"200 جنيه" فيلم مصري يسقط في فخ المنافسة بين أبطاله

ذهبت شريحة كبيرة من الجمهور لمشاهدة الفيلم المصري “200 جنيه”، الذي بدأ عرضه في دور العرض مؤخرا، يحدوها الأمل في أن يضمن وجود أكثر من أربعة عشر ممثلا وممثلة من النجوم الكبار في فيلم واحد طبخة متكاملة لنجاحه. وهو ما يعتبر رهانا ومجازفة خاطر بهما مخرج العمل والشركة المنتجة، بينما جاءت النتيجة على خلاف ذلك فالإسراف في كثرة النجوم يمكن أن يضرّ بقيمة العمل الفني.
القاهرة - استوحى الفيلم المصري “200 جنيه” وهو قصة وسيناريو وحوار أحمد عبدالله وإخراج محمد أمين، فكرته من العملة الورقية المصرية فئة 200 جنيه، وهي أكبر فئة في العملات المستخدمة حاليا وتساوي نحو 13 دولارا، ويجري تداول هذه الورقة من شخص إلى شخص من بداية الفيلم وحتى نهايته، لتصبح هذه العملة هي البطل الفعلي للعمل.
كان يمكن أن تصبح الفكرة رائعة وجذابة وحديثة لو أنها بنيت على قصة واحدة لها حبكة درامية مفهومة وعمود فقري واضح ومحدّد المعالم، بينما الفيلم شقّ طريقه إلى جوانب اجتماعية وإنسانية متنافرة، تربطها فقط إزدواجية الثروة والفقر والتناقضات المحيطة بهما، وما إلى ذلك من مرادفات عزفت على هذه التنويعة المستهلكة في مشاهد متعدّدة، وحوارات شبه صامتة، وعلى الجمهور فهم ما يعنّ له فهمه بالشكل الذي يراه مناسبا ومن خلال سياقات فنية متباينة.
تخمة في البطولة
عندما تقرأ عن فيلم يضم في البطولة كلا من ليلى علوي وغادة عادل وإسعاد يونس وصابرين ودينا فؤاد ومي سليم وملك قورة وأحمد السقا وخالد الصاوي وأحمد آدم وهاني رمزي وأحمد رزق وأحمد السعدني ومحمود حافظ، فمن الطبيعي أن تنجذب إليه باعتباره مغامرة فنية كبيرة ومحسوبة وتستحق المتابعة، لأن أصحابها أرادوا تقديم وجبة دسمة لجمهور السينما الشغوف برؤية أكبر عدد ممكن من الفنانين البارزين.
قد يتحقّق هدف الصخب في الأيام الأولى من العرض، لكن طبيعة التوليفة وأدوارها لا تضمن الصمود فترة طويلة أمام أفلام طرحت منذ أسابيع ولا تزال تحقّق إيرادات كبيرة تحمل أفكارا محدّدة، لأنك تختلف أو تتّفق حولها ففي النهاية لها قوام واضح يمكن الحديث عنه فنيا وسرديا، الأمر الذي غاب عن فيلم “200 جنيه”.
العمل بدا مكوّنا من مجموعة أفلام في فيلم واحد، في عزف مكثف على ازدواجية الثروة والفقر والتناقضات المحيطة بهما
وعلى الرغم من بساطة الفكرة التي كان يمكن تجسيدها بعدد محدود من الممثلين، إلاّ أن زحمة الفنانين والفنانات أحدثت قدرا عاليا من التشويش الفني، والمشكلة أن كل ممثل ظهر وكأنه يؤدّي “اسكيتش” معين في الفيلم ثم يختفي دوره بلا مقدّمات، بمجرد أن ينتهي “الاسكيتش” المعد بغرض احتواء الأبطال، باستثناء إسعاد يونس وأحمد السعدني ومي سليم ومحمود حافظ، حيث بدأ الفيلم معهم وانتهى بهم أيضا.
ذهبت الأم “عزيزة السيد” التي قامت بدورها إسعاد يونس في خطوة تحسب لها لأنها تخلت عن المكياج تقريبا لاستلام معاشها الشهري من مكتب البريد، وهي لا تجيد القراءة والكتابة، ومعها “خاتم” باسمها للتوقيع به في أي إجراءات حكومية، وبدلا في التوقيع في دفتر استلام معاشها وقعّت على العملة الورقية فئة 200، وطبع اسمها عليها، وجرى تداولها منها إلى ابنها إلى جميع أبطال العمل بصيغ مختلفة ثم عادت إلى صاحبتها في النهاية وهي زاهدة فيها بعد أن فقدت ابنها، وتم حشر الفنان بيومي فؤاد الذي بات مقرّرا في غالبية الأعمال في مشهد النهاية، بما يوحي بأن حشد الممثلين كان هدفا رئيسيا في حد ذاته، بقطع النظر عن الدور وما يحمله من رسائل.
كل حكاية لبطل تقدّم قصة اجتماعية تدور حول الواقع البائس لعدد كبير من المواطنين، ويتم تداول هذه العملة وانتقالها من يد إلى أخرى مع اختلاف السياقات الفنية التي توجد مبرّرات منطقية وغير منطقية لظهور البطل والبطلة والمعاونين.
