يد الكاتب هي دوما "يد ثانية"

الكاتب المغربي عبدالسلام بن عبدالعالي يرى أن الكاتب غالبا ما يقتبس حتى أضحى يظن أنه صاحب الفكرة وأنه السباق إليها.
الجمعة 2020/02/07
عبدالسلام بن عبدالعالي يستنطق التراث الفكري

ميلانو (إيطاليا) - صدر حديثا للكاتب والمترجم المغربي عبدالسلام بن عبدالعالي كتاب فلسفي بعنوان “لا أملك إلا المسافات التي تبعدني”.

وفي مقدمة الكتاب، يتضح معنى العنوان كعتبة أولى، حيث يقول الكاتب “يبدي البعض انزعاجا كبيرا من الكتابات التي تستعين بالاقتباسات، و”تتكئ“ على بعض المفكرين الذين غدت أسماؤهم حجة يعتمد عليها، وسندا ”يستند “ إليه، ودعامة تستمد منها الأحكام صدقها، وتنهل منها الخطابات أهميتها، وتكتسب منها الكتابة قوتها. وهم ينصحون كتّابنا أن يقلعوا عن استنساخ غيرهم، ويثبتوا كفاءتهم وقدرتهم على الإبداع بأن ينطلقوا من “درجة صفر الكتابة”.

ويضيف المؤلف “رغم براءة النصيحة وحسن نيتها وغيرتها على فكر‘نا‘ وإبداعـ‘نا‘، فهي تنطوي على مفهوم معين من الكتابة، ونظرة بعينها إلى الفكر، بل ربما تفترض فهما معينا للهوية، وموقفا بعينه من التراث الفكري”.

إضافة نوعية لمنجز الكاتب عبدالسلام بن عبدالعالي من مؤلفات وترجمات
إضافة نوعية لمنجز الكاتب عبدالسلام بن عبدالعالي من مؤلفات وترجمات

المسلمة الأولى التي تفترضها هذه النظرة، كما يرى بن عبدالعالي، هي أن الاقتباس أمر يتم دوما بوعي وسبق إصرار. والحال أن الكاتب غالبا ما يقتبس حتى أضحى يظن أنه صاحب الفكرة وأنه السباق إليها.

إن الكتابة توليد للفكر واللغة، ومن يقول اللغة يقتحم اللاوعي، ويدخل غياهب التاريخ. لذا نجد من المفكرين من ذهب إلى القول إن اللغة هي التي تفكر وتكتب، وإن يد الكاتب هي، دوما، “يد ثانية”.

في اقتحامه لغياهب التاريخ يطرح بن عبدالعالي مسألة التراث الفكري وكيفية تملكه وتجاوزه. وهي، كما نعلم، مسألة معقدة، يتوقف النظر فيها على فهمنا للفكر وللقطائع والانفصالات. وهذا الفهم يتدرج من مجرد الموقف الوضعي الذي يعتبر القطيعة انفصالا مطلقا، يجبّ فيه الحاضر ما قبله، إلى الموقف الجينيالوجي الذي ينظر إلى التراث الفكري على أنه ينطوي على ما يحجبه ويغلفه، فيعتبر تجاوزه تراجعا متواصلا إلى الوراء، كما يعتبر التملك الفكري انفصالا دؤوبا، تتعين فيه الهوية بالمسافات التي تبعدها، أكثر مما تتحدد بانصهارها وتوحدها مع ما تزعم تملكّه.

أخيرا جاء الكتاب في 400 صفحة من القطع الوسط، وهو إضافة نوعية لمنجز الكاتب عبدالسلام بن عبدالعالي من مؤلفات وترجمات، ليتأكد في سياقه الجديد من أن الحوار مع التراث الفكري يهدف إلى بلوغ الشيء ذاته الذي قيل في أنحاء مختلفة.

ونذكر أن الكتاب صدر الكتاب عن منشورات المتوسط - إيطاليا، أما عبدالسلام بن عبدالعالي فهو كاتب ومترجم وأستاذ بكلية الآداب في جامعة الرباط بالمغرب.

من مؤلفاته “الفلسفة السياسية عند الفارابي”، “في الترجمة”، “ضيافة الغريب”، “جرح الكائن”، “القراءة رافعة رأسها” وغيرها. ومن ترجماته نذكر “الكتابة والتناسخ” و“أتكلم جميع اللغات” لعبدالفتاح كيليطو، و“درس السيميولوجيا” لرولان بارت وغيرها.

14