أبوالعلا عبدربه إرهابي قتل فرج فودة بحكم مكتوب على علبة كبريت

الأحد 2017/04/02
عدو للمجتمع والدولة وكل من حوله "كافرون"

القاهرة - نظر البعض من المراقبين إلى خبر مصرع الإرهابي المصري أبوالعلا عبدربه أحد أعضاء الجماعة الإسلامية في سوريا الأسبوع الماضي أثناء مشاركته في القتال ضمن فصائل تنظيم القاعدة باعتباره المناظرة الأخيرة بين المفكر والتكفيريين، فعبدربه كان أحد المشاركين في اغتيال المفكر المصري الراحل فرج فودة في الثامن من يونيو عام 1992.

عبدربه هو علي عبدالظاهر الذي جسّده الفنان عادل إمام في فيلمه الشهير الإرهابي، بينما جسد الفنان الراحل محمد الدفراوي شخصية المفكر الشهيد فرج فودة الذي اغتالته يد الإرهاب الجهول.

الإرهابي في الفيلم لا يختلف كثيرًا عن الواقع، فهو يتلقى الأوامر من أميره حيث صدر الحكم بقتل فودة مكتوبًا على غلاف علبة كبريت من القيادي بالجماعة صفوت عبدالغني من داخل السجن عندما كان يُحاكم في قضية اغتيال رئيس مجلس الشعب المصري الأسبق رفعت المحجوب.

إنه يُكفّر كل من حوله وهو طويل اللحية وقاسي الملامح، منغلق ومنعزل عن الحياة والمجتمع ويحمل سلاحه في انتظار صدور الأوامر بالقتل، عدو للدولة والمؤسسات والجيش وأجهزة الأمن وللمسيحيين وللفكر والفنون والمثقفين وللمرأة والرياضة والرأي التنويري الحر ولا يقرأ، بل يتم تلقينه فيُنفّذ.

شريكا عبدربه في عملية الاغتيال كانا أشرف سيد الأُميّ الذي لا يعرف القراءة ولا الكتابة، وعبدالشافي رمضان بائع السمك.

عبدربه الذي وفر السلاح والملاذ بعد ارتكاب الجريمة وُلد ونشأ بحي بولاق أبوالعلا الفقير في القاهرة في سبتمبر عام 1963. ثم انتقل إلى حي إمبابة (شمال محافظة الجيزة) التي كانت أحد معاقل الجماعة الإسلامية في ثمانينات القرن الماضي، وعمل بالنقاشة والنجارة ولم يحصل على شهادة علمية وبالكاد كان يوقّع باسمه.

الإخوان يخرجونه من السجن

دخل أبوالعلا السجن في ديسمبر 1993 محكومًا بالأشغال الشاقة لمدة 15عامًا بتهمة المشاركة في اغتيال فودة وكان قد حُكم عليه قبلها بالسجن 15 عامًا في قضية أحداث إمبابة والمواجهات مع قوات الأمن، كما أدين بقتل 4 جنود بمنطقة السبتية في منطقة بولاق أبوالعلا واستولى على سلاحهم.

زوجته جيهان إبراهيم أدينت عام 1997 كأول سيدة تحاكم عسكريًا بتهمة إيواء متهمين في قضية اغتيال مسؤول النشاط الديني بجهاز أمن الدولة -الأمن الوطني حاليًا- اللواء رؤوف خيرت، وصدر في حقها حكم بالسجن 15 عامًا قبل أن تنال عفوًا صحيًا بعد قضاء مدة 11 عامًا وأربعة أشهر.

كان عبدربه قد خرج من السجن بعفو رئاسي أثناء حكم الإخوان كشأن المئات من قادة وأعضاء جماعات العنف، ومعه 13 قياديًا من الجماعة الإسلامية بوساطة من أيمن الظواهري قائد تنظيم القاعدة لدى خيرت الشاطر.

وقبل مصرعه رفض أيّ مراجعات فكرية وأعلن أنه متمسك بمنهج ميثاق العمل الإسلامي الذي وضعته الجماعة كدستور ومرجعية فقهية وفكرية لها في مسار مواجهتها مع الدولة وسعيها للانقلاب على الحكم لإقامة الدولة الإسلامية، وأعلن أن التغيير لن يحدث إلا بالسلاح.