وقد انعكس هذا الأمر بشكل سلبي على جودة الفيلم في بعض المناحي، فالأداء العام الفني كان على مستوى المسؤولية والكفاءة للجميع، غير أن التشويش خرج من رحم تزاحم القصص ومحاولة تخليق من كل واحدة رابطا اجتماعيا بدا ساذجا أحيانا.
يمكن القول إن العمل مكوّن من مجموعة أفلام في فيلم واحد، سعى المخرج نحو إيجاد المساحة اللازمة لكل فنان من دون تقسيم بالتساوي، فقد منحت كل من إسعاد يونس وليلى علوي وأحمد السعدني مشاهد أكثر من غيرهم.
بينما اقتصر مثلا دور صابرين على مشهد واحد كان يمكن الاستغناء عنه أصلا، لأن حشره لم يضف كثيرا للعمل سوى الزجّ بصابرين لتزيد التخمة الفنية، وإذا كان الغرض التعريف بمهنتها السابقة كلبيسة لإحدى الفنانات فمن السهولة الإشارة إلى ذلك من خلال الحوار الممتد والممل بين علوي وزوجها الذي قام بدوره محمود البزاوي.
واستدعى المؤلف حكاية معروفة لدى قطاع كبير من المصريين ذاع صيتها، وتتعلق بقيام أحد المدرسين بتلقين تلاميذه دروس التاريخ بالموسيقى، وأسند المخرج هذا الدور للفنان أحمد رزق مع تغيير المادة التعليمية، فبدلا من التاريخ اختير في الفيلم مدرس علم اجتماع، وجرى العزف على النغمة ذاتها في تعريف المادة والتفكير الصحيح والخاطئ والتلاميذ والمعلم يتراقصون.
واستكمل الفيلم هذه الرحلة بمشهد آخر ظهرت فيه الـ200 جنيه، وبعدها جاءت الصورة النمطية للمدرّس في مصر كغول في الدروس الخصوصية ما يجعله في مصاف أصحاب الرواتب العالية، مع إشارة إلى الجانب الآخر في المسألة والخاص بالمعاناة التي يتكبّدها وعدم وجود وقت لرعاية أسرته.
عبّر الفيلم في الكثير من مشاهده من خلال هذه الثيمة المفكّكة في “اسكيتش” أحمد السقا الذي يعمل سائقا على سيارة يريد تسديد أقساطها، وقد أخذته الشهامة و”الجدعنة” للتبرّع بنقوده التي حصل عليها بصعوبة لمريض جاء لإصلاح أنابيب العمارة في البناية التي يسكن فيها، والتي تفرّع منها دور السقا وعلاء زينهم وحنان سليمان.
بين الثروة والفقر
يريد الفيلم التأكيد على أن لا أحد مرتاح في هذه الدنيا، فعندما ظهر هاني رمزي كانت أزمته في توفير ثمن قميص لابنته الطفلة، لأن دخله لا يسعفه، ولجأ إلى التحايل بسذاجة من خلال الاتفاق مع صاحبة محل للملابس الراقية بأن القميص الذي تريده ابنته لا يوجد منه مقاس مناسب للطفلة عندها، وانتهى دوره عند هذا الحد.
حاول المخرج أن يبتكر في مشاهد خالد الصاوي كرجل أعمال، وأحمد آدم الغني البخيل جدا، فالأول عنده مشكلة في توفير مئات الآلاف من الجنيهات لتلبية احتياجات أسرته التي تعيش في فيلا فاخرة، والثاني يكنز الأموال وهو يعيش وحيدا في شقته ويقتّر على نفسه وحتى في ملذاته الخاصة، والأول بدا أشدّ تعاسة من الخادمة التي جاءت لتنظيف فيلته، والثاني لقي مصرعه على أيدي أشقياء قصد سرقته.

بساطة الفكرة كان يمكن تجسيدها بعدد محدود من الممثلين، إلاّ أن زحمة الفنانين أحدثت قدرا عاليا من التشويش الفني
يمكن سرد جملة من المواقف التي تؤكّد أن هذه النوعية من الأفلام تدخل مسابقات وتبدو مبهرة للنقاد، غير أن عرضها على جمهور عام في أجواء يسودها الإحباط بسبب الإجراءات الاحترازية لفايروس كورونا أمر غير موفق، فمشاهد الكآبة التي حملها الفيلم كهدف جاءت أشبه بجرعة مكثفة مثل كثافة أبطاله.
زد على ذلك أن الفيلم اختتم بأغنية شعبية للمطرب أحمد سعد تستعيد الكثير من المآسي وتستخدم كلمات الغدر والخيانة والفقر في جمل مختلفة، كأن المخرج أراد التأكيد على محور رسالته، وهي مباشرة فنية جاءت زائدة عن الحد لم يخفّف منها سوى استعراض لقطات من المشاهد في أثناء التصوير توحي بالضحك بين أبطال العمل والتي لم يتم تضمينها فيه، على غرار بعض البرامج التي تقدّم مشاهد من كواليس التصوير.
يبقى أن التصوير الداخلي والخارجي كان موفقا بدرجة كبيرة ولم يتم الاستسهال ووضع ديكورات تظهر المشاهد معلبة، ما أعطى بريقا للعمل في هذا الجانب، والذي يدعم ارتفاع مستوى الواقعية في الكثير من اللقطات، خاصة تلك التي أبرزت شكل الحارة المصرية بكل ما تحويه من فوضى وعشوائية.