يا ليل لا تنتهي

كان الليل طويلا يوم كتب امرؤ القيس "وليل كموج البحر أرخى سدوله/ علي بأنواع الهموم ليبتلي"، ولم يكن ذلك الليل خفيفا، ذلك لأن الحزن يضفي على عتمة الليل ثقلا ليس من طبيعته.
إنه الليل الشخصي. بمعنى أن لكل إنسان ليله الخاص. وهو ما عبرت عنه أم كلثوم في أغنيتها "هذه ليلتي" التي كانت حلم حياتها كما تقول.
من جهته فإن وديع الصافي كان قد استعار من المجنون حبا قيس بن الملوح الأبيات التي يقول فيها "الليل يا ليلى يعاتبني/ ويقول لي سلّم على ليلى/ الحب لا تحلو نسائمه/ إلا إذا غنى الهوى ليلى".
الليل هو أيضا مناسبة للمراجعة والعودة إلى ما شهده النهار من وقائع، وحين يُقال "قضى فلان ليلته الأخيرة في التفكير في مصيره"، فإن ذلك يعني أن المرء قابل موته بعينين مفتوحتين؛ "لم يغمض له جفن".
وقد لا يكون صحيحا المثل الذي يقول "كلام الليل يمحوه النهار"، فالليل هو الأكثر قربا من الروح، وتضحية المرء بليله ليست كتخليه عن نهاره الذي غالبا ما يكون مُلك الآخرين.
يقول اليمني عبدالرب إدريس "ليلة لو باقي ليلة/ بعمري أبيك الليلة"، ولو عدنا إلى حكايات شهرزاد، فإنها لم تُكتب إلا من أجل أن تعيش المرأة الجميلة الليالي الألف لتصل إلى ليلة ستصل بها إلى شاطئ الأمان. تلك ليلتها الوحيدة التي لن تعيشها بقلق، وسيكون عليها أن تردد مع أم كلثوم "هذه ليلتي".
وليس في الإمكان نسيان محمد فوزي وقد ملأ طفولتنا مرحا ونحن نردد وراءه "ذهب الليلُ/ طلع الفجرُ/ والعصفور صوصو/ شاف القطة/ قلها بسبس/ قالتو نونو"، لم يكن ذلك ليل امرؤ القيس الثقيل ومع ذلك، فإن هناك فرحا كان يغمرنا بولادة نهار جديد يكون العصفور قد نجا من القطة.
كانت شهرزاد هي العصفور الذي ظل يرفرف بجناحيه المذعورين وسط موسيقى أرواحنا المضطربة. بسبب تلك الأغنية لُقب محمد فوزي بأمير البهجة. وليس هناك أجمل منه حين غنى "ماما زمانها جايه" كلما سمعتها التفت إلى الباب لأتذكر أن ليل الأم الغائبة طويل.
وبعكس الجميع يبدو كاظم الساهر متلذذا بالليل بطريقة استثنائية وهو يقول "يا ليل لا تنتهي/ توني ابتديت الغزل/ لأرقص وأغني وأدق/ والله لو ما الخجل"، وهنا يقول الساهر جملة تختصر الحكاية بطريقة رومانسية "الجو جميل وشاعري/ خليني أمتّع ناظري".
وقد يكون الساهر قد كشف عن سر إصرار شهريار على الوصول إلى الليلة التي تلي الألف ليلة. لقد كان الملك يمتع نظره مثلما تملأ موسيقى الصوت أذنيه فيما يحلق خيال الجميلة به في عالم مليء بالمغامرات.