الجماعة الإسلامية التي ينتمي إليها عبدربه تم أسرها داخل إطار خيارات جماعة الإخوان، ودفعها الفشل في إثبات الوجود في الفضاء السياسي والفكري التنافسي إلى العودة للتقوقع وادعاء التفوق من منطلق ديني إطلاقي، وبعد عزل الإخوان من الحكم هرب البعض من أعضائها وقادتها للقتال في سوريا

دعشنة مصر

واصل عبدربه التحريض على القتل كونه علا شأنه في بنية التنظيم وصار من حقه أن يأخذ مقعد الموجّه والآمر ليتولى التنفيذ أحد الشبان، وهكذا دعا إلى قتل الإعلاميين المصريين إسلام البحيري وإبراهيم عيسى وفاطمة ناعوت والبعض ممن ينادون بتنقية التراث.

ودعا إلى “دعشنة” عموم الحركة بمصر مثنيًا على إنجازات داعش قائلًا “إن هذا التنظيم تحرك ودخل في اللعبة في قلب العاصمة ولو ظللتم كما أنتم لا تحركون ساكنًا تشجبون وتستنكرون فسوف تكونون صحوات عما قريب ﻹخوانكم الدواعش”.

بعد ثورة يونيو 2013 في مصر تمكن من الهرب من مصر إلى السودان ثم إلى سوريا زاعمًا استقالته من الجماعة الإسلامية، لكن الشواهد أكدت استمرار تواصله مع قادتها وأعضائها في الداخل والخارج، وبعد مقتله سمّوه شهيدًا وعددوا مآثره وتمنوا لو كانوا مكانه وحيّوا جهاده، بينما لا يزال المفكر المغدور فرج فودة في نظرهم مارقًا مرتدًا استحق مصيره.

وبث عبدربه لنفسه تسجيلًا مصورًا وهو يخطب في مجموعة جهادية بسوريا، وظهرت حماسته الزائدة وهو يوزع أحكام التكفير على كل المخالفين، بينما التقط لنفسه صورًا قبل أن يلقى حتفه بلحظات أثناء المواجهات بحمص إحداها جسدت ذهوله وهو يتلقى قذيفة النهاية.

وقد نعى أحد أعضاء الجماعة الإسلامية قعودها عمّا نهض إليه عبدربه من جهاد في سبيل الله وهو نفسه العضو الذي أرسل إلى ناجح إبراهيم القيادي السابق بالجماعة رسالة تأنيب يدعوه فيها للتوبة عن توجهه الوسطي ويعتب عليه بشدة بسبب اعتزاله الصدام مع الدولة، والسؤال الآن هو من أين استمد عبدربه وأمثاله تلك الأفكار والحجج التي دفعت بهم إلى طريق القتل تحت دعاوى الدين الحق؟

الحقيقة أن الجماعة الإسلامية التي ينتمي إليها عبدربه تم أسرها داخل إطار خيارات جماعة الإخوان ودفعها الفشل في إثبات الوجود في الفضاء السياسي والفكري التنافسي إلى العودة للتقوقع وادّعاء التفوق من منطلق ديني إطلاقي، وبعد عزل الإخوان من الحكم هرب البعض من أعضائها وقادتها للقتال في سوريا حيث اعتبروها بوابة فتح مصر وكان أملهم هو العودة كغزاة فور الانتصار هناك.

أرادت الجماعة الإسلامية من أبناء المجتمع المصري أن يعترفوا لها بما اعتبرته إنجازات، ومنها نجاحها في اغتيال أنور السادات ومحاولتهم اغتيال حسني مبارك قرابة العشرين مرة، وأيضًا لقتلهم فودة ومحاولة قتل الأديب نجيب محفوظ، لكنهم عندما لم يجدوا تجاوبًا اتجهوا لرفض الواقع وذهب البقال والنقاش والنجار وبائع السمك إلى سوريا لينالوا لقب شيخ المجاهدين أو منصب الأمير أو المفتي في سوريا، وهو ما فعله عبدربه الذي تعتبره الجماعة الآن أمير الشهداء.

السير في طريق الانتقام وتصفية الحسابات أعلنه الكثيرون منهم دون مواربة، وبعد عزل الإخوان من الحكم استحضر قادة الجماعة أدبيات الثورة الإيرانية وعزموا على التضحية بأكبر قدر من الأتباع لضمان نجاح العودة مع الإخوان إلى سدة السلطة.

عدم اعترافهم بالسلطة واعتزالهم المشهد السياسي ومقاطعتهم الانتخابات ووصفهم كل ما يتعلق بالدولة ومؤسساتها بالانقلاب، فضلًا عمّا يبثه قادة الجماعة الهاربون بقطر وتركيا من تحريض، كل ذلك منح الغطاء السياسي لجماعات العنف المسلح ولم تتجاوز تلك القيادات الهاربة الأطروحات التقليدية العائمة والشعارات التي من قبيل الإسلام منهج حياة والشريعة هي الحل، وتريد توظيفها في الصراع السياسي القائم ولأغراض التعبئة والاستقطاب الديني.

