"101 عزل".. قراءة في الجهود الطبية لمواجهة كورونا

اعتدنا أن تسارع السينما لتصوير الحياة زمن الأوبئة، أو حتى استشرافها، لكن هذه المرة، تكسر مسرحية “101 عزل” السائد، فتقدم رؤية فنية مقتبسة من أحداث واقعية حصلت خلال العامين الماضيين حين كان الجميع منشغلا بفايروس كورونا وسبل النجاة منه.
القاهرة – عاش العالم طوال عامين على وقع جائحة كورونا، مسكونا بالخوف من فايروس غريب، ومن شبح الموت الذي لاحق الجميع في كل مكان، فأجبرهم على عزلة صحية واجتماعية، وزج بهم في أتون صراعات نفسية وتداعيات لم تتضح أسوأ ملامحها بعد.
ولأن الفن في جزء منه هو ابن الواقع الذي يسعى إلى تقديم قراءة لأحداثه، والوقوف على بعض القصص المثيرة والمؤثرة فيه، قدمت فرقة مسرح المواجهة والتجوال في مصر، عرضا مسرحيا بعنوان “101 عزل” الذي يرصد وفى سياق دراما اجتماعية تفاصيل دقيقة ومشاعر إنسانية عاشها ملايين الأشخاص عبر العالم في لحظات حرجة شهدتها الأطقم الطبية بمستشفيات العزل في ذروة جائحة كورونا التي عصفت بالعالم خلال العامين الماضيين.
ويتتبع العرض التداعيات الاقتصادية والنفسية والاجتماعية للجائحة على الأفراد حتى الآن، انطلاقا من قصص وحكايات واقعية، كما يسلط الضوء على المتاجرين بالأزمات، وعبدة المال الذين حققوا المكاسب المادية على حساب أرواح البشر.
حياة مضطربة
أصبحت القاعدة الأساسية المعروفة عن حياة الأطباء، أنها حياة غير مستقرة، فهم مجنّدون دائما من أجل إنقاذ حياة البشر، فما بالك عند تفشي الأوبئة وانتشار الفايروسات الخطيرة كفايروس كورونا المستجدّ.
هذه الحياة المضطربة والتي تؤثر في عدد لا يحصى من الأطباء وطواقم التمريض، توضح مسرحية “101 عزل” بعضا من ملامحها ومخاطرها وحتى انعكاساتها على العلاقات الاجتماعية والظروف الاقتصادية.
وتحكي المسرحية طوال ساعة ونصف ساعة، قصصا واقعية لعدد من الأشخاص، هما أخوان أحدهما طبيب والآخر ضابط تودعهما أمهما الريفية متوجهين لخدمة الوطن خلال أزمة عالمية أوقفت سير الحياة الطبيعي، بينما في المشهد الثاني تودع الابنة الوحيدة أمها الممرضة، وفي مشهد ثالث تودع امرأة زوجها الطبيب كما يودع رجل زوجته الطبيبة.
يلتقي الجميع في لحظات وداع للتوجه نحو “حرب” لا تعرف نهايتها، بل هي قد تكون أشد خطورة وفتكا بالبشر من الحروب العسكرية التي حفظوا مجرياتها. يلتقي الجميع في ساحة الحرب على فايروس كورونا، فيحمي الضابط أسوار المستشفى بينما يواجه الطاقم الطبي الفايروس والموت.
هذه الحرب، تصيب الجميع بالجنون، فالرغبة في البقاء أقوى من الكثيرين، ومن عشرات الأشخاص الذين أصابتهم في بداية الجائحة حالة فوبيا من العدوى التي تنتقل بسرعة.
العرض يتتبع التداعيات الاقتصادية والنفسية والاجتماعية للجائحة على الأفراد حتى الآن، انطلاقا من قصص واقعية
تقدم المسرحية نموذجا حيا، لأبناء تنكروا لوالدتهم التي ماتت في المستشفى جراء إصابتها بالفايروس، وتركوها هناك خوفا على أنفسهم من العدوى، كذلك حدث مع الطبيب الشاب الذي فقد بصره جراء كورونا.
وتكشف المسرحية الصراع الثنائي الذي يعيشه البشر خلال الأزمات الخطيرة، فبعضهم يتحول إلى جندي يدافع عن حقه في الحياة وحق الآخرين في أن يعيشوا أيضا، في حين يتحول آخرون إلى كتل من الخوف، وتتملكهم الهلاوس والوساوس وتدفعهم للهرب من الآخر، مهما كان مقربا منهم، وربما حتى المتاجرة به.
