطريا طالبوا برفع صوت موحد ينادى بالإصلاح في قلـب قطر نفسها، بعد أن وجدوا أن القنوات الرسمية التي يمكنهم بها إيصال أصواتهم للحكومة القطرية، هي في حقيقتها بلا معنى ولا جدوى.
ويعتبر كتاب “الشعب يريد الإصلاح في قطر أيضا” دليلا على أهمية التطرق إلى أوجه الخلل المزمنة في قطر، وورد في مقدمته أنه نتاج لقاءات شهرية نظمها عدد من القطريين المهتمين بإصلاح أمور بلادهم بين عامي 2011 و2012 تحت عنوان “لقاء الاثنين”، وقام علي خليفة الكواري بجمعه ونشره، متضمنا مشاركات لخبراء ومهتمين بالشأن القطري امتد نطاق مواضيعها من الهوية واللغة العربية في قطر، مرورا برؤية قطر 2030 التنموية، وصولا إلى دستورها الذي صدر في عام 2004.
وقد غطت فصول كتاب “الشعب يريد الإصلاح في قطر أيضا” موضوعات مختلفة منها الجـوانب الدستورية والسلطة القضائية وحكم القانون والمسألة السكانية والمجتمع والثقافة والإعلام والتعليم والهُوية وتراجع دور اللغة العربية في الإدارة والتعليم واستخدامات الغاز الطبيعي وصادرات الغاز والبيئة وغيرها. كما يحتوي الكتاب على قـراءة نقدية رصينة لاستراتيجية قطر الوطنية والحاجة إلى الإصلاح في ضوء أوجه الخلل في دستور 2004.
وقد لخص الكواري في مقدمة الكتاب عقبات الإصلاح في أربع عقبات.
أولاها حجب المعلومات ذات العلاقة بالشأن العام ولا سيما في القضايا المهمة كالسكان والتجنيس والمال العام.
وثانيها غياب الشفافية تجاه القرارات المصيرية المحددة لحاضر البلد ومصير المجتمع ومستقبل أجياله القادمة، كما في الاتفاقيات الأمنية ونظام التأمين الصحي والتعليم.
وثالثها ضيق هامش حرية التعبير عن الرأي وغياب مؤسسات المجتمع المدني المستقلة التي تهتم بالشأن العام وبحقوق المواطن وحقوق المهنيين والعمال وواجباتهم.
أما العقبة الرابعة فهي الخلط بين العام والخاص وقصور نظام الإدارة العامة الأمر الذي يعرقل قيام الإدارة العامة بوظيفتها المركزية و“ضمان توظيف المال والنفوذ والقرار العام من أجل المصلحة العامة التي يتم التوصل إليها من خلال الدراسات والحوارات الجادة التي يشارك فيها المواطنون عامة والمهنيون على وجه الخصوص”.
اليوم، يبدو أن الشعب القطري فقد الأمل في أي إصلاح داخلي، بعد أن فصل الحكام بلاده عن محيطها الخليجي والعربي، ووضعوها بين فكي المشروع التوسعي الفارسي والمشروع الإمبراطوري العثماني، وبعد أن تبادل تميم والقرضاوي المبايعة على السمع والطاعة تحت خيمة المشروع الإسلامي الذي لا يعترف بالوطن ولا بالمواطنة، ويبحث عن الإصلاحات المزعومة في الدول الأخرى، بما يمكنه من التغلغل داخلها ولو على جسر من جثث الأبرياء فوق نهر من دماء الضحايا.
كاتب تونسي