طعم الفرح

الاثنين 2017/01/23

تعالت أصوات الزغاريد وسط المارة في حديقة عامة وأنغام موسيقى فرح راقصة، فجأة أطلت ضحكة لست عرائس في فستان الفرح الأبيض والطرحة يرقصن ويغنين وتحتضن كل منهن صديقاتها في مشهد بديع وغريب عن الشارع المصري إذ كن فتيات بلا عرسان، تفاعل معهن البعض بمشاركتهن الفرح والسعادة ورفض البعض الآخر ما يقمن به، ثمة تناقض دائم في مواقف البشر.

الجميل في الأمر أن الفتيات طالبات جامعيات بكليات مرموقة، منهن طالبات طب وإعلام وتجارة، صديقات حميمات لا يفرقهن شيء، قررن أن يجتمعن في فرح واحد مرتديات الفستان الأبيض حلم كل فتاة في مثل عمرهن، غير مباليات بالانتقادات الحادة التي ستواجههن والتعليقات السلبية أو محاولات التحرش اللفظي.

بدأن الدعوة على صفحات التواصل الاجتماعي لاستئجار فساتين أفراح بأسعار رمزية تتناسب مع إمكانياتهن المتواضعة وتتوافق مع “مصروفهن” من أهاليهن!

الطريف في الأمر هو تفاعل الفتيات معهن بإعارتهن فساتين زفاف مجانية أو بأجور رمزية جدا، حتى أن البعض طلبن الحضور معهن ومشاركتهن الفرحة والسعادة بارتداء فستان الحلم، الكثير من الفتيات رحبن بالفكرة وساعدنهن على الاستمرار فيها.

الرائع في الأمر أن أهاليهن أظهروا إيجابية جميلة وموافقة الفتيات على الاستمتاع بوقتهن وارتداء الفستان الأبيض، والتقاط الصور التذكارية لفرحهن الجماعي الذي لن ينتقل إلى الواقع بأي حال من الأحوال ومهما حاولت الفتيات أوأهاليهن، إذ كيف لست فتيات في بيئات مختلفة وكليات مختلفة بظروف اجتماعية متباينة وخلفيات مادية ليس بينها رابط سوى الصداقة.

لم يخش الأهالي من “الفأل السيء” لارتداء فستان الفرح قبل الزفاف ولم يعيروا نظرات ناقدة و”مصمصة شفاه” واتهامات معلبة ستوزع بالمجان على فتيات قررن ارتداء فساتين فرح بلا عرس، ولا عريس، ولا مأذون بعمامة بيضاء، إذ كيف ينظر المجتمع إلى زوجة بلا زوج أو زواج، فمن المؤكد أن ما يقمن به قد لا يروق للكثيرين من المتشددين ودعاة التمسك بالعادات والتقاليد البالية والقيم، وسوف يتهمون الفتيات بعرض أنفسهن على الشباب في الطريق العام، أو اتهامهن باستعجال الزواج وفقدان الأمل في حدوثه.

قررت الفتيات، ياسمين عادل، سارة أحمد، ندى عصام، آية عمادالدين، إسراء إبراهيم، ورؤى سعد الاستمتاع بوقتهن معا كصديقات والتبكير بمراسم عرس جماعي يجمعهن معا غير عابئات بردود أفعال من حولهن. من المتعارف عليه في مصر الآن أن تجد مجموعة كبيرة من الفتيات والشباب يرتدون ثيابا بهية بلون موحد معلقين شارات مكتوبا عليها “أجدع صحاب”، شباب دفعة جامعية واحدة أو أبناء أعمام أو أصدقاء أو زملاء عمل، مجموعة تربطهم علاقة ما، ينتشرون بشكل رائع ولافت في الحدائق العامة، الملاهي، والمتنزهات، حتى معرض الكتاب والمنتديات الثقافية لا تخلو من هذا المشهد الجميل الباعث في النفس كل مظاهر الفرح والسعادة، والمحرض على السرور وإلقاء كافة الأعباء الحياتية بعيدا عن الكواهل المثقلة، فلتر جديد لتنقية الروح من منغصاتها، الانتشاء بأمور بسيطة ربما تكون بلا تكلفة مادية تذكر ولكنها مبعث فرح.

وفي عودة لطعم الفرح الذي حاولت الفتيات تذوقه معا والاستمتاع به، أسعدني موقف لأم إحدى الفتيات المحجبات بتشجيعها على تذوق السعادة مع صديقاتها حتى أن الفتاة بعد الحماس الذي كان يتملكها، خشيت من نظرات الناس وانتقادهم اللاذع لها ولتصرفها وفكرت في التراجع عما كانت تنوي القيام به لولا تشجيع والدتها لها بمقولة (افرحي مع صحابك ولو فشلتي ارجعي عادي)، هذه الأم لم تثن ابنتها عما ترغب في القيام به، ولكنها أرادت أن تشارك ابنتها صديقاتها لحظات نادرة ربما قد لا تتكرر.

كاتبة من مصر

21