أبو العلا يظهر في فيديو وهو يصور نفسه في لحظاته الأخيرة بعد أن دعا إلى قتل بعض الإعلاميين ومن ينادون بتنقية التراث و"دعشنة" عموم الحركة الإسلامية في مصر وقام ببث تسجيل مصور وهو يخطب في مجموعة جهادية بسوريا وظهرت حماسته الزائدة وهو يوزع أحكام التكفير على المخالفين

صمت الأزهر

قصة أبوالعلا تثير العديد من الإشكاليات أهمها موقف الأزهر الذي آثر الصمت، خاصة وأن البعض من علمائه كان قد أفتى بردة المفكر فرج فودة، وهكذا تحجج القاتل بأنه لم يذنب فهو طبّق أحكامًا صادرة من علماء المؤسسة الدينية الرسمية، فلماذا لم يُصدر الأزهر، وهو المعني بملف التجديد، دراسة يقيّم بها إنتاج فرج فودة الفكري موضحًا موقفه من فتوى الردة السابقة ومن القضية بكافة أبعادها وتداعياتها؟

من تلك الإشكاليات أيضًا تتشابك العلاقات والمصالح بين تنظيمات الإخوان والجماعة الإسلامية والجهاد والقاعدة، وأيضًا دور الجهاديين المصريين في الحرب الدائرة في سوريا خاصة بعد مقتل رفاعي طه القيادي بالجماعة الإسلامية وأحمد سلامة مبروك القيادي بتنظيم الجهاد قبل أن يصبح الرجل الثاني في تنظيم فتح الشام-هيئة التحرير، وأخيرًا مقتل أبوالعلا.

في ظل السيولة التي أعقبت ثورات الربيع العربي لم ينشغل غالبية المصريين باكتشاف ما وراء صعود تلك الجماعات، ولم يكترث سوى النخبة المفكرة بما تشير إليه استطلاعات الرأي حينئذ والتي دلت على تمكن تلك الجماعات طوال عهد حسني مبارك من خداع القاعدة العريضة من الشعب بشعاراتها، ليصبح تصور عموم المصريين أن حل أزمات المجتمع سيتم بالرجم للزاني وقطع يد السارق والموت للمرتدين عن الإسلام.

وبمرور الوقت بات واضحًا أن هذا الصعود وراءه كبت الحريات الفردية عندما يسعى الإسلامويون إلى الهيمنة الثقافية تعويضًا عن فقرهم السياسي بالنظر إلى أن غاية ما أبدعته أحزابهم من مشاريع كان مجرد ضرورة وجود شرطة الأخلاق الإسلامية التي تجوب الشوارع بحثًا عن مرتدين ونساء سافرات لإلزامهن بالحشمة.

نبوءات فرج فودة

المفكر المغدور فودة كان قد كشف عجزهم عندما تحداهم بأن يصوغوا برنامجًا واضحًا لإدارة الحياة، فما كان منهم إلا أن قضوا على حياته بعد فشلهم في مجاراته فكريًا، بينما صار طرحه أخيرًا موضع إبهار وثقة بعد أن تم اختبار دعاوى تلك الجماعات عمليًا.

وأقبل الكثير من المصريين على كتب فودة التي حققت مستويات مرتفعة من الرواج طوال السنوات الثلاث الماضية، وحاليًا يُستدعى بقوة حديثه عن ضرورة وجود برنامج سياسي لأيّ حزب ديني لمنعه من ابتزاز الناس بحجة تطبيق الشريعة بشكل مطلق، ويستدعي البعض من الباحثين جملته ذات الملمح التنبؤي بشأن الأحزاب والجماعات الدينية حين قال إن “أعجزهم الاجتهاد الملائم للعصر رفضوا العصر، وإن أعجزهم حكم مصر هدموا مصر”.

مناظرة فودة الشهيرة بمعرض الكتاب مع قادة الإخوان كانت إحدى مقدمات تصفيته جسديًا. وهي التي أسقط عنهم خلالها تلك القداسة المصطنعة وفصل بين الدين الذي لا يختلف عليه أحد والدولة بوصفها كيانًا سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا يلزمه برنامج تفصيلي يحدد أسلوب الحكم، وهو ما يعجز المنادون بالدولة الدينية عن تقديمه.

