يوسف حمدان: الكتابة للأطفال اعتراف بقوة المستقبل

يوسف حمدان، روائي وقاص وناقد وأحد رواد أدب الطفل بالأردن، ولد في الرملة بفلسطين عام 1944، وبدأ بكتابة الشعر في بداية الثمانينات، ليتجه بعد ذلك للكتابة القصصية والكتابة للأطفال سواء من خلال الشعر أو القصص.
الثقافة التنويرية
يبدو الأردني يوسف حمدان أكثر اهتماما بالكتابة للأطفال والكتابة عن أدبهم، وفي ذلك كتب العديد من المؤلفات سواء القصصية أو الشعرية والنقدية، وبسؤاله عن بداية الشغف والاهتمام بالكتابة للطفل يوضح حمدان بأنه يكتب للأطفال الشعر والقصة منذ مطلع الثمانينات من القرن العشرين، مفسرا “يمكنني القول إنّ “الرغبة كانت كامنة في دوافعي النفسية للكتابة لهم تعبيرا عن دورهم في الماضي والمستقبل في النضال لتحرير فلسطين وتحقيق أمل العودة إليها، فكتاباتي للطفل الفلسطيني تثقيفية وتحفيزية لصناعة جيل المستقبل الواعي بقضيته، وواكبت كتاباتي انتفاضته، ومعظمها كانت انعكاسا للصورة النضالية التي حمل أطفال فلسطين رايتها ببسالة مشهودة لهم، من خلال انتفاضة الحجارة الأولى التي كان يتصدى أطفال فلسطين لرصاص عدوهم برمي الحجارة فكانوا خطَّ دفاع عن أهلهم ومقدّساتهم”.
ويستطرد “أما عن تشكل وعيي المبكر فكان بسبب مواكبتي لمأساة شعبي فأنا من مواليد 1943 قبل النكبة ببضع سنوات وعشت المأساة كلّها في مراحل عمري، في الوقت الراهن انحزت لفكرة كتابة مواضيع تنويرية عامة للأطفال، وهو اتجاه أسلكه في كتاباتي للكبار، فمنحى الكتابة عندي مواكب للثقافة التنويرية للكبار بشكل متعدد ولي في مجاله الأدبي غير كتاباتي للأطفال ما ينوف عن عشرين كتابا في الشعر والسير والنقد والثقافة العامة، فمن كتبي يمكن للقارئ العربي أن يتعرف على أدباء فلسطين والأردن وبعض الأدباء العرب”.
وفي ما يتعلق بأهم الشروط التي يجب الالتزام بها في الكتابة للطفل يقول حمدان “هناك كتابات موجهة للطفل العربي مكملة لبعضها البعض، منها الجيد والمفيد ومنها الغث الذي يأتي به أنصاف وأرباع الكتاب الذين يفتقرون لصياغة الجمل ويرسلون ما ينتجون بشكل أو بآخر إلى من يعمل قلمه فيه فيصير غثاء. الكتابة للطفل من الصعوبة بمكان، فهي تحتاج لفهم مصطلح نفرق به بين أن نكتب له وبين أن نكتب عنه، المهم أن نفهم بوعي تربوي جاد ماذا نكتب له، بلغة متقنة وسهلة سلامتها منفعيّا ولغويّاً أهم ما فيها. وكنت قد رصدت في كتابي أدباء أردنيين كتبوا للأطفال أولئك الزملاء الذين وجدت في إنتاجهم جهودا إبداعية موفقة، أصدرته عام 1995 ولاقى قبولا، ويمكن الاطلاع عليه وعلى جميع مؤلفاتي من خلال موقع الذخيرة العربية التابع لوزارة الثقافة الأردنية والجامعة العربية”.
|
خفوت ثلاثي
في العام 2011، أصدر حمدان رواية بعنوان “ضوضاء الرّيح” نالت الكثير من الاستحسان، وهي رواية سيرية تتناول النكبة الفلسطينية ومأساة التهجير القسري للفلسطينيين من وطنهم، فالرواية تمثل مأساة شعب عانى من التشرد في بدايات المواجهة بين الجدّ واليهودي إبراهام والمساومة على بيع الأرض ورفض الجد، فيستمر اليهود بألاعيبهم، حتى يستولي اليهودي على الأرض، فيغادر الجميع قريتهم إذنبة وتأخذهم دروب التشرد وصولا إلى مخيم النويعمة بأريحا لتواصل الرواية أحداثها في إطار تشويقي ولغة سلسة مفعمة ببعض الأشعار.
لم يكتب حمدان بعد “ضوضاء الريح” عملا روائيا آخر، وبسؤاله عن سبب ابتعاده عن الكتابات الروائية، يقول حمدان “الحياة لنا كفلسطينيين كانت تفرض علينا أولويّاتها في الحصول على لقمة العيش، وهذا ما عانيتُ منه شخصيّا عندما دخلتُ عالم الكتابة الشاق من باب لقمة العيش، فدراستي كانت مهنية في إنتاج البترول وتوليد الطاقة الكهربائية، ولكنّي كنتُ مهووسا بالقراءة وتعلّم اللغة العربية تعليما سليما، كان لي طموح واستثمرته، وأنا من رواد الأدب الأردني والفلسطيني ومن الجيل المؤسس لرابطة الكتاب الأردنيين منذ عام 1982”.
وفي ما يتصل عموما بما يسعى من خلال كافة أشكال الكتابة التي يمارسها، يلفت حمدان إلى أن الكتابة كمبدأ رسالة تنويرية تحملها سطور الكاتب المبدع سواء كانت شعرا أو نثرا إلى من يشعر بمسؤولية تجاههم سواء في وطنه أو لعموم الناس الذين يتوسّم فيهم القبول والاستفادة من طروحاته بما يرون فيها من تنوير وخير لهم.
|
أما عن المشهد الشعري الراهن، فيتحدث عنه حمدان الذي كتب أكثر من ديوان شعري للكبار والأطفال بأشكال مختلفة، قائلا ” المشهد الشعري في وقتنا وظروفنا العسيرة هذه يشبه رمي السهام في النحور، فلا أحد يرى أملا في المشهد الدامي اللاعب في الساحة العربية والإسلامية التي تميل بها رياح الأهواء حيث تميل إن جاز التعبير، فمصطلح خفوت الشعر يتم تكريسه حاليّا بفعل عتمة الرؤية للشاعر، حتى النظر من ثقب الباب غير متاح الآن لأن لا شيء في الدّاخل إلا العتمة”.
أخيرا وفي ما يتعلق بالمشهد النقدي في بلده يقول حمدان “أنّى لي أن أجيب عن سؤال كهذا وأنا تربّيت على نشيد ‘بلاد العُرْبِ أوطاني‘ المعروف منذ نعومة أظفاري؟ الناقد من حولي يشرب من حوض زميله الناقد من حول كل من حمل قلم النقد في أوطاننا الموحّدة والمبعثرة في آن واحد، والخلل هنا هو نفسه هناك وأوجهه متشابهة النوازع وألوان الحبر، لا سبيل للتغلب على أوجهها تلك وإصلاحها إلا بأن نعود إلى نشيدنا الأصيل للشاعر العربي فخري البارودي الذي كتبه في زمن ‘الصفر‘ العربي على أمل كان يراه في أمته وهو يغطُّ في أحلامه الحالمة ليرحل عن هذه الدنيا غير الحالمة والتي لم تنم لتحلم فبقيت مستيقظة لتنحر قبتها بسيف فرقتها وخذلانها”.