الحل في مصر أيها القطريون
مَن يراقب خطاب الأزمة القطري لا بد أن يلاحظ أن الدوحة تكتفي بتوجيه ذلك الخطاب إلى الدول الخليجية الثلاث من غير الالتفات إلى مصر. الفكرة التي يستند إليها ذلك السلوك الدعائي تكاد تكون مكشوفة.
الدوحة تحاول تصغير وتقزيم مصر وكأنها دولة لا تأثير سياسيا لها في المنطقة ولا تستحق أن يضيع المرء وقته في الحوار معها أو محاولة فهم مطالبها. هذا على السطح. أما في العمق فإن الدوحة من خلال إقصائها لمصر تسعى إلى الهروب من مواجهة أساس مشكلتها الموجود أصلا في مصر.
علاقة الدوحة التاريخية بقوى التطرف إنما تعود إلى اللحظة التي بدأت فيها بتوفير الملاذات الآمنة لزعامات وأعضاء جماعة الإخوان المسلمين. وهي جماعة مصرية وإن اتخذت مع الوقت صيغة عالمية من خلال التنظيم العالمي للإخوان المسلمين.
|
لا حاجة هنا للاستفاضة في مسألة موقف الدوحة من إسقاط حكم الإخوان في مصر فهو موقف لا تزال قناة الجزيرة وكل وسائل الدعاية التابعة لقطر تعزف على أوتاره حيث البكاء على أطلال الإخوان والتحريض على الدولة المصرية انطلاقا من وهم الانقلاب الذي تعتبره قطر مدبرا للقضاء على نفوذها في شمال أفريقيا.
تحاول قطر أن تنسى وتنسي الآخرين أن أزمة عام 2014 كانت قد وقعت بسبب موقفها المناوئ لمصر. أما تعاملها مع أزمتها الحالية فإنه حتى اللحظة قائم على الاستفادة من تشعب دروب تلك الأزمة وسعة منطقتها وتعدد الأطراف المشار إليها باعتبارها واجهات للدور القطري في نشر الفوضى في المنطقة.
لا تزال الدوحة تتوهّم أن هروبها إلى الثانوي من أسباب الأزمة سيجنبها مواجهة السبب الرئيس. ذلك السبب الذي يصدر عن علاقتها العضوية والمركبة والمتشعبة بجماعة الإخوان المسلمين.
وإذا ما عرفنا أن تلك الجماعة لا تزال تسعى إلى العودة إلى الحكم عن طريق العنف الذي تمارسه ضد المجتمع المصري فإن إصرار الدوحة على الاستمرار في دعم تلك الجماعة وتمويلها وحمايتها هو تعبير عن المشاركة في المؤامرة التي تستهدف استقرار مصر وأمن شعبها.
سيكون من العبث الدخول مع القطريين في نقاش حول تلك الجماعة السياسية التي تتستّر بالدين فيما إذا كانت إرهابية أم لم تكن كذلك.
ما فعله الإخوان أثناء سنة واحدة من حكمهم يغنينا عن العودة إلى تاريخ علاقتهم بالعنف. الإخوان جماعة مارست عبر تاريخها شتى صنوف الإرهاب الموجه ضد المدنيين. أما أن تتخذ الدوحة من القائمة العالمية للتنظيمات الإرهابية حجة في دفاعها عن موقفها فذلك يعني أنها لن تكون معنية بالوقائع ولا بما تقرّه تلك الوقائع من حقائق.
وكما يبدو فإن الدوحة غير معنية بسلامة مصر ولا بسلامة أيّ بلد آخر. وهو ما يكشف عن قصر نظرها السياسي. إلا إذا كان وجود مصر المادي والمعنوي يشكل مصدر إزعاج بالنسبة إلى الدولة الخليجية الصغيرة من جهة كونه يقف أمام طموحاتها للتمدد في شمال أفريقيا والهيمنة على مصائر الشعوب هناك.
فكرة مأساوية غير أنها تنطوي على الشيء الكثير من الضحك.
الأنكى من ذلك أن قطر عوّضت فشلها في الاستيلاء على مصر بالاستهانة بها من خلال إقصائها من خطابها الموجه إلى الدول الغاضبة عليها.
ما لم تفهمه قطر أو ما تسعى إلى إفهام الآخرين أنها لم تفهمه حتى اللحظة أن تكون مصر هي نقطة الخلاف الرئيسة.
بالنسبة إلى الدول الغاضبة فإن محاولات الدوحة في الهروب من أصل الخلاف لن تجدي نفعا. فالموضوع لا يتعلق بهواجس الجيران كما عبّر أحد المسؤولين القطريين. الموضوع عابر للحدود كما هو حال جماعة الإخوان المسلمين. وهو ما يملي على القيادة القطرية واجب النظر إلى المشكلة بحجمها الحقيقي الذي تخطّى البيت الخليجي ليصل إلى مصر.
ليس صعبا على القطريين أن يدركوا أن الحل في مصر.
كاتب عراقي