والعرض من تأليف علي عبدالقوي الغلبان، الذي يقول إنه استعان بقصص حقيقية من الواقع المصري لنسج تفاصيل عمله الفني، ويشارك في تجسيد هذه الحكايات على المسرح الفنانون عبدالمنعم رياض، وأحمد عثمان، وهايدي عبدالخالق، ومحمد مبروك، وخالد سعداوي، وندا عفيفي، ونيفين أغا، ومحمد عبدالتواب.
وكتب أشعار العرض طارق علي، وصمم الاستعراضات ضياء شفيق، والديكور نهى نبيل، والأزياء هبة مجدي، والإضاءة أبوبكر الشريف، أما الموسيقى التصويرية والألحان فكانت من تأليف أحمد نبيل، والمكياج بأنامل إسلام عباس.
أطباء ممتنون
يقول مخرج المسرحية، الفنان محمد درويش، إنه حرص على زيارة المستشفيات والتواصل مع الفريق الطبي الذي عمل في مواجهة فايروس كورونا، وذلك لتقديم رؤية تلامس الحقيقة، ونقل نماذج واقعية من خلال المسرحية.
وأكد الفنان محمد الشرقاوي، مدير مسرح المواجهة والتجوال، إن مسرحية «101 عزل» تقدمها الفرقة عرفانا بتضحيات الأطباء وأطقم التمريض، لذلك كانت الفرقة حريصة على تقديم عرض فني هادف يحاكى الواقع في أحداثه وشخصياته، واستمرت البروفات ثمانية أشهر قبل إطلاق العرض.
ولأنه يتكلم عن مهنتهم وكواليسها، وخاصة ضمن ظرف زماني خاص أربك أعتى دول العالم، حرص عدد كبير من أعضاء النقابات الطبية على حضور عروض المسرحية خلال الأيام الماضية، وأبدى الكثير منهم إعجابه بها، فيما أصدرت نقابة الأطباء، بيانا رسميا وجهت فيه التحية إلى فرقة المواجهة والتجوال التابعة للبيت الفني للمسرح.
وقال الدكتور أحمد حسين، عضو مجلس نقابة الأطباء، مقرر لجنة الإعلام، إن العرض المسرحي «101 عزل» قدم على مدى ساعة ونصف ساعة تجسيدا حقيقيا ونماذج واقعية لملحمة الفريق الطبي أثناء مواجهة فايروس كورونا، خاصة في فترات اشتداد الجائحة، مشيرا إلى أن المسرحية تناولت الحياة الاجتماعية الصعبة التي فرضتها طبيعة العمل في صفوف بعض فئات المجتمع والتي تتفاقم في الأزمات والكوارث مثل جائحة كورونا التي قدم فيها الأطباء والتمريض الكثير من التضحيات.
وأضاف “رغم أن المسرحية تتناول أزمة كورونا بما فيها من مصاعب إلا أن العرض لم يخل من المشاهد الاجتماعية في قالب كوميدي، موجها الشكر لفرقة مسرح المواجهة والتجوال ووزارة الثقافة على الاهتمام بتقديم عرض فني يبرز الجانب الاجتماعي والمهني للأطباء، مؤكدا أنه سيتم التنسيق مع فرقة المواجهة والتجوال لتقديم العرض بمحافظات مصر المختلفة.
وكانت كوثر محمود نقيبة تمريض مصر قد حرصت على حضور افتتاح عروض المسرحية، وبرفقتها عدد من قيادات النقابات الفرعية في مختلف المحافظات، وأكدت عقب العرض أن المسرحية تحاكى الواقع في أحداثها وشخصياتها، وتستعرض قصصا حقيقية لبطولات الأطباء والأطقم الطبية الملقبة بـ«جيش مصر الأبيض» في مواجهة جائحة كورونا، حيث يظهر العرض المواقف البطولية والتضحيات التي قدموها من أجل إنقاذ المرضى المصابين بفايروس كورونا.
ولم تتغافل المسرحية عن التطرق إلى لحظة النصر، رغم أنها لا تزال غير مؤكدة، فتظهر فرح الطواقم الطبية والعاملين بانحسار الأزمة وتلاشي التأثير الخطير للفايروس والنجاح في إنقاذ الحالات الخطيرة، لكنها تذكر في لحظات النصر بكل الجبناء والتجار الذين تربّحوا من الأزمة وتخلوا عن أقرب الناس إليهم.