يجب أن يظل الدعم الأميركي لمنظمات الأمم المتحدة دون تغيير

إذا أعيد انتخاب ترامب فينبغي إقناعه بعدم اتخاذ إجراءات من شأنها أن تقلل نفوذ أميركا على هذه المنظمات.
الخميس 2024/09/19
التمويل يخدم واشنطن بالدرجة الأولى

انسحبت الولايات المتحدة خلال رئاسة دونالد ترامب من العديد من المنظمات الدولية. ويشمل ذلك وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) ومنظمة الصحة العالمية ومنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، ومجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة.

كانت تصرفات ترامب مدفوعة جزئيًا بإستراتيجية أوسع نطاقًا ويبدو أنها تفضل بدرجة أولى إعطاء الأولوية لسياسات “أميركا أولاً”. وغالبًا ما استشهد ترامب بالتحيزات أو عدم الكفاءة المتصورة داخل هذه المنظمات.

وإذا أعيد انتخابه فينبغي إقناعه بعدم اتخاذ إجراءات مماثلة لأن ذلك من شأنه أن يقلل -بدلاً من أن يخدم- دور قيادة أميركا ونفوذها على هذه المنظمات ويمنعها من القيادة بالقدوة والسير على أرض أخلاقية عالية. وعلى الرغم من أن ترامب، إذا أعيد انتخابه، سينسحب على الأرجح من العديد من هذه المنظمات، فإن موعد ذلك وكيفية تصرّفه قد يعتمدان على عدة عوامل.

وكانت السياسة الخارجية لترامب في الكثير من الأحيان معاملاتية؛ كان يسترشد بما يعتقد أنه يخدم مصالح أميركا على أفضل وجه. فإذا كان البقاء في هذه المنظمات يتعارض مع مصالحه الإستراتيجية المتصورة، مهما كان ذلك مضللاً، فمن المؤكد أنه سيفكر في الانسحاب مرة أخرى من هذه المنظمات وغيرها من منظمات الأمم المتحدة.

◙ تصرفات ترامب كانت مدفوعة جزئيًا بإستراتيجية أوسع نطاقًا ويبدو أنها تفضل بدرجة أولى إعطاء الأولوية لسياسات “أميركا أولاً”.

ويمكن للمناخ السياسي المحلي والدولي أن يؤثر على قراراته. على سبيل المثال، إذا تمتع ترامب بدعم محلي قوي للانسحاب من المنظمات الدولية أو إذا كانت التوترات الجيوسياسية تتطلب إعادة تقييم التحالفات، فقد يسعى إلى اتخاذ إجراءات مماثلة. وكانت انسحابات ترامب السابقة مدفوعة بانتقاداته للعديد من هذه المنظمات، مثل الاشتباه في سوء الإدارة أو التحيز ضد دول معينة أو عدم الكفاءة في التعامل مع القضايا العالمية. ويمكن توقع إجراءات مماثلة إذا ظلت آراؤه بشأن هذه “المخاوف” دون تغيير.

ومع ذلك، ونظرا لما كان ترامب يقوله ويدافع عنه أثناء حملته لإعادة انتخابه، فإنه يظل ملتزماً بفكرته المضللة “أميركا أولاً”، هذا في حين أن مصلحة أميركا في الواقع تتمثل في البقاء بدلاً من الانسحاب من هذه المنظمات الدولية. ولكن إذا اتخذ إجراءً مماثلاً، فقد يخلق فجوات مالية كبيرة في هذه المنظمات نظرا لدور الولايات المتحدة كأكبر مساهم في الأمم المتحدة، ففي عام 2022 ساهمت بأكثر من 18 مليار دولار، وهو ما يمثل حوالي ثلث التمويل الإجمالي للأمم المتحدة. هذا الدعم المالي الكبير أمر بالغ الأهمية لعمليات الأمم المتحدة المختلفة، بما في ذلك حفظ السلام والمساعدات الإنسانية والمبادرات الصحية.

وفي حالة انسحاب الولايات المتحدة، ينبغي أن تكون الأمم المتحدة مستعدة لاتخاذ عدة تدابير للتخفيف من التأثير السلبي على هذه المنظمات. ويجب على الأمين العام للأمم المتحدة أن يسعى إلى بناء تحالفات أقوى مع دول أخرى لتكثيف الجهود من أجل ملء الفراغ المالي والمساعدة في التخفيف من تأثير انسحاب الولايات المتحدة، بما في ذلك رعاية العلاقات مع الاقتصادات الناشئة والقوى الإقليمية.

وباعتبارها ثاني أكبر مساهم في الأمم المتحدة، زادت الصين بالفعل التزاماتها المالية في السنوات الأخيرة. ففي عام 2022 ساهمت بنحو 16 في المئة من موازنة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة و15 في المئة من الموازنة العادية للأمم المتحدة، وهو ما يجعلها لاعباً مهماً.

