يركب الليث ولا يركبها

في الرابع من مايو 1991 أعلن عن وفاة الفنان محمد عبدالوهاب بسبب تعثره في سجاد أرضية البيت. أي دون عدوى مرضية ومن خارج خطر حوادث الطيران.
الأحد 2024/05/05
فنان عانى من فوبيا ركوب الطائرة

كان أمير الشعراء أحمد شوقي من أكثر الناس خوفا من ركوب الطائرة، حتى أنه قال في واحدة من قصائده:

أَركَبُ اللَيثَ وَلا أَركَبُها

وَأَرى لَيثَ الشَرى أَوفى ذِماما

غَدَرَت جَيرونَ لَم تَحفِل بِهِ

وَبِما حاوَلَ مِن فَوزٍ وَراما

وَقَعَت ناحِيَةً فَاِحتَرَقَت

مِثلَ قُرصِ الشَمسِ بِالأُفقِ اِضطِراما.

ولا أدري إن كانت عدوى فوبيا ركوب الطائرة قد انتقلت من الشاعر الكبير إلى الموسيقار محمد عبدالوهاب الذي كان قريبا منه وعاش في ظل رعايته الفنية والأدبية، حتى أصبح أحد أهم المشاهير المرعوبين من السفر جوّا، وقد يكون أشهرهم عربيا، وهو الذي اعتبر ركوب الطائرة أسرع طريق نحو الآخرة.

وأول مرة اضطر فيها موسيقار الأجيال لركوب الطائرة كانت وهو في السادسة والخمسين من عمره، وبقرار رئاسي، عندما دعاه الرئيس جمال عبدالناصر إلى السفر صحبة عبدالحليم للغناء في دمشق بمناسبة قيام الوحدة بين البلدين في العام 1958.

وفي كتابه “عبدالوهاب.. الفنان والإنسان” الصادر في عام 1996، ذكر مجدي العمروسي شريك عبدالوهاب وعبدالحليم في شركة “صوت الفن” بأن أولاد الحلال أبلغوا عبدالناصر بأن موسيقار الأجيال رافض للمشاركة في الحفل، ويحاول أن يتستّر بالخوف من ركوب الطائرة. ولذلك اتصل به هاتفيا، وقال له بصوت فيه الكثير من الحزم: “يا أستاذ عبدالوهاب أنا جمال عبدالناصر بعد ربع ساعة ستكون عندك سيارة من الجيش تأخذك للمطار”.

صرح عبدالوهاب في مقابلة صحفية في العام 1976 مستذكرا تلك الحادثة: “أردت أن أكفّر عن ذنوبي وأتطهّر ممّا علق في نفسي من خطايا فبحثت عن أصعب صور العذاب الذي يمكن لبشر أن يتحمله والذي يضمن لي الجنة، ولم أجد أحسن ولا أجمل من ركوب الطائرة لأتعذب فيها، وقد أجاب الله طلبي فتعذبت وتطهّرت وسأدخل الجنة إن شاء الله.. وقد ركبت الليث وهي الطائرة، ولا تدري كم كانت صورة الخوف والهلع التي عانيتها طوال الرحلة”. وأضاف: “أما المرة الثانية فعندما وقعت الأزمة الشهيرة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي بسبب قواعد الصواريخ التي أقيمت في كوبا وتصورت أن حربا عالمية ستنشب خلال أيام فاضطررت لركوب الطائرة من أوروبا عائدا إلى القاهرة”، والمرة الثالثة “كنت في لبنان أسجل للمرحوم عبدالحليم حافظ لحن ‘ضي القناديل’ عندما اتصلت بي زوجتي لتقول لي بأن والدتي العزيزة مريضة”.

وعبدالوهاب معروف عنه أنه كان مصابا بالوسواس القهري وممن يخافون المرض بشكل كبير إلى جانب خوفه من ركوب الطائرة، وكانت له عادة المشي ألف خطوة يوميا في داخل المنزل باعتباره لا يستطيع المشي في الشوارع بسبب شهرته وخشيته من الفضوليين، وفي الرابع من مايو 1991 أعلن عن وفاته بسبب تعثره في سجاد أرضية البيت. أي دون عدوى مرضية ومن خارج خطر حوادث الطيران. رحم الله الفنان الكبير.

18