ليبيا تفقد صحافييها مع انعدام المحاسبة لمنتهكي حريتهم

منظمة 'مراسلون بلا حدود' تدين ما ينعم به مرتكبو الانتهاكات ضد الصحافيين في ليبيا من إفلات تام من العقاب وسط مناخ يدفع نحو إخلاء البلاد من صحافييها.
الاثنين 2018/02/19
معاناة الصحافيين لم تتوقف منذ سنوات

طرابلس - تشهد حرية الإعلام “أزمة غير مسبوقة” في ليبيا، تدفع الصحافيين تباعا إلى مغادرة البلاد بعد سبع سنوات على الثورة التي أنهت حكم معمر القذافي، وفق ما أكدت منظمة “مراسلون بلا حدود”.
وقالت المنظمة في بيان لها “تترنح حرية الصحافة الوليدة في ليبيا منذ عام 2011، بسبب الوضع الأمني الذي تعيشه البلاد وما يصاحبه من أزمة سياسية خانقة”.
وأدانت ما ينعم به مرتكبو الانتهاكات ضد الصحافيين من إفلات تام من العقاب وسط مناخ يدفع نحو إخلاء البلاد من صحافييها. وأضافت أن “وضع الصحافيين ووسائل الإعلام لا يطاق في ليبيا”. موضحة أن “البلاد تفقد صحافييها الذين يفضلون الذهاب إلى المنفى لمواصلة عملهم الإعلامي أو يختارون التوقف عن ممارسة هذه المهنة التي أصبحت محفوفة بالمخاطر إلى حد مفرط”.
وتتنازع سلطتان الحكم في ليبيا ولم تنجح أي منهما في إحلال النظام بالكامل في الأراضي التي تؤكد أنها تسيطر عليها. فحكومة الوفاق الوطني التي انبثقت في نهاية 2015 عن اتفاق رعته الأمم المتحدة، تتخذ من طرابلس مقرا لها بينما تتمركز سلطة منافسة لها في شرق البلاد الذي تسيطر على أجزاء كبيرة منه القوات الموالية للمشير خليفة حفتر.
وتابعت “مراسلون بلا حدود” أنه “في ظل الصراع الدائر على السلطة بين المعسكرين الغربي والشرقي، يُلاحظ تفكك واضح في هياكل الدولة، علماً أن هذه الحرب السياسية المحتدمة تقوض استقلالية الصحافة بقدر ما تجعل من الصحافيين مستهدفين بشكل رئيسي”.
ويقول متابعون للوضع الإعلامي في ليبيا، إنه لا وجود للمعايير المتعلقة بحرية التعبير والإعلام؛ كالضمانات الدستورية والقانونية للصحافيين، والإصلاح الهيكلي للإعلام، ومع تزايد أعمال العنف والهجمات الدامية، والاعتداءات الجسيمة، أصبحت ليبيا في مؤخرة دول العالم في مجال الصحافة.
وقالت المنظمة “تعيش حرية الإعلام أزمة غير مسبوقة في البلاد، حيث أصبحت ممارسة الصحافة مغامرة محفوفة بالمخاطر في ظل الصراع المحتدم بين الحكومتين المتنافستين على السلطة”. حيث قتل 18 صحافيا على الأقل منذ ثورة 2011.

 

حرية الإعلام تعيش أزمة غير مسبوقة في ليبيا، حيث أصبحت ممارسة الصحافة مغامرة محفوفة بالمخاطر في ظل الصراع

وفي ظل الاستقطاب الذي يخيم على الوضع السياسي، أصبح الإعلام مهمة مستحيلة تقريباً فيما بات إسكات الصحافيين هو الشغل الشاغل لعدد من الجماعات المسلحة أو المسؤولين. وفي هذا السياق، الذي يطغى عليه الإفلات من العقاب، عادة ما لا يجد الصحافيون من خيار سوى المغادرة، حيث أُفرغت البلاد تدريجياً من الصحافيين والمنابر الإعلامية.
واستنادا إلى  أرقام المنظمة “لجأ ما لا يقل عن 67 صحافياً إلى المنفى بينما اضطرت 8 منابر إعلامية ليبية إلى التواصل مع جمهورها من مختلف بلدان منطقة الشرق الأوسط”.
وأوقف في أبريل الماضي مصور لوكالة فرانس برس على مدى يومين في بنغازي بشرق ليبيا لأنه قام بتغطية حفل عام حضره شبان وشابات في جامعة في تلك المدينة. وكان هذا الحفل قد واجه انتقادات من السلطة الدينية في الشرق. وقال ناشطون إن العاملين في وسائل الإعلام لا يثقون بالشرطة أو القضاء ويمارسون الرقابة الذاتية.
يذكر أن وسائل الإعلام الليبية عاشت موجة من الطاقة الهائلة خلال الأشهر الأولى التي تلت الإطاحة بالعقيد معمر القذافي في عام 2011. ولكن كل ذلك الحماس تبخر بفعل حالة عدم الاستقرار التي تستنزف البلاد منذ ذلك الحين، حيث مرت الجرائم المرتكبة ضد حرية الإعلام دون حسيب ولا رقيب، علماً أن الجناة ينعمون بإفلات تام من العقاب.
هذا ولا يزال التقدم على المستوى التشريعي بطيئاً وغير كافٍ على الإطلاق. ففي نوفمبر 2017، أرسلت منظمة مراسلون بلا حدود وسبع منظمات أخرى معنية بالدفاع عن حرية التعبير والصحافة، رسالة مفتوحة إلى هيئة صياغة مشروع الدستور الليبي تدعو فيها إلى تعديل النص التشريعي حتى يتماشى مع المعايير الدولية المعمول بها في هذا الصدد، إذ من شأن اعتماد دستور يكفل حرية الصحافة ويضمن حماية المصادر وأمن الصحافيين أن يشكل رسالة قوية إلى كل من ينتهكون حرية الإعلام بشكل يومي، بل وقد يمثل خطوة هامة في سبيل مكافحة الإفلات من العقاب على الجرائم المرتكبة ضد الصحافيين.

18