وتعد اليابان وألمانيا والمملكة المتحدة من بين أكبر المساهمين في موازنة الأمم المتحدة، حيث تساهم اليابان بنحو 8 في المئة، وتساهم ألمانيا بحوالي 6 في المئة، وتساهم المملكة المتحدة بنحو 4 في المئة. وفي حين قد تكافح هذه الدول لسد الفجوة التي خلفتها الولايات المتحدة بالكامل، فإنها قد تزيد من مساهماتها للتخفيف من التأثير السلبي.

ونظراً لالتزامه بالتعددية والتعاون الدولي، يمكن للاتحاد الأوروبي أن يزيد بشكل جماعي مساهماته في الأمم المتحدة، الأمر الذي من شأنه أن يمنح الكتلة فرصة لتأكيد زعامتها على الساحة العالمية. وقد يتم تشجيع القوى الناشئة، مثل الهند والبرازيل التي تنمو اقتصاديا، على زيادة مساهماتها أيضاً. وقد يسمح هذا لهذه الدول باكتساب المزيد من النفوذ في الشؤون الدولية.

◙ ينبغي للمنظمات مثل الأونروا تنويع مصادر تمويلها لتقليص اعتمادها على أي دولة منفردة، وخاصة الولايات المتحدة التي تعد المساهم الأكبر

وفي حين قد تزيد هذه البلدان والمجموعات من مساهماتها، من المهم أن نلاحظ أن الفجوة المالية التي خلفتها الولايات المتحدة سيكون من الصعب سدها بالكامل. ولذلك سيتعين على الأمم المتحدة تحديد أولويات برامجها والسعي إلى تحقيق الكفاءات للتعامل مع التمويل المنخفض. بالإضافة إلى ذلك قد يؤدي فقدان الدعم الأميركي إلى تحولات إستراتيجية داخل الأمم المتحدة، الأمر الذي من شأنه أن يؤثر على عملياتها ونفوذها.

وينبغي للمنظمات مثل الأونروا تنويع مصادر تمويلها لتقليص اعتمادها على أي دولة منفردة، وخاصة الولايات المتحدة التي تعد المساهم الأكبر. وقد يتضمن هذا زيادة المساهمات من الدول الأعضاء الأخرى في الأمم المتحدة والمانحين من القطاع الخاص والمنظمات الخيرية المهتمة بشكل خاص بمحنة الفلسطينيين. وقد تشمل هذه البلدان المملكة العربية السعودية وقطر والإمارات العربية المتحدة والبحرين وغيرها من الدول العربية الغنية بالنفط.

ويجب على الأمم المتحدة أن تتواصل بشكل خاص مع العديد من صناع السياسات في الولايات المتحدة لتبديد مخاوفها وإظهار فوائد العضوية في المنظمات، الأمر الذي قد يجنّب الانسحابات المستقبلية من قبل إدارة ترامب الجديدة. وقد يستلزم هذا التأكيد على الفوائد الإستراتيجية للتعاون متعدد الأطراف في معالجة التحديات الدولية.

إن معالجة الانتقادات التي أدت إلى الانسحابات السابقة، مثل التحيزات المتصورة أو عدم توفّر الكفاءات، من شأنها أن تساعد في منع الانسحابات المستقبلية. علاوة على ذلك، فإن الإصلاحات الشفافة وتدابير المساءلة قد تطمئن الدول الأعضاء المتشككة في أهمية وفاعلية المنظمات.

ويجب أن يظل الدعم المالي الأميركي للعديد من منظمات الأمم المتحدة دون انقطاع. وينبغي لأولئك الذين يمكنهم ممارسة أي تأثير على ترامب أن يقنعوه -في حالة إعادة انتخابه- بمدى أهمية الدعم الأميركي لعمل هذه المنظمات، وكذلك للمصلحة الذاتية للولايات المتحدة، وهو ما يتفق مع فكرة ترامب “أميركا أولاً”. ومع ذلك، وبالنظر إلى ما نعرفه عن ترامب، من المرجح أنه لن يغير طرقه وقد يسعى إلى نفس السياسات قصيرة النظر.

وبالتالي، ومن خلال إعداد وتبني التدابير الإستراتيجية المذكورة أعلاه، ستكون الأمم المتحدة ووكالاتها في وضع أقوى بكثير للبقاء على قيد الحياة في ظلّ التحولات المحتملة في معاملة الولايات المتحدة لهذه المنظمات وسياستها الخارجية بشكل عام في عهد ترامب والمضي قدمًا بكفاءة في مهامها المهمة.

6