فودة توقّع مصير قاتليه وقال إنهم سيعيشون مطاردين بعد فقدانهم السلطة، وهي النبوءة التي توّجت نبوءاته المحققة بشأن الواقع العربي وما تحقق في العراق بعد إعدام صدام، وفي السودان من انقسام بعد صعود دعاة الحكم بالشريعة، وغيرها الكثير، وهى القراءات المستقبلية التي ضمّنها المفكر الراحل كتبه العشرة، فضلًا عن عشرات المقالات بالصحف والتي صارت حديث المشهد الفكري بل تجاوزت النخبة ليتداولها البسطاء والعامة.

رغم إطلاق الجماعة الإسلامية مبادرة لنبذ العنف فقد ظلت فكرة العداء للجيش مسيطرة حيث تعتبره خصمًا أيديولوجيًا مناهضًا لما يسمونه المشروع الإسلامي

وكان فودة شدد على أن طبيعة الشعب المصري لا تقبل بالحكم الديني، ولو حدث فلن يستمر طويلًا، وأشار إلى أنه في حال اعتلاء الإخوان للسلطة فسوف تكون تلك هي بداية النهاية لهم.

وقال في كتابه “النذير” واصفًا هذا المصير “سيصرخون ويملأون الدنيا صراخًا، وسترتفع أصوات مكبرات صوتهم وستتضاعف، وتنفجر قنابلهم وتقرقع رصاصاتهم، وسوف يكونون في النهاية ضحايا كل ما يفعلون، ويدفعون الثمن غاليًا حين يحتقرهم الجميع ويرفضهم الجميع ويطاردهم الجميع”.

المواجهة بين المفكر الراحل والتكفيريين اكتملت فصولها أخيرًا عندما انتقلت النبوءات والأطروحات النظرية إلى أرض الواقع، فقد كان فودة مؤمنًا بأن إعلاء أيّ انتماء على حساب الانتماء الوطني يؤدي إلى تمزيق أيّ وطن، كمثال قوله في كتابه، قبل السقوط، إن “الشيء الوحيد الذي أعلمه، ويجب على الجميع أن يواجهوه لأنهم يعلمونه مثلي تمامًا، أن الدولة الدينية التي يحكمها رجال الدين بصورة مباشرة أو غير مباشرة سوف تكون مدخلًا للفتنة الطائفية بل ربما تمزيق الوطن الواحد”.

وما كان لتلك القضية أن تبلغ تأثيرها الواسع لدى العامة إلا بعد أن أثبت المتطرفون الإسلامويون صدقيتها من خلال ممارساتهم على الأرض عندما أشاعوا بأن الدولة كي تكون إسلامية فلا بد من أن تصبح مسلمة ذات لون عقيدي واحد، وعندما عمدوا لعسكرة الثورات لقلب أنظمة الحكم بالقوة تمهيدًا لانفرادهم بالسلطة فجرّوا بلادًا بأكملها إلى حروب أهلية مدمرة.

تمسك فودة بتأسيس نظام مدني للحكم وقوله إن بعض الأحكام والتفسيرات لا تتواكب مع تطور العصر، ومطالبته بضرورة فصل الدين عن الدولة وتحريره من سلطة الفقيه وإلحاحه على ملف التجديد والاجتهاد وإعمال العقل هي بعينها الملفات الحيوية الملحة التي احتاجها الواقع المصري والعربي لاحقًا خروجًا من مأزق تاريخي أنتجه الفرز الأيديولوجي والطائفي إثر غزو تصورات الإسلامويين للفضاء العام.

وها هو قاتله، قد قضى أخيرًا، يمضي في مسارات تمزيق الأوطان العربية دون أن ينجز وجماعاته المشروع الذي تحداهم فودة بشأنه، وإثر خروجه في العفو أثناء حكم الإخوان ظهر أبوالعلا في الإعلام مفتخرًا بإنجازه الوحيد في حياته وهو قتل المفكر لأنه عاجز عن إثبات إنجاز غيره، وكان إذا سُئل عن مشروعه تحدث عن التوافه والثانويات كلبس الحجاب ومنع الاختلاط وإطلاق اللحية وارتداء الجلباب والرجم والقطع.

ورغم إطلاق الجماعة مبادرة لنبذ العنف فقد ظلت فكرة العداء للجيش مسيطرة حيث تعتبره خصمًا أيديولوجيًا مناهضًا لما يسمونه المشروع الإسلامي بما تعتنقه مؤسسات الدولة الثقافية منذ ثورة يوليو 1952 من توجهات علمانية، وتعتبر الجماعة المؤسسات الأمنية والمؤسسة العسكرية جزءًا من النظام باعتبارها تقوم على حماية هذا التوجه العلماني في الحكم.

7