الراقصتان "جوهرة" وسوخوي

الأحد 2018/02/11

خلال الأسبوع الماضي ازدحمت وسائل التواصل في مصر وسواها، بواقعة طرد الراقصة الروسية “جوهرة”، وهي محض بنت اسمها آياكاترينا. وفي الأسبوع نفسه تراقصت السوخوي الروسية فوق أشلاء العرب السوريين. والرقصتان في الواقع تكملان الواحدة منهما الأخرى مع اختلاف أهداف كل منهما: واحدة تجتذب معتوهين وأخرى تقتل أبرياء.

بمناسبة صدور قرار طرد الراقصة “جوهرة”، والحديث عن مواصفات للباس “القانوني” لمن ترقص، عُرضت في فضاء العنكبوت أشرطة لأداء البنت الروسية، حتى كاد حُزننا على ضحايا “جوهرة” يعادل الحزن على ضحايا سوخوي. فما الذي جرى لهؤلاء الذين يتواجدون في علب الليل، وهم، كما نفترض، خليط من الميسورين والوافدين العرب إلى القاهرة؟ كان هؤلاء يتنططون كالمجانين، انبهارا بالراقصة، علما وأن الناظر إلى قسمات وجهها سيراها في مستوى جمالي أدنى بكثير مما يتبدى في مُحيّا بنت عادية. أما ساقها اليمنى، التي تكشفها وهي تتثنى وتنثر إيحاءاتها الجنسية على المتنططين، فليس فيها ما يُبهر.

في تاريخنا العربي، كانت الراقصة فصيحة، ولم يكن لها أدنى قيمة من دون الشعر والبلاغة، وعندما تكون أَمةً جارية، فإنها كما قال الجاحظ، تُشترى بالعين وتُرد بالعيب. أما الروسية، فلا وقع حسنا لرطانتها بلغتها. فهذه لا يكون منها إلا تثنيها الهائج، الذي يداعب تمنيات هائجة لأسباب نفسية مرضّية، تدحضها أحوالهم الميسورة.

سُمع كلام عن “جوهرة” في الأسبوع الماضي، أكثر مما سُمع طوال عامين عن سوخوي. ولم تُسمع كلمة عن ضحايا الأولى الذين يستحقون “قصفها” ولا ضحايا الثانية الذين يستحقون الحياة لكنهم يُقتلون.

راقصات الأمس البعيد، قال عنهن أحمد أمين في “ضُحى الإسلام” إنهن نجحن في إشعار الناس بالظُرْف والتزام حدوده، ولهن فضل آخر، إذ كُن أنشط من الحرائر في ناحية الإنشاء الأدبي، وفي ناحية الإيحاء إلى الشعراء، وكان أدب الراقصة، يقوم في سوق الرقيق بأكثر مما يقوم بدنها، والمال في كل عصر هو قَوّام الحركات الاجتماعية.

كانت الراقصة إنسانا مظلوما لا ظالما. فعندما كان العربي يشتري جارية، ويتحقق من لياقتها، فلا يحسم أمره قبل أن يخاطبها ليسمع كلامها، مخافة ألا تُحسن اللسان العربي. فإن لم تُحسن سرعان ما يشكو من اعوجاج أسنانها. أما “جوهرة” برطانتها الروسية التي تحاكي سفاهة السوخوي؛ فلا ظُرف لديها يلتزم أي حدود، ولا إنشاء أدبيا ولا إيحاء للشعر. أما المال في أيدي الميسورين، فإنما هو ذو حركة اجتماعية تعود بنا إلى ما قبل الوراء البعيد.

24